الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاضمة والفراشات

حفيظ بورحيم

2015 / 3 / 31
الادب والفن


لطالما عشقت فاضمة الطبيعة ، فهي في القرية زهرة بين الأزهار ومن فرط حبها للنسيم كانوا ينادونها نسمة البنفسج ، وحينما كانت تغيب عن أهل القرية فكأنما قد غاب عنهم الغيث ، ولم تكن تغيب إلا لكي تتبع فراشة في الحقل وكانت تفعل ذلك حتى تتعب ويتعرق جبينها الناصع البياض ثم تجلس مباشرة تحت شجرة وارفة الظل دون أن تتجرأ على الصعود إلى غصن من أغصانها .. هذه المرة بالذات كانت تجلس فوق صخرة تركها بعض الرعاة ، حاولت أن تحلم بواقع أفضل من الذي تعيشه ، أن تتخيل بسمة الحياة ، على الأقل فهنالك سبب لهذه الأحلام لأن أمها كانت تمنيها بحياة سعيدة قائلة:
ــ سيأتي يوم سعدك عما قريب يا ابنتي .
لكنها لم تكن تفهم المقصود ، فاعتقادها كان عميقاً بأن جبروت أبيها وسطوته سوف يضمحلان مع الأيام الآتية، هذا الأمر لو حدث سيكون مصدراً لسعادة مطلقة .
وحينما تعرفت على صديقها المخلص أحمد الذي يقطن في القرية المجاورة ، زادت السعادة ولمعت العينان بكثافتها ، وحن القلب إلى وصال الألفة بعد كل انقطاع..
هذه المرة صارت تتبع الفراشات بطاقة مضاعفة عما كانت عليه من قبل ، وأخيراً قطعت هاجس الخوف بالصعود إلى الشجرة الكبيرة بمساعدة بسيطة من صديقها الوفي أحمد .
بعد أيام جميلة كانت تمضي كلها أسرار وحياة ورغبة في الاكتشاف ، طلعت شمس يوم بهي ومشرق على القرية فأجتمع الصديقان بعد الظهيرة تحت شجرتهما ، ومن العجيب حقا أن أحمد الخجول جداً قرر أخيراً أن يبوح لها بسر حبه لها
فتشجع قليلاً ونطق بكلمات متعثرة للتمهيد والإستملاح ، لكنه لم ينطقها واضحة الدلالة حتى بان ظل غافل ، هزت رأسها فرأت أباها ، ينظر إليها شزراً . ما إن رأى الولد حجمه الضخم ، وملامح وجهه المنقبضة حتى انطلق مثل القطار هارباً برأسه المنخفض إلى الأرض .
دارت بها الدنيا ، صارت وحيدة ، توقعت كل السوء من نظراته المخزية ، فقد سمعت من قصص كانت تحكيها جدتها أن الفتاة إذا حدث أن مشت أو جلست مع فتى غريب فمصيرها الدفن .
في الواقع لقد كانت الصفعة خاطفة مدوية ، والأخرى كانت مُبكية و مدميةً . ألست إبنته ، فلذة كبده ؟ لماذا يعاملني مثل هذه المعاملة ؟
كل هذه التساؤلات وغيرها كانت تطرحها على نفسها في طريق العودة إلى البيت مشدودة من شعرها بعنف وحشي .
أدخلها حجرتها الصغيرة المظلمة وأقفل الباب بإحكام ، ومضى ونام ، سمعت بعد لحظات أنين أمها يعلو ويخفت في إيقاع مستمر حتى حل صمت مضجر .
بعد أسبوع وجدت فاضمة نفسها في مثل موقف أختها الكبيرة تودرت ، لابسة ثوباً أبيض ، والحناء تُزخرف على يديها ورجليها وأناملها ، وهي مستسلمة للنساء .
همس أبوها في أذنها بصوته الأجش:
ــ حمداً لله أن لا أحد يعرف فعلتك غيرنا، لا تعودي إلى بيتي مطلقةً ، ليست لعائلة المختار بنات مطلقات .
زُفت في عصر ذلك اليوم إلى رجل في العقد الرابع من عمره ، لكن له إقطاع وثروة طائلة بالمنطقة المجاورة ، هكذا فهمت فاضمة أخيراً مغزى قول أمها:
ــ سيأتي يوم سعدك عما قريب يا ابنتي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي


.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت




.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري