الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المملكة إذ تخوض حرب الامبراطورية

بدر الدين شنن

2015 / 3 / 29
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


من الجائز تماماً ، أن يعتبر هجوم الملوك العرب وملحقاتهم بقيادة المملكة السعودية ، وبدعم أميركي ، وتأييد إسرائيلي ، على الشعب اليمني المتمرد على نظام " عبد ربه " الموالي للمملكة وأميركا ، أنه المرحلة الثانية لما سمي " الربيع العربي " . فهذا التوصيف صحيح ومطابق للواقع ، بل ويمكن أن يضاف إليه ، أنه المرحلة الأكثر سوءاً وعصفاً وتوحشاً . وذلك حسب تجليات هذا " الربيع " طوال أربع سنوات ، من التدمير والتخريب واستباحة الدماء والمقدسات ، في كل بلد حل فيها ، قبل المقولات والطروحات ، التي أطلقتها القوى السياسية والأقلام ، المخدوعة ، والمأجورة ، لتسويقه .. وتسويغه .

والغريب ، أن هذا الهجوم " التحالفي " على شعب محكوم بفعل الفساد المزمن ، وكيد الأشقاء المذهبي وعدم مدهم العون له ، بالفقر والتخلف ، منذ عقود عديدة .. حيث أن 60% من أبنائه قريبون من خط الجوع ، قد جاء في وقت تتزايد فيه المزاعم الإعلامية والسياسية ، على أن أدوات هذا التحالف الإرهابية ، ما تزال مستمرة بممارسة حربها القذرة على قدم وساق ، في البلدان المكلفة باجتياحها ، لاسيما في العراق وسوريا وليبيا وتونس ولبنان واليمن ، وما تزال هذه الأدوات تلفت أيضاً إلى أنها ، تملك القوى العسكرية ، التي تمكنها من القيام بالدفاع والهجوم والمبادرة . والمذابح التي نفذتها ، بتزامن متقارب لافت ، في تونس وليبيا وسوريا والعراق ومصر واليمن ، جاءت في هذا السياق .. ولهذه الغاية .

والغريب أكثر أن تتحالف عشر دول للهجوم على اليمن ، وأن تستقوي المملكة بالذات بتسع دول وتطلب المزيد من الدعم ، وهي التي تملك مخزوناً من مختلف صنوف الأسلحة المتطورة ، التي توازي وأكثر مما تملكه دولة أوربية عظمى ، وقد أنفقت في عام 2014 وحده على التسلح ما يوازي إنفاق كل الدول الأوربية في هذا العام . الأمر الذي يستدعي البحث عن الخلفيات الحقيقية لهذا ، الهجوم ، وهذا التحالف ، لاجتياح بلد شبه أعزل .
وعند إضاءة المشهد ، ينكشف المستور ، والغامض ، والمخادع . إن أبرز ما ينبغي أن يعطى نصيباً كبيراً ولم تعد المملكة تموه عليه ، هو نزعتها الإمبراطورية المذهبية ، التي كرست كل قدراتها ومواردها ، منذ نشأتها كدولة تقوم على مساحة مليونين وربع المليون كم2 .. فوق بحر من الطاقة والثروات الطبيعية ، وتحت سلطتها المركز الإسىلامي الأول في العالم ( المسجد الحرام وبقية مواقع طقوس فريضة الحج ) .

وطوال نحو قرن ، منذ أن قفزت قطرات البترول الأولى على وجه الأرض ، وتأكد ت إمكانية استثمار آبار النفط تجارياً وإدرارها الأموال المتزايدة ، مع تزايد وتوسع الاستثمار ، انتعشت نزعة الإمبراطورية المذهبية والعمل الجاد لإقامتها ، عبر المال الذي لم يحظ أي بيت مال للمسلمين ، في عصر الإمبراطوريات السابقة .. التي عرفوها العرب والمسلمون في تاريخهم " الذهبي " . وكذلك عبر الاندماج مع المشروع الغربي الذي تضمنته " معاهدة كوينسي " بين عبد العزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت عام 1945 . وكلما اكتشف المزيد من المخزون الاحتياطي النفطي ، كلما ازداد الرصيد .. بملايين الدولاران .. ومليارات .. وتريليون الدولارات .. ترسخت عند أولياء المملكة عقلية الإمبراطورية والشراكة في المنظومة الدولية العظمى .

وعلى هذه الخلفية مارست المملكة دور الشريك والممول الرئيس ، في مخططات الدول لغربية الاستعمارية ، في حملات وأنشطة معاداة ومكافحة الشيوعية في مختلف القارات والبلدان . وقامت بالترويج لمذهبها الوهابي التكفيري ، في معظم بلدان العالم ، من خلال الاتصال مع ، أو إنشاء منظمات وجمعيات دينية . وصرفت مليارات لا تحصى من الدولارات لدعم هذه الحركة ، باسم نشر الإسلام ، وبناء المساجد . وفي سوريا وحدها ، يقول " محمود صادق " وهو اسم مستعار لكاتب ، هو الآن معارض نشط ، في كتابه " حوار حول سوريا " ، أن المملكة قدمت لعدد من التيارات الدينية في سوريا ، ما بين عام 1972 ـ 1979 أكثر من ( 36 مليار ليرة سورية ) . وحسب أسعار الدولار بالليرة السورية في تلك المرحلة فإن هذا لمبلغ يعادل سبعة مليار دولار ، أي ما ما يعادل مليار دولار في العام . ويقال أن معظم هذه المبالغ قد انصبت في خزائن ، وجيوب ، وأنشطة الأ خوان المسلمين .
وللمملكة الآن في أميركا وحدها أكثر من ثلاثة تريليون دولار . وتعول الإدارة الأميركية على هذه التريليونات ، لضمان استقرار اقتصادها وتجاوز الأزمة المتفاقمة فيها .

ولم يزل طرياً في الذاكرة ، دور المملكة في أفغانستان ، التعبوي لتجنيد " المجاهدين ، والمالي الذي بلغ نحو ( 80 مليار دولار ) ، والسياسي التحريضي ضد الاتحاد السوفييتي ، والأهم دورها في خلق وبناء منظمة " القاعدة " التي صارت المصدر الرئيس لنشر الإرهاب الدولي عند الطلب في مختلف بلدان العالم ، وكذلك دورها في تفكيك الاتحاد اليوغسلافي .
والذي لا يقل أهمية وبشاعة عن هذا ، أن المملكة خاضت " حرب البترول " بالتنسيق مع أميركا ، في الثمانينات لإضعاف الاتحاد السوفييتي وإسقاطه ، وهي تمارس هذه الحرب الآن مرة أخرى ، لإضعاف ولإسقاط بوتين في روسيا والنظامين المستقلين في إيران وفنزويلا .

وقبل الهجوم على اليمن ، قادت المملكة بالتعاون مع قطر وتركيا وثالوث دول الاستعمار العريقة ، فرنسا وبريطانيا وأميركا ، قادت حرب " الربيع العربي " ، لتغيير أنظمة عدد من البلدان العربية ، التي تطورت فيها الاحتجاجات إلى حرب شوارع ، ثم إلى حرب إرهاب دولي مدمرة . والمملكة قامت بهذا الدور ، بكل صفاقة باسم الحرية والديمقراطية ، التي تمتنها وتدوسها بالأقدام في داخلها أمام سمع العالم وبصره ، لكنها ما لبثت أن أعلنتها حرباً مذهبية مشروعة . مستبطنة الهدف الرئيس لهذه الحرب الإرهابية ، وهو إقامة كيان إقليمي سعودي قوي ، له القدرة على أداء نمط إمبراطوري ، يبسط سيطرته على معظم أو كل الإقليم .

والمملكة في هجومها الإرهابي المسبق ، بواسطة منظمات إرهابية تلا قحت وولدت " داعش .. والنصرة .. ومسميات أخرى " كانت تتوخى أن يؤدي ذلك بوقت قصير محدود إلى تدمير البلدين العربيين سوريا والعراق الندين لها ، والمقلقين .. والمعوقين لمشروعها الإمبراطوري . ثم ما لبث أن تعاظم خطر دور إيران على مشروعها ، بعد أن باتت إيران ، قاب قوسين أو أدنى ، من انتزاع حقها النووي السلمي ، وانتزاع دور إقليمي من الصعب على المملكة لاعتبارات عديدة ، مجاراته أو منافسته .. أو منازعته .
كما تبن منذ أواخر عام 2014 ، أن القوى الإرهابية ، التي دربتها وسلحتها ومولتها وقادتها المملكة وحلفاؤها وأتباعها ، بعد أن تعرضت لضربات موجعة من الجيشين السوري والعراقي ومن المقاومة والجيش في لبنان ، قد دخلت مرحلة الدفاع ، وبعضها مرحلة التراجع ، وبات أفق الفوز على سوريا والعراق مسدوداً ، وتحولت " الثورة " في ليبيا إلى فوضى غير قابلة للسيطرة عليها ، وإلى فيروس عابر للحدود والبحار . وهو كما شاهدنا في فترة غير بعيدة ، يمر في بروكسل وباريس والسويد ، ويهدد جدياً ألمانيا وبريطانيا وأميركا وأستراليا . وهذا قد لفت الأوربي خاصة الشريك في صنع هذا الفيروس مدى خطورته على مصالحه ، ومؤسساته ، وبنية مجتمعاته .

ولاشك أيضاً ، أن الواقع الموضوعي لمسار" الربيع العربي " المخادع ، الذي صدرته المملكة لبلدان عربية عدة تتسم ، بقدر أو بآخر ، بسمات الجمهورية ، والعلمانية ، والمدنية المنفتحة مقارنة بالمملكة ، قد ضعف كثيراً بعد أن انكشف دور المملكة خلفه ، وانكشفت خلفيته المذهبية ، التي تشكل عقيدة كيان المملكة المذهبية التكفيرية المتسلطة ، وانكشف تنسيق المملكة مع أميركا ودول وجهات أوربية وإسرائيل ، للشغل معاً على إقامة نظام عربي ، يحتوي على مضامين نمط الأنظمة الملكية في الحكم ، وقطبها الرئيس المملكة وخاصة نظام الشريعة فيها الأكثر ضبطاً وقهراً للشعب . ما يؤدي بعامة ، إلى وضع كافة البلدان العربية في سلة القطبية الدولية الأميركية ، ويؤدي يخاصة ، إلى منح المملكة الدور الأهم في المحيط الإقليمي ، الذي تتنافس فيه قوى إقليمية متعددة ، لتبوأ هذا المركز ، الشبيه بالنمط الإمبراطوري .

ولهذا شكلت الأزمة في اليمن ، الذي تنصب المملكة نفسها وصية عليه ، وتعتبره بعداً جغرافياً سياسياً لأمنها ومصالحها ، شكلت استعصاء مكروهاً على المملكة ، ومعوقاً مضافاً خطراً لمخططها الإمبراطوري ، الذي تشتغل عليه منذ عقود مديدة وبشكل يتجاوز النط الأموي والعباس والفاطمي ، وكاشفاً لعقدة نقصها في الهيمنة على الدول العربية ، من خلال استخدام دول مجلس التعاون الخليجي ، لامتلاك قرار جامعة الدول العربية ، ومن خلال الصرف على الاستثمارات في هذا البلد أو ذاك ، واستخدام ثروات الجزيرة العربية ، التي تقوم عليها المملكة لتجسيد هذه الإمبراطورية .

وعلى إثر تداعيات تضعضع نفوذ المملكة في الشرق الأوسط ، ومن ثم على المستوى الدولي ، كان لابد لها ، كي تدخل في مغامرة بحجم الهجوم على اليمن دون إي مبرر عدواني مباشر منه عليها ، أن تحشد معها دولاً موالية .. ومرتهنة لها .. مالياً .. أو أمنياً .. للتغطية على جريمتها التي تفوق ما يسمى جريمة حرب ، والمشاركة فيها ، ودعمها سياسياً ومعنوياً ، ولتشاركها في تحمل المسؤولية الأخلاقية ، أمام الشعوب العربية ، وأمام كل من قد يقدم على الوقوف إلى جانب الشعب اليمني ، ولترهب الشعب اليمني بأسلوب إرهاب الدول المرتزقة المأجورة ، ولتغطي على عدم استخدام مثل هذا الحشد الدولي لنصرة شعب فلسطين ، الذي يتعرض أبناؤه للقتل اليومي ، وتتعرض كل فلسطين للتدمير والتهويد العنصري وخاصة غزة المحاصرة الذبيحة ، بذرعة تزعزع الميزان الإقليمي ، الذي حدث بعدم قبول عودة خادمهم " عبد ربه " عن استقالته والعودة ليحكم اليمن بأمرهم ، وإصرار الشعب اليمني على تقرير مصيره بنفسه .

إن حرب التحالف " العشري " السعودي على الشعب اليمني ، قد نقل حرب الإرهاب الدولي ، من تنظيمات مجمعة من أطراف العالم ، إلى إرهاب دول متحالفة مأجورة مرتزقة . وهذه الحرب فضيحة دولية بامتياز ، منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن ، مع عدم نسيان الفضائح المماثلة في أفغانستان ويوغسلافيا والعراق .

ودون أدنى ريب .. إن الشعب اليمني .. سيقاتل بسلاحه المتواضع .. وبإرادته الوطنية الصلبة .. ولن تذهب دماء أبنائه لحساب إمبراطورية آل سعود هدراً .. وسينتصر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ??مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب يساري لرفعه العلم الفل


.. الشرطة الإسرائيلية تفرق المتظاهرين بالقوة في تل أبيب




.. مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين في تل أبيب وسط مطالبات بإسقاط


.. نقاش | كيف تنظر الفصائل الفلسطينية للمقترح الذي عرضه بايدن؟




.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح