الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوردة السوداء

فارس حميد أمانة

2015 / 3 / 29
الادب والفن


أمسكت بجوازي تتفحصه وتنقل منه المعلومات المطلوبة الى سجل الحاسوب في الفندق حيث يجب تسجيل معلومات كل قادم .. الوقت هو ربيع عام 2002 والمكان هو صالة الاستقبال في أحد الفنادق بالعاصمة السلوفينية ليوبليانا .. أما أنا فقد كنت أتفحص كل شيء في تلك الفتاة رائعة الجمال .. انصبت نظراتي على شعر ناعم ينهمر على كتفيها كانهمار شلال من نبيذ .. عنق مستقيم كعنق فتاة رومانية .. عينان واسعتان يظللهما لون زينة بلون الحدقتين .. أما الأنف فكان أنفا أقنى يتلائم مع شفتين ممتلئتين لونهما كلون الكرز .. سترتها السوداء بسيطة جدا كتنورتها الا انها جميلة باحتضانها جسدا تبدوا الطراوة عليه .. كانت الفتاة تميل الى القصر الا ذلك لم يكن واضحا للوهلة الأولى اذ ان جمال الوجه والبشرة المشربة بلون الحنطة والصدر المكتظ بدفء الأسرار يجعلك تنسى كل ذلك .. أما أصحابي من بقية الوفد فقد كانوا مكتفين باحتساء الشاي وقضم قطع البسكويت ..

أرجعت لي جواز سفري فبادرتها قائلا :
- " بترا .. اسمك جميل جدا ونادر .. هل تعرفين معناه ؟ " .. كان اسمها محفورا على قطعة معدنية صغيرة مشكوكة بدبوس لامع على سترتها الصوفية السوداء ..
- " أعتذر سيدي .. لا أعرف ان كلمة بترا تعني شيئا "
- " بترا كلمة يونانية قديمة تعني الصخرة .. وهناك في الأردن حفر الأنباط مدينة في صخور الجبل سميت بالبتراء لهذا السبب "
التمعت عيناها ببريق فرح غامر وقد تملكتها الدهشة .. ثم فتحت جهاز هاتفها النقال بسرعة لتتصل بشخص ما .. قلت لها مندهشا أيضا :
- " ما الذي تريدين فعله بترا ؟ "
- " سأخبر أمي بذلك .. وستفرح كثيرا مثلي تماما .. فلا أحد من عائلتي أو أصدقائي يعرف معنى اسمي "
تركتها تهاتف أمها بصوت متهدج يطغى عليه الفرح ثم أخذت مفتاح غرفتي وصعدت مع بقية الوفد نتفحص الغرف ..

ما لبثت ان عقدت مع الفتاة صداقة سريعة حيث كنت وبعد انتهاء تدريبنا اليومي باحدى الشركات أجلس قبالتها نتحدث في مواضيع كثيرة ونحن نحتسي قهوتينا وعندما لا يكون لديها ما تفعله تجلس على طاولتي جالبة معها قدح قهوتها ..عرفت ان الفتاة كرواتية من مدينة دوبروفنيك لؤلؤة بحر الأدرياتيك وتسافر الى عائلتها مرة كل شهر لتقضي معهم عطلة نهاية الأسبوع وهم يصطادون السمك ويستمتعون بدفء الشمس .. في يوم ما قالت لي الفتاة :
- " هل ترغب بمصاحبتي لتقضي معي عطلة نهاية الأسبوع مع أهلي وبعض أصدقائي في دوبروفنيك ؟ "
- " معك ؟ أووووه .. ذلك سيكون رائعا " .. ثم أردفت متنهدا :
- " لكنه لن يحدث "
- " لن يحدث ؟ الا ترغب بالسفر معي الى كرواتيا ؟ دوبروفنيك مدينة رائعة وستتحقق من ذلك "
- " الأمر لن يحدث بترا .. ببساطة لا يمكنني أن أسافر معك أو مع أي شخص آخر خارج حدود سلوفينيا .. أنا في مهمة تدريبية هنا وليس لقضاء عطلة "
- " لا أفهم ذلك .. سفرك لن يتعارض مع مهمة التدريب التي انت هنا من أجلها لأنك ستسافر خلال يومي عطلة نهاية الأسبوع .. وستقيم معي في شقة عائلتي هناك "
- " الأمر ليس بهذه البساطة " .. قلت ذلك باحباط شديد ويداي تمسكان احدى يديها فأحسست بتسرب الدفء الى جسدي .. ثم أردفت :
- " أنا عراقي .. ولا يسمح لي بالسفر خارج حدود البلد الذي أوفد له .. أترين ذلك العجل السمين ؟ " .. قلت لها ذلك وأنا أشير بيدي الى ضابط الأمن بجثته بالغة الضخامة والذي كان معنا ضمن الوفد وهذا ما كنت ألقبه به ..
- " سيكتب عني العجل تقريرا سيئا لا أعرف نتائجه "
- " لا أفهم ذلك فارس .. انك رئيس الوفد ولا تستطيع الترويح عن نفسك حتى في العطلة .. حقا لا أفهم ذلك "
تركت الفتاة اللطيفة تحاول فهم تلك المعضلة المحيرة وأنا أضع قدح القهوة على الطاولة بعدما أفرغت ما بقي منه في جوفي دفعة واحدة منسحبا ومعتذرا فقد حان وقت جولتي المسائية مع بقية أصحابي لنحاول اكتشاف المزيد في شوارع ليوبليانا ..

مضت ثلاثة أيام على ذلك وعند عودتي من مقر الشركة مساءا وجدتها تعمل على توثيق شيء ما في حاسوبها .. اقتربت منها ببطء .. كانت ترتدي فستانا أسودا يضم جسدها الملتز .. وتكشف فتحة الصدر عن مساحة واسعة من نهديها المتفجرين بقسوة .. كان لون الفستان الأسود يبرز باشتهاء لذيذ لون الحنطة على بشرتها وجيدها الناعم .. بادرتها قائلا :
- " بترا .. هل صادف وان شاهدت في حياتك وردة سوداء ؟ "
- " وردة سوداء ؟ أوووه .. لا أعتقد ان هناك وردة سوداء في الطبيعة " ردت متأوهة والغنج ينز من كل خلية في جسدها ..
- " لكنني أرى في الفندق وردة سوداء "
- " حقا .. أين ؟ "
- " هناك .. اذهبي الى نهاية الممر وقفي قبالة المرآة الكبيرة .. ستجدين وردة سوداء في غاية الجمال "
أسرعت الفتاة الى الممر وعيناها تبحثان في كل أرجائه عن تلك الوردة السوداء المزعومة .. ثم سكنت حركاتها قليلا وهي تتطلع في المرآة الى جسدها الفاتن وهو يمزق ثوبها الأسود .. مرت لحظة .. لحظة واحدة فقط .. فجأة امتلأ وجهها بحمرة شديدة فأغمضت عينيها واضعة كلتا يديها تغطي بهما وجهها .. ثم صرخت :
- " انك خطير .. خطير جدا "

رفعت قدح القهوة الى شفتي لأحتسيها ثم غادرت من بوابة الفندق الزجاجية وسؤال واحد يدور في مخيلتي .. " هل أنا حقا خطير ؟ " ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب