الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أتذكر ..يا أبي!

عبدالله مهتدي

2015 / 4 / 1
الادب والفن






أتذكر..يا أبي ؟







لعلّْك يا أبي،
لعلك قد عرفتَ
قد شارفتْ قلبكَ العتمةً
اعْتصرتْ من داخله
آهـــــــــــــــــــاً
كتبتْ به سرَّها
وانتَخبتهُ
عريسا للغيابْ
لعلك قد عرفت
كبنّاءٍ بئيس يديْك
تهدمُ الجدران التي سكنت صمتكَ
لتبني خيْمة الجرحِ
على حطام الريح
لعلك يا أبي قد عرفت
يا أبي ..أتذكر؟
لم أكن أعرف
أن الكبار عيونهم كذلك
تتزين بفاكهة الدّموع
وأن قلبكَ
ينزف نحيبا فاجعا
إلاّ عندما وحيدا رأيتكَ ،
تبحِر في يمِّك الآسن
وحيدا تفتش في مراياك
عن يدٍ تتسلّل من عتمة الليل
لترمِّم شتات عمر
قضيته تلمع وجنة الريح
على ضوْء الشموع
وتسقي بماء العُزلة
حَبَقَ الحلم


........................
لعلك تذكر.. !
أنا يا أبي أيضا بكيْت،
لا كما الأطفال يبكون،
خنقت في مقلتيَّ صمْت الدموع ،
فغرقتْ بماء الجرح
شهْقة الرّوح

لم أعرفك يا أبي
إلا صلْبا كغصْن الحديد،
عنيدا كالنّشيد،
عاصِفا كالرّيح
كثيفا كالشجر
وأنت تحدثني
عن سفرك الآثم
كأنّما
كان ترنحا دائما نحو اليباس،
ذاكرة الصبا ،يا أبي
شقاوات المراهقة التي عشتَها
مثقلا بالأسى ،
حمَّال يُتم
وأنت تلاحق
حماقات شاب كُنتَه،
تبحث عن شمس تلتحف بضفائرها،
ليل تتوسد أحلامه المتيبسة،
ريح جامحة تأخذ بلجامها
إلى حيث يقودك هوس باذخ،
ثم الحرب التي سقت إليها
مفتونا بمجدٍ خائب.


الآن بكيتُ يا أبي
لأني اكتشفتُ الآخر فيك،
رأيتُ يُتمَكَ
عارياً
موحشاً
فخجلتُ منه،
وبكيْت ،
كان نحيبي صامتا
كي لا أشعِرك بحزني
فخجلتَ أنت أيضا،
وأخفيتَ وجهك
خلف نحيبِ أنفاسٍ كانتْ
تهتزّفي صمت،
جسدٍ كان يرْتعش في صمت،
روح ٍكانت تتألم دواخلها في صمت.
لم أستطع أن أضمَّك،
رغم حاجتك
إلى حضن دافئ
فقد تعلّمت كما الآخرين
أن أقبر العواطفَ
تحت غطاءٍ سميكٍ من الصمت
كبرتُ
على أن أحبَّ بصمت،
وكذلك أن أكْرَهَ بصمت.


لازالت ضحكاتكَ
تُضيء حزمَة الأسى التي لبِسَتني
لبسا،
سَكنتني تجاعيدُها،

أفرغتْ في داخلي ريحُها
وجَعا له طعْم الفَقد.
أتذكريا أبي
حين كنت تلبسني هذيان النهار
وتسكِنني هدير الليل الذي علّمتني حكاياه
شهْوة الإنصات
أتذكر
حين كنت ترميني فوق ظهرك
بحنُو باذخ
فأحس وكأني على جبل شاهق
أرى الأرض صغيرة من هناك
فأفتن بالريح
أرى زُرقة البحر
تطفو على وجْنة الماء
تأخدني الى الحلم
وأقطف من شفة السحاب
بضع سحابات
أدحْرِجُها على راحتيَّ
أخبّؤها في دُرْج قلبي
لتنمو حدائقَ عشقٍ على فَمِ النسْيان
أتذكر يا أبي.. !
حين كانت تنتابك
هِستيريا ضحِك طفولي،
كنتُ أخافُ عليك من نفسك،
كنتُ أخافُ على فرحكَ منكَ،
مع ذلك ،
كنا
معا ً،
......................................
وكأنا نغتسل من أحزاننا،
وكأنا نرتق شراع الحلم
وكأنا نراوغ هذيانا سكنتنا أوجاعُه
وكأنا نسْرق من الزمن
بُرْهَة فرَح عابر،
وكأنا نستحمُ
في ماء له مذاق الطيف.
ولعلك تعلم
أن رنّات ضحكاتك
لا زالت ساكنة نبضة الروح
وأني أتذكر ذلك
بفيض من حب وحزن وألم.

الآن ،

هاقد مرتْ سنوات على رقدتك
هناك،
على صمتكَ الخُرافي،
على وجعكَ الزاحفِ
على سفركَ الباكي نحو العدمْ،
أتعرفُ.....؟
كم اشتقتُ إليك ؟
إلى لمْسة يديكَ القمحيتين،
إلى صمتكَ الذي اعشوشب فيه
حبق الكِتمان
إلى نظرات عينيك
المثقلتين بالحب،
إلى أنينك الخافت
إلى معطفك الفضفاض
لطالما اختبأتُ داخل كمَّيه
خائفا
من أصابع الليل
إلى ماءِ الدّهشة على وجهك
وأنت تراني
أراوغ جراحا تترصَّدني
في طريقي إلى حلم
ينسل منك إليَّ
إلى قهوة المساء التي نحتسيها

معاً
وأنت تحكي
عن فضاعات حرْب
لم تختر أن تكون حربك،
عن الموت الذي أفلتك مرات،
ليرمي شراكه على آخرين كانوا
على موعد مع رحيل فجائعي،

أتعرف......؟
كم اشتقتُ
إلى بلسم وجهِكَ
آن علمني ،
كيف أتطلع إلى الريح
سابرا غوْر روحكَ
آن انفتحتُ على أسراره
وكأنما انفتح الحلم
على مصراعيه أمامي.
كم اشتقت
إلى السماء التي كانت عيناك تراها
فتشرق في داخلي
شمسك المتيّمة باليُتم،
كم اشتقتُ
إلى الشرود الحزين
الذي امتطى محياك
حين تآلفت مع الألم؟
كم اشتقت ُ
إلى جلستك في الغرفة
الوحيدة

على السّطح ،
حيث كنت َ
تتأمَّل عُرْي سماءٍ
تركتك وحيدا في خلواتك
تحتسي كأسك المُرَّة
تجابه تعب العمْر
بالصمت
الغرفة التي كان يتعبك ضيقها
كلما شاخت فينا أسْرارالجرح،
امتطتنا مواويلهُ وجعا؟
وأعرف أنّك
كنتَ تخفي خجلك
حين ترى قطرات المطر
تتدلى من سقف الغرفة
تعزف لحْنها الشارد،
كذلك كنتُ.

كنا نخجل منْ بعضنا البعض
ونحن نبحث عن خيط ظِل ٍّ
تحت قصْف شمسٍ لارحيمة،
مع ذلك
سأظل ممتنا لك،
فالغرفة اليتيمة في السطح
كانت تفتحني
على دهشَة الزرْقة
على الأفق الممتد،
أتذوق طعْم الرّيح من هناك
أتمدّدُ على جدائلها
لأتعلم فنَّ الحلم
أخفق لأولى قطرات المطر
وهي تغسلني
من غبَش الرماد
تصْبغ ليليَ بالبياض
تمنحني زرْقة الطرق البعيدة
أمد يديَّ لأقطف
حبّات ضوء ٍ
من شجر الشمس
ألهو مع فراشات متخيلة
تحلق داخلي
تقف على أطراف يدي
ثم تطير
هاربة مني إليَّ
أتدرَّب على الإصغاء
كنتُ أستطيع
في الياليٍ المغسولة بالصَّمت
أن أتمدد على الأرض
كي أتسلّى بِعَدّ النّجوم،
وأن أتبين
ألوان العصافير
وهي تقفزً
بين شرُفات الصباحات ،
وأن أتصالحَ
مع الحلم.

أتذكرُ يا أبي !؟
أتذكر بطشك الجميل،
وغضبك المثقل بالحب،
والألفة التي تشعُّ
من قلبكَ
ها أرى وجنتيك في وَرَقِ الشفق
أرى عينيك في ومْضة الماء
أشرَب منْهما
حتى
الارتواءْ؟
أتذكرُ يا أبي... !؟ "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذكرى وفاة الشاعر أمل دنقل.. محطات فى حياة -أمير شعراء الرفض-


.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي




.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني


.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم




.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع