الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زرادشت ...والضابط الخفر !

عارف معروف

2015 / 3 / 29
كتابات ساخرة




اعادني ما ظهر على بروفايل الاستاذ زهير كاظم عبود ، بشأن صدور كتابه " الزرادشتيه " ، الى تلك الايام العصيبه ، ايام الرعب ، وتعلق حبل الوريد، بتفسير جاهل او وشاية مغرض او مزاج مخمور ! ذكرّني عنوان الكتاب ، بتلك الحادثة ، تلك الكوميديا السوداء او التراجيديا المضحكه ، لا فرق ،التي تعاود الحضور في عقلي وتثير مشاعري ، كلما سمعت او قرأت كلمة " زرادشت " : ففي تلك الليلة الليلاء من صيف 1982 شاء سوء طالعي ان يأمر الضابط الخفر ، في مدرسة المشاة في الموصل ، بتفتيش السجن . كنت موقوفا هناك ، منذ بضعة اشهر ، بعد انتهاء التحقيق في الاستخبارات العسكرية العامة ، منتظرا محاكمتي . اقول ، شاء سوء طالعي ان تتمخض جولة التفتيش، تلك ،عن العثور على كتاب خطير بحوزتي : " هكذا تكلم زرادشت " لنيتشه ، وعندها جنً جنون الضابط وانفتحت ابواب الجحيم ، فانا لا اكتفي بكل جرائمي السياسية وانما اضيف اليها الادهى والامر "المجوسيه " :
" منو زرادشت ؟ ... قل لي.. اليس هو نبي المجوس ، عَبَدة النار، هالمرة صرتوا مجوس ؟!!
" سيدي ، ليس الامر كذلك ، صدقّني ، والكتاب لا علاقة له بالمجوس !!
" تعلمّني هاالمره ؟!... الكتاب يقرأ من عنوانه . يعني اني جاهل... وانت مثقف جنابك الكسيف؟ "
ورحت ابذل وسعي في اقناعه ومحاولة ان لايصل الى ما يمكن ان يصل اليه ، من احالة الامر الى التحقيق او الاستخبارات ، او اي شيء من هذا القبيل ، فذلك قد يكون القشة التي تقصم ظهر البعير و قد يذهب جلدي الى الدباغ وعندها، ربما اعترفت بانني مجوسي ابن مجوسي الى سابع ظهر ، و سيودي بي ، بكل بساطة ، سؤ فهم عابر وحدث تافه بل وفي منتهى التفاهة ، بعد ان حسبتُ انني عبرتُ البحور التحقيقية السبعه بسلام مطمئنا الى ان : هالمرّه سلمتْ الجرّة .
" سيدي ...هذا المؤلف فيلسوف الماني ، اسمه نيتشه...."
" شنو ؟.. ليش مو " ني .... " فَدْ مرّهْ ، هاي شلّك بيها ، شنو احنه زواج كدامك ، تمّشي علينه الفشار وتكول اسم فيلسوف؟"
" عفوا سيدي ، حاشا جنابك ان اقصد ذلك ولكن انظر حضرتك ، اسمه فردريك نيت....شه، وضغطت ، مؤّكدا، على مخارج الاصوات ،وهو فيلسوف الماني يؤمن بفلسفه القوة والسوبرمان ..."
" لا تتفلسفلي.. راح اكتب للاستخبارات وانت وياهم تنجاز .."
والتفتَ الى عريف الخفر :
" عريف صباح اخذ الكتاب وياك"
وكانت هذه هي النقطه الاكثر اثارة للرعب عندي ، فانا اعرف ما تعنيه الاستخبارات ، وكنت قد افلّتُ ، بالكاد ، وخلال تحقيق طويل ، من تُهم عديده دفعتُ ثمن الخلاص من حبا ئلها من جلدي ودمي وعظامي وتلف اعصابي ... فما بالك بزرادشت والمجوس ونحن في حرب مع " الفرس المجوس " ؟!
وهنا خطرت لي تلك الفكرة العظيمة ، والتي اكدّتْ لي حقا ، ان الحلول تاتي مع المعضلات وان الحاجه ام الاختراع، فتمسكت بالقشه الاخيره :
" سيدي ، هذا الفيلسوف من اهّم رواد القوميه ، وكان القائد المؤسس، ميشيل عفلق ، متاثرا به..."
" شنو هالحجي... القائد المؤسس عربي اصيل وما يتأثر بالاجانب..."
" فعلا سيدي ، ولكن هذا الفيلسوف يدعو الى القوة والى الانسان القوي والعنصر القوي والخلق المتين وقد تأثر به القوميون الالمان وكذلك العرب ..."
"لعد شنو زرادشت .. يابه ؟! "
" سيدي، هاي ايسموها استعاره تاريخيه ، حتى يعّبر عن افكاره ، ولأن زرادشت، كما كان يعتقد، فهم ان العالم صراع بين الظلمة و النور و...."
" يعني هو هذا ، فيلسوفك الالماني ،عاف انبياء الله الصالحين كلهم وراح على زرادشت ، لعد شكد مُطّي ابن مُطي!...."
وانفرجت اساريره ، بل وغرق في قهقهة دمعت لها عيناه ، رافقه ، في الضحك، صدقا او خشية، العريف الخفر ، ثم انبسطت اسارير الموقوفين ، بعد توتر املته اللحظات العصيبه التي مرّتْ ، فضحكوا ، واخيرا سَرَتْ العدوى اليّ ، فاغتصبت من نفسي ضحكة وجله ، متوجسه ، كتلك التي يضحكها سمير الشيخلي او عزة الدوري اثر نكته يطلقها صدام حسين .
" ياللا ، عريف صباح ، احرق هذا الكتاب ، بخيره وشره ، وانت بابه..." والتفت اليّ بعينين تبرقان بوميض سكر وانشراح :
" احمد الله انك وقعت بيد ضابط مثقف ، يتفّهم ، انصرف الى مايفيدك، بعد الان ، واترك هذا الخريط ..." .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - موقف مشابه
سليم ( 2015 / 3 / 29 - 18:17 )
مصيبتنا يا اخي اننا نعيش بين وحوش، التحقت الى مركز تدريب فايدة ، فأخذت معي مجموعة من الكتب العربية والانكليزية وضعتها في اللوكر وكنت اقرأ منها اثناء الاستراحة ظهرا، ونظرًا لأنني لست بعثيا ولا اقرأ جريدة القادسية ، فكانت تلك الكتب سببا لان يفتح لي ضابط الأمن والمسؤول الحزبي اضبارتين تحت عنوان (يراقب) وكانا يرسلان لي بين الحين والحين احد النوابغ الحزبيين لمحاولة استدراجي.بالرغم من الالم الذي أصابني يوم احتل العراق ولكن عزائي كان ضحكي على الحزبيين وهم يهربون مثل الفئران . سلامات


2 - الصديق سليم
عارف معروف ( 2015 / 3 / 30 - 08:00 )
نعم ياصديقي، الطغاة يخافون الوعي ،الذي يتمثل لهم دائما في الكتاب ومن يقرأ، في الثمانينات قرأت بنفسي، تعميما من الاستخبارات مفاده ان الجنود والعسكريين الاكثر عرضة للشك والتشويش هم فئات المثقفين والخريجين والمهتمين بالكتب ونبه الى ضرورة مراقبتهم واخذ الاحترازات اللازمه منهم خصوصا ابان المعارك خشية ان يثبطوا همم الجنود !! محبتي


3 - وللحديث بقيه
فريد جلَو ( 2015 / 3 / 31 - 12:20 )
يبدو من هذه القصص الكثير ففي التسعينات كنت في منشأه حكوميه مدنيه وكنت مسؤل الخفر فاصطحبت معي كتاب لتشيخوف منشور من قبل وزارة الثقافه والاعلام العراقيه وقد لاحظ الكثير نمن الموظفين الكتاب وكان اسم تشيخوف يعني روسي لديهم وكل روسي شيوعي ---حذرني بعض البسطاء ولكن لم اعر اهميه لذلك حتى وجدت نفسي وجها لوجه مع المسؤل الامني والحزبي يسائلني ببعض الاستحياءويوحي بتحويل --------القضيه الى الامن وبعد جهد جهيد فهم ان الكتاب طبعته حكومته وان تشيخوف مات قبل ان يلد لينين وكان له طلب ان لا اجلب مثل هذه الكتب الى المنشأه والافضل ولمصلحتي ان لا اقرئها

اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل