الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليمن ومأزق التاريخ والدين

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2015 / 3 / 28
مواضيع وابحاث سياسية



هل سيعود اليمن سعيدا كما كان حين أطلق عليه أوائل اليونانيون "اليمن السعيد". أم أنه سيظل يعاني تاريخيا واجتماعيا وسياسيا من أزمات قديمة وحديثة جعلت من حضارته وتاريخه مجرد آلام تتناقلها أجيالهم، ويعيش معها العرب اليوم بكل تداعيات الحروب والمذهبية والتدخلات الإقليمية..؟!. لاشك أن الكتابة حول الشأن اليمني تغص بالأحداث والمعلومات التاريخية والدينية والسياسية، ولكن ما يطفو اليوم على الساحة وبقوة، هو الحديث حول الشأن السياسي بعد بدء عاصفة الحزم لوقف سيطرة الحوثيين على الدولة وإعادة الأمور الي نصابها تحت رئاسة عبد ربه هادي وبدء حوار وطني لتشكيل الحكومة وقيام الدولة. فلكي يقرأ المقال من أوله، ولكي نرسم معالم الطريق لابد من خريطة. لم تكن البداية من اليمن، وإن كنا سننتهي اليها، فما يحدث اليوم في اليمن يطلق عليه غالبية العرب، بما فيها الأنظمة العربية "الفتنة" بمعني أن الشعوب العربية ومجتمعاتهم تعاني من فتن سياسية وربما أجتماعية جعلت الحروب فيما بينهم أمرا محتما. لقد عاد المفهوم، مفهوم الفتنة ليدخل عقل المواطن العربي وثقافته حتى الشفهي منها والتي هي بالأساس ثقافة ماقبل المدنية، ولكن على قاعدة الوضع التاريخي الراهن وتداخلاته وتشعباته وهو ما أعطاه من جديد بعدا تاريخيا أضافيا. إن الدلالة المعاصرة والمستخدمة والأقرب لمفهوم الفتنة هي التي نجدها في مفهوم الحرب الأهلية سواء كانت على خلفية دينية أم طائفية أم أثنية ؟ وما يعنينا هنا هو المفهوم الطائفي للمصطلح لأننا نجد أنه بحد ذاته هو مفهوما طائفيا في لحظة انبثاقه وحتى هذا التاريخ مهما توسعت دلالاته مساحة وعمقا.
الفتنة بكل حمولاتها ودلالاتها هي ثقافتنا نحن، أما لجهة الحروب الأهلية فهي تعتبر من زاوية علوم التاريخ الاجتماعية والسياسية أمرا طبيعيا في ظل انتقالات الكثير من المجتمعات من مجتمعات ماقبل المدنية إلى مجتمعات معاصرة حتى أوروبا لم تنجو منها، فالعقلية الدينية الطائفية العربية هي عقلية مبنية على نفي الآخر وهذا ما يتم زرعه تعليميا ودينيا وثقافيا بمجتمعاتنا، فهنا لا نأتي بجديد حول مفهوم العقلية العربية وبنيتها الذهنية. في الواقع، لم يعاني مجتمع من المجتمعات العربية كما عاني المجتمع اليمني من التدخلات الطائفية والسياسية كما يقول التاريخ اعتبارا منذ النصف الثاني من القرن الهجري الثالث، وحتى قيام ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962 التي يُنظر إليها، من بنيتها الفكرية والثقافية بأنها واحدة من أعظم ثورات اليمنيين على الإطلاق. وتاريخيا، وُلدت أو قامت بذرة الطائفية السياسية في اليمن بقدوم مؤسس المذهب الزيدي الإمام الهادي يحيى بن الحسين الرسي إليه قادما من الحجاز عام 284هـ، معلنا وممارسا لنظريته السياسية في حكم اليمن، كحق إلهي لأسرته وسلالته من بعده حتى قيام الساعة. وعلى مدى تاريخ طويل من الزمن، ظل اليمنيون في صراع مرير مع فكرة "الإمامة" الزيدية التي ربما تكون الفكرة الأولى في تراث الفكر السياسي الإسلامي، منذ خلاف سقيفة بني ساعدة وحتى هذه اللحظة، باعتبارها فكرة سياسية بحتة تم تغليفها بإطار ديني مذهبي.
إن توصيف الصراع في اليمن اليوم لا يخرج عن ان ما يحدث هو حروب بالوكالة، ولكي نكون أكثر دقة، لابد لنا أن نعرف من يمثل من داخل اليمن؟! وهل أصبح المواطن اليمني قادرا على فرض رؤيته السياسية بدون تدخلات خارجية اقليمية، سواء من إيران أو السعودية؟!!. إن النظر الي المطالب السياسية التى تتذرع بها جماعة الحوثي وجناحها العسكري "انصار الله" لتبرير تصعيداتها الأخيرة ضد الدولة، أي ضد الشرعية السياسية السابقة قبل هيجان الثورة الحوثية، لا تكاد تخرج عن وصف صراع سياسي بين سلطة دولة وبين تيار سياسي، وإن كان متخذا صفة مذهبية، فهذا حال الكثير من التيارات السياسية في الدول العربية والتى تنطلق من مرجعيات دينية أو حزبية أو علمانية، إلا أن التيار الحوثي رأى فساد الدولة وإخفاقاتها في اصلاح البلد وأنه يعتبر نفسه ممثلا عن الشعب ورغباته، منطلقا لبدأ التصعيد ومحاصرة مؤسسات الدولة وصولا الي الهجوم المسلح وإسقاط المدن اليمنية في تراجيديا سياسية سريعة الأثر والقوة. ولكن هل أنتهي الأمر الي هنا؟ وهل فعلا ما يحدث هو الصورة الحقيقية الزاهية لثورة شعب أراد أن يتخلص من الطغيان والفساد ويعيد إحياء واستكمال ثورات الربيع العربي؟!!
في الحقيقة، لم يكن هذا المشهد، أي صعود الحوثيين، إلا استكمالا لصراعات أخرى استحكم فيها الصراع المذهبي المنطقة العربية وكانت جماعة الحوثي أحد الأدوات أو التجليات الطائفية البارزة على المشهد العربي وكنتيجة لتصاعد النفس الطائفي بين دول الخليج والجارة إيران. حيث لم يعد جديدا القول إن جماعة الحوثي ظهرت وقوى عودها بفعل تلك الحروب الست التي خاضها النظام السابق معها، خلال الفترة: (2004 - 2010). حيث لم تكن حينها سوى حركة صغيرة تتخذ من مناطق محددة بمحافظة صعدة الشمالية مقرا لأنشطتها الاستنهاضية للمذهب الزيدي الشيعي. وبعد عام 2010 دخل اليمن في ثورة شعبية لإسقاط الرئيس علي عبدالله صالح، ليستغل الحوثيون الاضطرابات لفرض سيطرتهم التامة على محافظة صعدة، والتوسع إلى المناطق المحيطة والمجاورة لها. وأثناء تلك الثورة السلمية تم طرح المبادرة الخليجية لتشكيل حكومة الوفاق الوطني والتى لم يكم من داخلها جماعة الحوثيين. لكن ما شكل أو غير من المسار السياسي الي المسار العكسري بين جماعة الحوثيين والدولة هو قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية بنسبة تتجاوز 50%. وشكل ذلك القرار فرصة ذهبية لجماعة الحوثي للانتقال إلى المرحلة التالية من مخططها. حيث أعلنت رفضها للقرار وتحملت مسؤولية الحديث باسم الشعب الجائع والمظلوم. وعلى وقع الفوضى، بدأت التنفيذ وحشدت مسلحيها من مختلف المحافظات لمحاصرة العاصمة، مهددة باقتحامها إن رفضت مطالبها الثلاثة: تغيير الحكومة بحكومة شراكة وطنية، إلغاء الجرعة السعرية على المشتقات النفطية، تنفيذ مخرجات الحوار والذي لم توقع عليه أصلا. وتم لها كما نعلم جميعا قبل أيام دخول العاصمة والإستيلاء على البلد.
لا أرغب حقيقة باستذكار كثير من المراحل السياسية التى مرت فيها اليمن مؤخرا، ولكن آليت على نفسي استحضار مسببات الصراع وبداياته حتى نكون أكثر قدرة على فهم ما سوف يأتي بعد هذا.
بينما ظل اليمن، طوال نصف القرن الماضي، ما يمكن اعتباره تابعية سياسية للمملكة العربية السعودية، فقد بات من غير الممكن اليوم مواصلة الحديث على ذلك النحو السهل. ليس بعد اكتمال تشكل قوة داخلية مقلقة مثل جماعة الحوثي المسلحة، التي تحولت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة إلى ثقل مؤثر لمصلحة الخصم التاريخي اللدود للمملكة السعودية. هنا، ومن هذه النقطة أنطلق لأضع إطارا عاما لمعركة الحزم الأخيرة. فبينما يتشكل المشهد السياسي الدولي لمواجهة ايران أو للتفاوض معها كما يحدث في برنامجها النووي، نجد أن وجودها، أي إيران، في العراق وسوريا ولبنان، هو الوجود القوي والمؤثر على قرارات دولية واقليمية، كما لا يمكن أيضا أن نغفل أن الطرف الثاني، هذا إذا اعتبرنا أن الطرف الأول شيعي سياسي، فبالتأكيد الطرف السني السياسي ونعني به السعودية لا يمكن أن ترى هذا الحراك وهذا الجهد والعمل السياسي قد نجح ليحصد الإيرانيون ثمارة دون أن يكون لهم دور بإيقاف التمدد الشيعي، فالهاجس المذهبي بين قطبي الرحي في المنطقة العربية، السنة والشيعة، هو هاجس تاريخي لا يمكن التخلص منه طالما أن وقود اشتعاله يتمثل في أنظمة حكم سياسية تتخذ من الدين والمذهب حكما عاما. فكان أن وصلت اليمن الي طريق مسدود، حيث لم تنفع أي من المبادرات السابقة في الإصلاح السياسي، مما جعل من المواجهة العسكرية أمرا شرعيا ومحتما وكأن التاريخ الإسلامي يعيد كتابة صفحاته بعد نتائج سقيفة بني ساعدة.
عاصفة الحزم، شاركت بها الدول الخليجية باستثناء عمان، ودعمها عربيا مصر وبقية من الدول العربية، وتجلي الدعم اثناء مؤتمر القمة العربية في شرم الشيخ والذي أتفقت فيه الدول العربية بشكل كامل على مواجهة ملفات اليمن وسوريا والارهاب وإيران، فكان أن أتخذت القمة غطاءا عربيا لمواجهة ما أسمته بخطر الحوثيين وتمددهم على حدود السعودية بما يشكل خطرا أيضا على بقية دول الخليج العربي، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل اتخذت عاصفة الحزم قبولا أمميا ومباركة من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض من الدول الأوروبية، وهو ما يعني أن الصراع العربي العربي هذه المرة، سوف ينتقل ليكون معبرا بشكل أكبر وأخطر عن التحولات العالمية في المنطقة العربية وما يسمى بالشرق الأوسط الجديد، على أن تكون المرحلة الثانية التى نعيشها في حرب اليمن هي المواجهة السنية الشيعية. ولكن الغريب، بما أن الشعوب العربية تعلم بمضمون خريطة الشرق الأوسط الجديد، وتعلم بحتمية حروب السنة والشيعة، فلماذا لم يتصرفوا على نحو أكثر عقلانية؟! فكل الدلائل الشعبية ومن عمق المجتمعات العربية تكشف بشكل مخيف عن تغلغل الطائفية والمذهبية في كل تفاصيل حياتنا وتنقلاتنا، حتى بات المذهب الديني هو جواز المرور والحفاظ على الحياة. وبعد أيام قلائل من انطلاق عاصفة الحزم لا يسعنا ضمن غموض الرؤية وانتشار الإشاعات إلا أن نتريث في حكمنا على النتيجة النهائية. ولكن ما أنا متيقن منه ومتأكد منه أن الحالة الراهنة من هذا الصراع السياسي، ستؤول لاحقا إلى صراعات مذهبية طائفية، لأن قرار الحرب من عدمه، يرتبط بعوامل خارجية أكثر منها داخلية. وما أعنيه أن قرارات حرب اليمن لن تكون أحسن أو أفضل من قرارات حرب سوريا أو لبنان أو العراق، لأنها جميعا قرارات تم أخذها من قبل 1400 سنة، حيث كان التاريخ الإسلامي يصول ويجول ليحدث فتن وأزمات اليوم.

د. عبدالعزيز عبدالله القناعي
[email protected]
Azizalqenaei@








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -