الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم كان اليمن.. سعيداً

جاك جوزيف أوسي

2015 / 3 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


شكل فجر يوم الخميس 26/3/2015 نقطة التحول الأبرز في تاريخ العرب الحديث والمعاصر، ففي هذا اليوم كسرت الدول العربية التي تُصنّف نفسها "معتدلة" جميع القواعد الدبلوماسية والأخلاقية ومزّقت جميع وشائج القربى والتضامن بين (الأشقاء العرب) عندما شنّت قواتها الجوية غارات على مواقع القوات العسكرية الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح و للزعيم عبدالملك الحوثي قائد تنظيم "أنصار الله".
"عاصفة الحزم" التي قادتها السعودية بعد أن شكلت تحالف الدول العشرة، هي الترجمة العملية والمباشرة للسياسات السعودية الفاشلة التي انتهجتها منذ هبوب عواصف "الربيع العربي" على المنطقة والحصاد المر لمشاريعها في أن تصبح الدولة الأولى في الإقليم. لذلك قررت خوض غمار المعركة العسكرية المباشرة في اليمن بعد أن أصبحت معظم المدن الرئيسية بيد القوات التي تعتبرها الرياض "مدعومة من طهران". وبذلك يحاول نظام آل سعود الخروج من تحت العباءة الأميركية والظهور كقوة إقليمية حازمة تستطيع أن تأخذ زمام المبادرة. الأمر الذي قد يؤشر إلى بداية تحول في سياسة الملك سلمان الخارجية بتخليه عن القوة الناعمة للمذهب الوهابي، الذي بدأ يهدد أسس عرش عائلته، واتباعه طريق القوة الصلبة معتمداً على تحالفات لها بعد طائفي قد تؤدي إلى دخول المنطقة في حروب المذاهب والطوائف التي قد تستمر إلى يوم القيامة.
الأزمة اليمنية أزمة مركبة، تداخل فيها البعد السياسي والاقتصادي والاجتماعي إضافة إلى توترات مذهبية كانت تنفجر بين الحين والأخر بسبب تهميش الحوثيين وتجاهل مطالبهم من قبل الحكومات اليمنية المتعاقبة. تفاعل هذه العوامل بتأثير "الربيع العربي" أدى إلى صراع سياسي حاد في اليمن منذ شباط 2011 تمت السيطرة عليه جزئياً في تشرين الثاني من العام نفسه إثر المبادرة الخليجية التي هدفت إلى البدء بعملية انتقال للسلطة تكون خطوتها الأولى استقالة علي عبدالله صالح، وتولي نائبه عبد ربه منصور هادي الرئاسة لفترةٍ انتقالية ثم تكليف المعارضة تأليف حكومة "وفاق وطني"، تعمل على صياغة الدستور الجديد وتشرف إجراء انتخابات تشريعية في البلاد.
عدم قدرة الرئيس اليمني "هادي" قيادة الفترة الانتقالية سياسياً وفشل الحكومة اليمنية في معالجة الأزمات السابقة، إضافة إلى صراع المحاور في المنطقة، أدى إلى انفجار الوضع مجدداً في اليمن إثر فشل الحوار الوطني الذي تم أواخر كانون الثاني 2014. ليتمكن الحوثيون المتحالفين مع الرئيس اليمني السابق صالح من فرض شروطهم الجديد على أنصار الرئيس هادي والقوى المتحالفة معه في أيلول من العام نفسه. وكان ذلك بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على المبادرة الخليجية، الأمر الذي دفع الرياض إلى الرمي بثقلها خلف الرئيس هادي الذي تهاوت القوات الموالية له تحت ثقل الضرابات العسكرية لقوات المعارضة. الملفت للنظر في كل ذلك أن الرياض ومن يسير بركبها من عواصم عربية وإقليمية لم ترى معاناة الشعب اليمني وحاجته الماسة إلى المساعدة للنهوض والارتقاء ببلاده كي تعود الفرحة إلى وجوه أطفاله والأمل إلى نفوس شبابه. بل اعتبرت أن ما يحدث هو هجوم إيراني على مناطق نفوذها التقليدي ومن هنا جاء اسم العملية "عاصفة الحزم" للتدليل على أن الصبر على الارتكابات والانتهاكات لا يعît–؟D أن المرء لا "يحزم" أمره في آخر المطاف، ولتقوم طائرتها بالقضاء على ما تبقى من أسطورة "اليمن السعيد" ومعها أسطورة "روح التضامن والأخوة العربية".
فالحملة العسكرية التي تمّ تصويرها على أنها ضد الحوثيين، وضعت كل المراكز الحيوية في اليمن ضمن بنك الأهداف العسكرية للتحالف الذي تقوده الرياض. الأمر الذي حقق هدفاً عكسياً، ووحد اليمنيون في الشمال والجنوب في مواجهة عدوان آل سعود، وفجّر مخزون الغضب الشعبي حيال الممارسات السعودية القائمة على امتهان الذات اليمنية والنظرة الاستعلائية حيالهم منذ عقود وجعل الرياض تواجه شعباً بأسره بعد أن حددت هدفها بحركة وتنظيم.
تاريخياً كان اليمن مقبرة للغزاة، منذ حملات العثمانيين عليه لاحتلاله، مروراً بمحاولات عبد العزيز آل سعود ضمن اليمن إلى مملكته لكن كانت لجغرافية المنطقة وحرب الاستنزاف التي خاضتها القبائل الجبلية ضده رأي آخر، انتهائاً بالتدخل المصري إثر ثورة السلال ضد الحكم الملكي التي اجبرتها على تجميد نخبة قواتها المسلحة في الجبال اليمنية وكانت أحد أسباب هزيمة عام 1967. أما عسكرياً، فلم تفلح حملة قصف جوي في فرض إرادة على شعب أو تغيير واقع سياسي في منطقة ما إن لم يعقبها تدخل بري يفرض السيطرة على الأرض. الأمر الذي يفرض التساؤل التالي: لمن تنصب المصيدة اليمنية؟
الولايات المتحدة تنسق مع إيران في العراق لحرب "داعش"، بينما تقدم الدعم الفني للحملة السعودية على اليمن ضد الحوثيين. وهي ممتعضة من سوء إدارة حلفيها الأساسين من المنطقة، تركيا والسعودية، لملفي الربيع العربي والشرق الأوسط الجديد والأثار التي نتجت عنه وستكون مسرورة جداً من دخول جميع هذه الأطراف في صراعات ساخنة فيما بينها تستنزفهم اقتصادياً وبشرياً. إسرائيل التي تمنت النجاح للرياض في مهمتها المقدسة في اليمن حذرت في الوقت نفسه من أن إيران تتحول إلى القوة العظمى الإقليمية في الشرق الأوسط، الأمر الذي قد يؤدي إلى أن تكون اللغة الفارسية هي اللغة الأولى فيه، فهل نحن في حضرة اللحظة العبرية في المنطقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر