الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الديموكتاتورية- كأسلوب للانتحار الجماعي..

محمد عبعوب

2015 / 3 / 31
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


عجز الليبيون عن أخذ العبر واستيعاب الدروس من أزيد من أربعة عقود عاشوها في ظل حكم فردي أدار البلاد بدكتاتورية مطلقة، و يبدو أن هذه الحقبة قد رسخت في وعيهم هذه الثقافة الهدامة التي لا تبن دولة حقيقية قابلة للعيش والتطور، بدل أن تغرس فيهم روح التطلع لبناء مستقبل أفضل يعوضهم ما خسروه على مدى اربعة عقود من الدكتاتورية.. فبمجرد انهيار النظام السابق في أغسطس من عام 2011م وموت قائده في وقت لاحق من نفس الشهر تقريبا، انهمك الليبيون في إنتاج نفس النظام بمقاسات مصغرة على حجم قبائلهم ومدنهم ومناطقهم، وظهرت آلاف النسخ من القذافي بدت كنماذج لحالات استنساخ جينية، لتستكمل مشواره ولكن بدموية مفرطة يعجز القذافي الأصلي لو أعيد إلى الحياة عن مجاراتها أو حتى استيعابها. وبدل أن يؤسسوا لديمقراطية حقيقية نجدهم يخترعون مسخا جديدا مغلف بمظاهر ديمقراطية مشوهة وباطنه مشحون بدموية وكراهية ودكتاتورية متوحشة يمكننا أن نسميه بـ "الديموكتاتورية" يتخذ من الديمقراطية شعارا يرتكب تحته أفضع الجرائم وينتهكها في أبسط قيمها وهي الاعتراف بوجود الآخر المختلف كشريك أصيل في إدارة هذا الوطن.
"فلان هذا كلب تابع لجماعة فجر ليبيا لن اتصل به" .. "اقتله هذا من كلاب الكرامة عملاء مصر والامارات ..والله ما يستاهلوا الحياة".. "هيا يجب أن نمحي أي اثر لهم في البلاد.. فجروا بيوتهم وخذوا ممتلكاتهم غنائم، هؤلاء أعداء الله والرسول لا تتركوا لهم شيء" .. "لا تأخذكم رحمة بالظلاميين الإرهابيين اقتلوهم إنهم عملاء قطر وتركيا " .. هذه الشعارات تحضرني وشعارات أخرى تدعوا للإقصاء الجهوي والعرقي يضيق المجال هنا لسردها، يرددها قياديون ومقاتلون عاديون من كل الأطراف المتناحرة في ليبيا اليوم، تعكس بصورة واضحة فشلهم الذريع حتى في مجرد التفكير في التأسيس للدولة المدنية والديمقراطية التي رفعوا شعاراتها يوم خرجوا ضد القذافي في السابع عشر من فبراير 2011م، ونراهم اليوم يتنكرون لها و يغرقون في موجة عنف واقتتال عبثي وتدمير ممنهج للمؤسسات والمرافق التي تمدهم بأسباب الحياة في عملية يمكن تلخيصها في عبارة واحدة وهي "الانتحار الجماعي" .
لم يدرك الليبيون الذين عاشوا لعقود أربعة تحت سلطة الخوف والتهديد والرأي الواحد وتجريم الرأي المختلف، لم يدركوا فضيلة الاختلاف، وطرق إدارته وكيفية الاستفادة من هذه الظاهرة الطبيعية التي خلقنا عليها الله، فركنوا للعنف والسلاح، الكل منغلق على قناعاته ، يسعى بكل ما أوتي من قوة للقضاء على الطرف المقابل له المخالف له في الرأي و وجهة النظر، و لا يقبل حتى مجرد مناقشته أو التعرف على وجهة نظره التي ربما تكون صائبة ! إنها ثقافة الرأي الواحد والقائد الملهم التي تسيطر على عقولهم وتأبى التغيير.
لقد أخطأ الليبيون اختيار الميدان الصحيح والسليم لتسوية خلافاتهم واختلافاتهم، وأغراهم تكدس بقايا خردة سلاح النظام السابق في أيديهم بالركون إلى العنف لتسويتها، متجاهلين أن الميدان الصح والحضاري لحسم هذه الخلافات هي المحاكم وقبة البرلمان والآلية السليمة لتسويتها هي الحوار وصناديق الاقتراع التي أفرزت لنا أول مجلس نواب بعد عقود الدكتاتورية، خولنا له بإرادة حرة مهمة إدارة البلاد تشريعيا وإخراجها من أزمتها والتأسيس لدولة القانون والمؤسسات. لكنهم (الليبيون) الذين لم يغادروا بعد ثقافة حكم الفرد بل اعتنقوها وتمثلوها ليتحولوا كلهم إلى قذافي مستنسخ يتفوق على النسخة الأصل لجهة الدموية والعنف والتخريب والنهب، فحولوا بلادهم إلى مسلخ بشري وخراب لا يليق إلا بشعوب العصور الوسطى التي كانت تسودها الهمجية.
ما أحوجنا اليوم كليبيين أن نقف لساعة واحدة فقط مع أنفسنا ونتأمل حالنا المزري وما وصلنا له من همجية وتخريب وإبادة ذاتية وتدمير لقيم طالما عشنا في ظلها و زايدنا بها، وأن نقيِّم ما ارتكبناه في حق أنفسنا وبلادنا من جرائم طيلة السنوات الأربع من عمر انتفاضة 17 فبراير، ونقارنه بما ارتكبه النظام السابق على مدى أزيد من أربعة عقود من حكمه؛ فهل تجوز المقارنة أصلا بين الطرفين أمام هذا التفوق المذهل كما و نوعا لجرائم العنف والتخريب التي ارتكبت و لا زالت ترتكب في ظل 17 فبراير؟!!! لا يوجد أي وجه للمقارنة على الإطلاق بين مستوى التخريب والعنف المرتكب خلال الفترتين رغم الفارق الزمني الكبير بينهما. هذه الحقيقة وحقائق أخرى دامغة ، لو تأملنها بعقول راجحة وبعيدا عن العواطف المزيفة والكاذبة فهي كفيلة بأن تجعلنا نعيد النظر في سلوكنا الهمجي وتفكيرنا العدمي وانتحارنا الجماعي ، وتدفعنا للعمل من جديد على تنمية وتعضيد نقاط التلاقي وما يجمعنا وهي أكثر وأقوى بكثير من أسباب الخلاف الوهمية التي نتشبث بها اليوم ونتخندق خلفها لإبادة بعضنا البعض وتدمير مقدراتنا .. فهل يقرر الليبيون خوض هذه التجربة التي لا تأخذ من وقتهم المهدور سوى ساعة وهي بكل تأكيد ستجعلهم يفكرون وبشكل جاد في إعادة النظر في سلوكهم الخاطئ، واختيار السبيل الصحيح والبنّاء لتسوية خلافاتهم وترميم الشروخ التي لحقت بنسيجهم الاجتماعي وإعادة بناء بلادهم من جديد على أسس سليمة لا مجال فيها للإقصاء أو التهميش أو استخدام العنف والغلبة لفرض الرأي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس الحرب الحالية.. ما الخطر الذي يهدد وجود دولة إسرائيل؟ |


.. مجلس النواب العراقي يعقد جلسة برلمانية لاختيار رئيس للمجلس ب




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقف مفاوضات صفقة التبادل مع حماس | #


.. الخارجية الروسية تحذر الغرب من -اللعب بالنار- بتزويد كييف بأ




.. هجوم بـ-جسم مجهول-.. سفينة تتعرض -لأضرار طفيفة- في البحر الأ