الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلا أسماء

عبد الرحمن جاسم

2005 / 9 / 23
الادب والفن


تسمع الأخبار، تنصت بإدراكٍ مبهم لما يحدث حولك، "خمسة شهداء في فلسطين"، "عشرون شهيداً في العراق حصيلة الانفجارات"، كلها أرقام تتزايد على قائمة الأداء المقلق لحزنك الدفين، ويصبح هؤلاء الشهداء، شخوصاً بلا أسماء، شخوصاً هادئة لا مكان لها سوى تقرير عابث على فضائية أو أرضية، مع مذيع متأنق.
يصبح الشهيد، ذو الاسم واللون والقضية، رقماً بين مجموعةٍ من الأرقام، لا تمثله ولا تشبهه، ويصبح كل الشهداء معه مجرد "مجموعة"، "تجمع"، "سرب"، لكن أبداً ليسوا كما عهدناهم، لا ريب أن التعداد مشكلةٌ كبرى، فلو قلنا الشهيد، لقلنا الشهيد فلان الفلاني ولغدا ذو مكانةٍ عالية في قلوبنا، واستحال اسمه جزء من تاريخنا الغير المكتوب. ولكننا وبتأثير من الإيحاءات الكثيرة، نترك أنفسنا ننساب مع تيار يغربنا حتى عن شهداءنا، "خمسة شهداء آخرون هي حصيلة الاشتباكات"، ومجرد أرقام أخر تعبر على الشاشة.
أحبتي، لا مفر من القبول بالأمر، فليس هناك من متسع في نشرة الأخبار، لتعداد أسماء الشهداء، كذلك ليس من الممكن أن لا يذاع الخبر، وإلا ستفقد الفضائية هذه، أو الإذاعة تلك الخبر-السبق. حينها يتحول الشهداء هنا إلى خبر مجرد خبر متقن لمراسل حذق. ويتحول شهداءنا مرة أخرى، من مجرد رقم عابر إلى مجرد سبق صحفي، ينتهي باعلانه، ونحن ننظر غير واعين لما يحصل، غير منتبهين لأهمية أن نرفض ماذا يحصل.
وكي لا يظن أن كلامي هو مجرد هجوم على أقنية فضائية أو أرضية، أوجه كلامي لكم، وأنا واحد منكم، لماذا نغير القناة حينما نسمع أخباراً من مناطق الألم، مناطقنا التي تؤلمنا، ونحبها بعشق، وأقصد فلسطين أو العراق، وحينما نسمع بأخبار الشهداء، نحيلهم فجأة لزاوية من زوايا عقلنا المهملة، والأمر ليس شعورياً، إنه لا شعوري أحبتي، ولكن مغذى بالشعور الواعي من قبلنا، ومن كل المؤثرات الثاقبة التي تغرز فينا هذه اللامبالاة العالية، المدهشة إلى حدٍ غريب، أرقام، سبق صحفي، كله لا يهم، ننظر إلى الخبر، نسمعه، نحزن قليلاً وننسى، لربما صارت الأمور عادية أكثر مما نستوعب.
لماذا ليس هناك متسعٌ لهم؟ لماذا ليس هناك من متسعٍ أو برنامج متلفز، أو حتى برنامج اذاعي، يحكي عن هؤلاء الشهداء؟ لماذا ليس هناك أحدٌ يتحدث عنهم، أليس لهؤلاء الشهداء الذين يحالون أرقاماً أو سبقات صحافية، حياة سابقة؟ أصدقاء؟ أحباء؟ أقرباء؟ أليس الأمر أقرب إلى تعرية هؤلاء الشهداء من ثيابهم ومكنوناتهم الشخصية؟ كأنما نحن نرفض كونهم جزءٍ من عالم محسوس كانوا فيه قبل قليل؟ لماذا ترفض وسائل الاعلام ذلك؟ مع أنها قد تفرد ساعات وساعات لزيارات الزعيم هذا، أو القيادي ذاك. هل يحتاج الأمر إلى حزنٍ عالي الصوت، وصراخ حاد لكي يصبح لهؤلاء الأحباء مكان؟؟
في النهاية، أرفع صوتي، وصوتكم معي، كي لا يختفي هؤلاء الأحباء من بيننا، كي لا يصبحوا مجرد أرقام، أو سبقاً صحفياً، أو مجرد خبر معتاد نسمعه ولا نحب أن نعرف ماهيته. توقفوا أحبتي، توقفوا وارفضوا، فالرفض ولو حتى بالقلب هو بداية الشجاعة. والقبول بالخطأ يشرعه، ويجعله شرعاً قائماً كل يومٍ تقريباً.
أستودعكم وأترك الأمر لكم، وبيدكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب