الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دموع بين اكف الثلج

فضيلة مرتضى

2015 / 3 / 27
الادب والفن


دموع بين أكف الثلج
قصة قصيرة
فضيلة مرتضى
أستيقظت من النوم في ساعة مبكرة صباحآ على غير عادتها ,وكان صباح قارص البرودة والثلج يتساقط بغزارة منذ ثلاثة أيام دون توقف وصوت الجرافة الثلجية في الليل والنهار تدخل مسامعها في الشارع الرئيسي والشوارع الفرعية بين البيوت بين آونة وأخرى . خلال الأيام العاصفة بالثلج فضلت البقاء في أحضان الدفء في البيت والأستماع الى الموسيقى والقراءة والكتابة ومشاهدة برامج التلفاز ومتابعة أخبار الأحداث الجارية في الوطن للهروب من الكآبة ووشوشة الأفكار المؤذية للنفس. تعودت منذ سنوات على شتاء بلد الصقيع ومهرجانات الثلج وعواصفها الموسمية وتعودت على الوحدة أيضآ بعد وفاة الزوج , وعلى الرغم من هذا التعود الكآبة هي نصيب كل سكان هذه المنطقة الباردة والمظلمة طوال فترة الشتاء ولولا الثلج لكان ظلام لايحتمل . بقعة من الأرض في أقصى شمال الكرة الأرضية سكانها لديهم أمتيازات معيشية كثيرة منحتها لهم الدولة إلا أن نسبة الأنتحار بين سكانه عالية . حوادث الأنتحارات بين صفوف كبار السن أكثر بكثير من الشباب والغريب في الأمر طريقة الأنتحار فمعظم المنتحرين في رأس السنة الميلادية حيث الشعور بالوحدة والأنكسار النفسي, ووحشة الليل ورهبة السكون عميق الوجوم يطوي وراء وحشته ألمآ عتيآ يعتلي على جراح القلوب , يرمون أنفسهم من بالكونات الشقق {الڤ-;-رندة} شئ يشغل بالها لماذا رمي الأنفس من الأعلى الى الأسفل في الليالي الباردة وبين أحضان الثلج؟! .الليل غلالة سوداء تنسدل على الأحياءالبشرية يهجعون وتنتظر الأجساد يوم آخر ليصبون في الشوارع الطويلة والأزقة ومنه يتوزعون على أماكن العمل والمقاهي والأسواق وفي الليل يعيش المتقاعدين والعاطلين عن العمل حياة الوحدة والكآبة . لبست الروب المعلق في خزان الملابس ونزلت من السلالم بتأني ماسكة مسند السلالم على الجانب الأيمن لانها لازالت تشعر بالأسترخاء وعيونها نصف مفتوحة وعند نزولها الى الطابق الأسفل كانت دهشتها كبيرة!! وجدت البيت مظلم تمامآ على عكس الطابق العلوي ، نوافذ الطابق السفلي كبيرة والأنارة تدخل الى البيت من الجهتين وعند سقوط الثلج الضوء الخارجي يكون قوي يدخل من خلال النوافذ يشع البيت بالنور تسائلت:ماذا حدث!! لماذا الطابق السفلي مظلم هكذا؟!
أتجهت الى المطبخ وكانت خلال الدجى مقلتاها كنجمتين تضئ طريقها وتبصر في أركان مطبخها كان مظلم والأغرب تظهر النوافذ وكأنها مغطاة بچادر من الخارج {الچادر قماش ثخين يستعمل للخيم } .. دق قلبها سريعآ وسؤال مصحوب بالأنفعال: ماذا حدث الهي؟إ .. من وضع هذا الغطاء على نوافذ البيت ؟..أسرعت الى خزان الملابس القريب من الباب الخارجي ولبست بسرعة فائقة الملابس الواقية للثلج ولبست الحذاء الخاص أيضآ لمثل هكذا طقس تحسبآ للحوادث التي تكثر في هذه المواسم حيث العواصف الثلجية والأنزلاق والسقوط على الأرصفة في الطريق وأكثر الأوقات تحدث كسور بالعظام والمستشفيات تحتضنهم. وبسرعة فتحت الباب الخارجي وبدون أنتظار وتوقع ....سقطت على جسدها أكوام من الثلج القطني وأمتلئ الممر بأكوام من القطن البارد وحينها أدركت بأن البيت مدفون في الثلج وبصعوبة أغلقت الباب ثانية مع موجات من الضحك والبكاء الهستيري يتناوبان عليها . وقفت لثواني وسط أكوام الثلج بذهول تفكر ماذا عليها أن تفعل ,لم تكن تتصور حجم العاصفة أرتكبت خطآ عند عدم خروجها من البيت ومعالجة الأمر في الأيام السابقة مما جعل الثلج يتراكم وخصوصآ خلال الليلة الماضية والعاصفة ستستمر لعدة أيام . كانت في حالة من فوضى الأحساس والحزن والقلق...الثلج لايزال عاصفآ ويسقط بغزارة ويغطي كل شئ تحت أكفه الأشجار والبنايات والشوارع والأرصفة وكل مايجلس على الأرض . الدموع أمتلأ في عينيها وسقط على خديها ومنه الى الممر مابين الخد والأنف وبعدها سقطت فوق الثلج المتكوم على أرضية الممر الداخلي للبيت في تلك اللحظة لم تستطيع أن تمسح كل شئ في ذاكرتها فقس فيها وتزايد كل شئ محزن مر في حياتها والضوء أنطفأ في قدرتها وتحملها وصوت الريح في الخارج زاد من هياج حزنها فتحركت شفتيها بأبيات شعرية مع موجات بكاء بصوت عالي:
أقفرت الأيام
وجه مدينتا يغرق
في الأصداء:
هذا تاريخ يطوي الصفحة
من نجم
كان يضئ الأرجاء
ريح صفراء أجتاحت رحلتنا
في ديوان الغرباء
{قصيدة مرثية للشاعر عبد الستار نورعلي بعد وفاة الرياضي الدولي داود سلمان اللاعب في كرة السلة}
كان يشمر ساعده حبيبها ورفيق دربها وكان كالقنديل يشع كلما وجدها في حاجة الى سواعده ويزيل كل مايقف في طريق راحتها ولسان حاله: حبيبتي لاتفكري عندك بطل يقف الى جانبك ويضحك ويكمل حديثه بمزحته المعتادة سماعه في الشدائد: شبيك لبيك داود بين يديك.وفي تلك اللحظات أحست بمرارة وحدتها وأشتاقت الى وجودهه بجانبها وكم هي بحاجة اليه كانا ثنائي جميل يكمل بعضهم البعض لايفترقان أبدآ. ولكن الموت كان قادمآ فقال كلمته :أفتح الأبواب أنا قادم لتصحبني دون نقاش أنا ريح الموت جئت لأحملك الى دنيا التراب لتضئ كالمصباح تحت الثرى فمثلك يحتاجه الأرض لينبت سنابل القمح في وادي الكرماء.
مددت يديها الباردة الى أدوات التنظيف وفي القلب كف الكآبة يضغط على جميع حواسها ورغبة شديدة للصراخ ولكنها مسكت نفسها بقوة لكي لاتنهار تمامآ وباشرت بتنظيف الممر وأزالة الجليد وبعدها رمت الأدوات داخل المخزن المخصص لتلك الأدوات وجلست أمام طاولة الأكل في المطبخ وأمام النافذة المدفونة بالثلج ووضعت يدها على خدها ولم تبطل البكاء.
فجأة رن الهاتف وكان على الجانب الأخر صوت رائع النغمات يأتي من بغداد الحبيبة صوت من ينبوع الحنان..صوت شقيقتها: حبيبتي مشغول فكري عليك سمعت بالعاصفة وأنا قلقة أتمنى أن تكوني سالمة, وبهذه الكلمات مسحت أثر الجروح الكبيرة في أعماقها وبللت عطرها الجفاف في حلقها وفضاء من الطفولة حلقت فيه وغسلت بحنانها الحزن العميق وقربت المسافة بينها وبين الصدر الحنون وشعرت وكأنها في حضن اختها الحبيبة وكليهما في حضن الوطن تحت سماءه وشمسه الرؤم . شعور طفلة صغيرة أجتاحت كيانها فهدئت ومسحت دموعها بعد أن أستمعت الى كلمات القلب وهداية العقل وقررت أن تبدأ رحلة الصراع مع الثلج ودحره بعد أن أعادت لها أختها مافقدته لحظات المفاجئة: لاتبكي حبيبتي أنت أبنة النخلة العراقية والنخلة صامدة تتحدى الرياح كوني أنت ولاتنهاري وسوف أتصل بك مرة ثانية وأحب أن أسمع بأنك أقوى من العواصف وأمتن من الحديد ألا ترين أختك في العراق وصمودها رغم كل الكوارث والمحن؟ أحست بالخجل أمام تلك الكلمات . رجعت الى وعيها وأجتاحت ضوء الحياة مازال هناك شئ من الصمود في مكامن النفس فالتصمد فليس من المعقول الأنهيار أمام أكوام من الثلوج تصهرها حرارة الشمس ,وتحولها الى بخار لتعيدها الى البحار والبحيرات. :اسكتي أيتها الرياح الثلجية سأبعث اليك حرارة الشمس لتحولك الى بخار . ضحكت على نفسها وذهبت الى الحمام وأسلمت وجهها الى زخات المياه الدافئة ولبست ثيابآ جديدة وسجلت في ذاكرتها الحدث لكي تسقطه على الورق الأبيض . بعد أن تناولت فطورها وشربت قهوتها الصباحية أتجهت وبكل قوتها من جديد وبملابس العمل وفتحت الباب بقوة وبدأت بالحفر في أكوام الثلوج المتراكمة أمام البيت وأستطاعت أن تحفر ممر ثلجي ومنه بدأت بأزالة الثلوج أمام المنزل والمتكومة على الشبابيك والعاصفة كانت قد هدأت وكان مجهود غير عادي أستغرق أكثرمن ساعة أستعملت فيه كل الأدوات التي تستعمل في هكذا عمل.أغلقت الباب وأخلعت الملابس الثقيلة وعلقتها في المكان المخصص لتعليق الملابس بجانب الباب وجلست أمام النافذة وشعور جميل دخل الى صدرها وأمسكت القلم وبدأت تسطر الحدث على الورق الأبيض لتخزنها في ذاكرة الزمن . بعد مرور ساعتين عادت العاصفة من جديد محملة معها الثلج القطني وبكثافة أكبر ولكن هذه المرة ضحكت بصوت عالي وصرخت: لن تغلبني سواعدي وحرارتي ستذوبك وتعيدك بخارآ لن أستسلم لضعفي أبدآ ولن أذرف دموعي بين أكفك فأنا الشمس التي تشرق الدنيا بأطلالتي.
06/03/2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف


.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس




.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في


.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب




.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_