الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مواجهة مع رجل صالح

زينب علي

2015 / 3 / 29
الادب والفن




اتكأ على كرسيه الايطالي الايتكا الغالي الثمن, المصنوع من الجلد الاسود المحاط بإطار من خشب الماهجوني الأمريكي المميز. ومكتبة المصنوع من نفس الخشب المغطى بالغبار والذي يخيل للزائر حينما يدخله من فخامته, انه في مكتب رئيس وزراء خليجي او رئيس إحدى الشركات المالية أو التجارية الكبرى. كانت هيئته لا تخلو من التكبر والتظاهر بمعرفة جميع ما يدور من حوله ومن الإيحاء بأنه قادر على حل أمور كثيرة بتوقيع بسيط من قلمه الباركر ذي اللون البني والنحاسي. واخذ يمسد شاربه المصبوغ وهو ينظر إليها بينما اخذ رأسه يتخيل ما سيحدث من تسلسل إحداث صورية تعيد له بعضا من أيام صباه بعد إن يحقق ما يطلبه منها. بدا وجهه القمحي المائل للسمار مع اثر سجود غامق جدا في جبهته. غامق بلون عميق يظهر عمق إيمانه الذي انعكس على جبينه كعلامة قاتمة واضحة تعطي المتلقي انطباعا عن حجم ورعع وطاعته للرب لدرجة إنه ترك اثر عبادته لربه يشوه جبينه بشكل مهيب.
إذا أنتي أرمله وتحتاجين مبلغا لرعاية أولادك؟
نعم (سيدي) وأطرقت رأسها للأرض تلف بإبهاميها وأصابعها متشابكة بارتباك.
كانت قد تعود لسانها على قول سيدي منذ ايام النظام السابق حيث كان من هو بمنصب مدير مكتب او ينتمي للحكومة ينادى ب سيدي من قبل عامة الناس ذو الخلفية القروية التي تخشى على أنفسها هفوات لسان خاطئة تؤدي بها إلى غياهب المجهول.
وكم طفل لديك؟
ثلاثة سيدي.( تكلمت وهي لازالت تلاعب إبهاميها ورأسها للأسفل), وانا وحيدة فوالدي رجل كبير السن ولا يقوى على مساعدتي وأمي امرأة كبيرة ومريضة اما إخواني الاثنين فيملكون زوجات وأطفال و مشغولين بطلب رزقهم لسد جوع أولادهم, وليس لديهم ما يساعدونني به. انت تعرف يا سيدي نحن في زمن لا يعرف الأخ أخاه وانا اعذرهم لأني اعرف أنهم لا يملكون شيئا ولا حتى وظيفة.
فحل صمت قصير بعد انتهاء كلامها قطعته برفع رأسها تجاهه وكأنها تبرر مجيئها المخجل إليه بدون اي سابق معرفة او استئذان .
الناس ذكروا اسمك لي وقالوا انك رجل صالح وتخاف ربك كثيرا وتحب مساعدة النساء الأرامل ذوات الأبناء, وانأ تعبت كثيرا, فعملي كبائعة للسجائر في الشارع لا يسد نفقات أبنائي فتجرأت واتيتك كي تساعدني بمبلغ يعينني لفترة قصيرة.
اخرج سيجارته المارلبورو ببطيء وهو يختلس نظراته الى وجهها الأبيض المرصع بهالات سمراء اثر ضربات الشمس فجعلت منه وجه متعب وساحر في ان واحد. كانت ملفوفة بالسواد بالطريقة التي عودتها عليها جدتها ومن ثم أمها وكل من حولها عند موت أزواجهن. بالطريقة التي لا يظهر سوى وجهها الجميل البريء والمتعب ويديها المسمرتان بطريقة لا تذهب نعومتهما المتخفية خلف اللون الجديد الذي وهبته إليهما حرارة الشمس.
سألها بابتسامه ماكرة تعكس ما يدور بخياله ونظرات جريئة تحمل معنى سؤاله,
أظنك صغيرة.. كم عمرك؟
24 سيدي. زوجي توفي عند ذهابه لبغداد ليجد عملا في إحدى المطاعم هناك ولكنه لم يعد. وجدنا جثته بعد البحث الطويل في إحدى المستشفيات وهي مفصولة الرأس واثار التعذيب على جسده.
ثم دمعت عيناها ورفعت رأسها باتجاه عينية الجريئتين وهو لازال مشغول بتدخين سيجارته وطرح زفير الدخان بكل اتجاهات مكتبه بلا مبالاة لوجودها.
تركني وحيدة مع أولاده ولا اعرف كيف مرت كل هذه الثلاث سنوات الطويلة وانأ أعين أطفالي بمفردي. انه لأمر صعب لامرأة مثلي لأتملك عملا او مصدر رزق تعين نفسها به لتواجه صعوبة هذه الحياة .
هز راسه موافقا كلامها وهو يدخن سيجارته مؤيدا كلامها,
و بلا زوج.. انه امر في غاية الصعوبة ان تكون المرأة بلا رجل. خصوصا لامرأة صغيرة مثلك, فحتى لو كان لديك عمل هذا لا يغنيك عن الرجل. ان وجود الرجل في حياة المرأة هو شي مهم جدا ولا يعوضه عمل او مساعدة من احدهم.
ساد صمت لأقل من دقيقة ولكنها تحمل الآلاف من الأفكار والنوايا في رأسه وآلاف التساؤلات والشكوك في رأسها. أنها دقيقة حبلى بالأفكار.
هل تؤيدين كلامي؟ قالها بابتسامة وقحة.
وهي مطرقة الرأس المملوء بالتساؤلات للأسفل: نعم سيدي, ولكن لامرأة مثلي لم يعد الرجل يهمني بقدر ما يهمني أولادي وكيف اهتم بهم. فكل ما اطمح به هو ان أراهم سعداء.
وكيف ترينهم سعداء؟ بالمساعدة المالية التي سأعطيك إياها وستنتهي عند اقرب زيارة للسوق؟ ام برجل يحميهم ويعتني بهم؟
وما لذي يجعل الرجل يهتم لأمر أولاد ليسوا بأولاده لدرجة انه يتزوج والدتهم؟ قالتها بتوتر وهي تنظر إليه بتحدي.
ظل صامتا وكأنه يبحث عن سؤال وعينيه موجهة صوب عينيها, فاكملت حديثها,
اذا كنت يا سيدي تهتم لأمري فاعمل على توظيفي كعامله تنظيف في مكتبك باجر شهري بقدر ما ستعطيني كمساعدة او اقل فهذا سينقذني من ماساتي وسيساهم في تنظيف ومسح مكتبك الملي بالأوساخ والأتربة.
قامت ناظرة لوجهه المشدوه استغرابا من إجابتها وهو يدعك سيجارته بأعصاب متوترة بمنفضته المليئة ببقايا السجائر المحترقة, و لربما بحضور أخريات. ثم أدارت وجهها نحو الباب هاربة بخطوات سريعة متوهمة ان كل من يراها يعرف ما دار بينها وبين الرجل الصالح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. إصدارات باللغة الأمازيغية في معرض الكتاب الدولي بال


.. وفاة المنتج والمخرج العالمي روجر كورمان عن عمر 98 عاما




.. صوته قلب السوشيال ميديا .. عنده 20 حنجرة لفنانين الزمن الجم


.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا




.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور