الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رُهاب ما بعد الإرهاب..

فاضل عزيز

2015 / 4 / 1
الادب والفن


رغم مرور عدة أشهر على معايشتي لجريمة تفجير فندق دار السلام حيث كنت متابعا إعلاميا لجلسات مجلس النواب الليبي بعد أن اضطره الانقلابيون من جماعة الإخوان المسلمين المدعومين بمليشيات مسلحة من المتطرفين إلى مغادرة العاصمة طرابلس وكذلك مقره الجديد بمدينة بنغازي، لا زال هول دوي ذلك الانفجار المرعب يطاردني حيثما حللت، سواء في البيت أو في الشارع، رهاب لم استطع التخلص منه رغم أنني لم أصب جسديا خلاله بأي أذى مع أنني كنت جالسا بقاعة محاذية لنقطة الانفجار ساعة وقوعه، إلا أنني نفسيا لا زلت أعيش كوابيسه المرعبة ..
يومها كنت قد ركنت إلى زاوية بقاعة فارغة محاذية لمكتب الإعلام حيث أعمل، مخصصة لاجتماعات اللجان المتخصصة بالمجلس و اجتماعات الوفود الزائرة، أطالع كتابا كنت احتفظ به في جهاز الحاسوب الخاص بي ، فجأة دوى انفجار مزلزل مرعب دفع بي لأسقط بين الكراسي والطاولات التي تبعثرت مغمورا بأكداس من حطام زجاج النوافذ والجدران الزجاجية وعاصفة من غبار متراكم عبر عقود على السقف المعلق ورذاذ المادة العازلة الخانق الذي أصابني بحالة من الغثيان والسعال والاختناق، نهضت مترنحا من هول الصدمة انفض عن نفسي ذلك الحطام مذهولا مما جرى، استعدت وعيي بالتدريج، وخمنت أن ما جرى كان بسبب غارة جوية شنتها طائرات تابعة لما يعرف بمليشيات فجر ليبيا، أو زوارق بحرية تابعة لنفس المليشيات، وأنه يجب علي مغادرة المكان بأسرع وقت قبل أن تعاود الطائرات او الزوارق عدوانها، تفاقم رعبي عند مشاهدتي لبعض ألسنة اللهب تندلع في القاعة المقابلة، حاولت في البداية المغادرة من الباب الرئيس للفندق، إلا أن الحطام المكدس بالممر والدخان الذي يملأ الجو منعني من مواصلة السير، تراجعت إلى نفس القاعة لأكتشف بعد أن خف ضباب الغبار أن الحوائط الزجاجية المحطمة تفضي إلى ساحة مكشوفة هي سطح لمخزن كبير يفضي إلى بدروم الفندق، لجأت وأنا أكابد حالة اختناق رهيبة إلى هذا السطح باحثا عن نسمات هواء نقية تنقذ حياتي، ومن السطح اكتشفت ممرا ضيقا سلكته مهرولا لأجد نفسي عند حوض السباحة المحاذي للفندق..
هناك عند حوض السباحة وجدت العشرات من الأشخاص المذهولين من صدمة التفجير من كل الأعمار بينهم بعض المصابين بجروح طفيفة جراء تحطم زجاج النافذ، كانوا خليطا يضم نوابا وموظفين وأطفال ونساء من اسر النواب الذين كانوا يقيمون بنفس الفندق، كان الجميع يجوبون ويتدافعون بين قاعة الاستقبال ومحيط حوض السباحة في حالة ذهول، يعلوا صياح سيدة تبحث عن ابنها أو زوجها ومظاهر رعب من خبر فقده يسيطر على ملامحها، يتبادل آخرون التهاني بالنجاة من هذه الجريمة بأعين تفيض بالدموع، يدلي كل بتوقعاته واتهاماته لأطراف متباينة عن هذا العمل الإجرامي، لكنها تجمع كلها على إدانة بقايا أعضاء المؤتمر الوطني المنتهية ولايته من جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم من المتطرفين بالوقوف وراء الجريمة، يرتفع صوت جهوري من ذلك الحشد يبدو أنه لمسؤول أمني مطالبا الجميع بمغادرة الفندق، يرد عليه أحد أفراد المليشيات التي تسيطر على الفندق بضرورة بقاء الجميع في الفندق بحجة أن قناصة ينتشرون على أسطح البيوت المجاورة للفندق سيستهدفون كل من يخرج منه، وذلك كما يبدو أنه أدرك أن بمغادرة النواب وأسرهم والموظفين لهذا الفندق سيفقد هو ومليشياته امبراطورية ونفوذ لن يعوضوه أبدا، وهذا ما جرى فعلا .
ومع مرور الأيام لم تفارقني تلك المشاهد، وكلما أويت إلى فراشي أطارد لحظات نوم تأبى مراودتي، تتجدد أمامي هذه المشاهد المرعبة، وتهاجمني كوابيس التفجيرات، ويدوي صوتها المرعب في أذني، وأتنفس هواءها الكريه كأنها تحدث للتو، أشعر بعواصف من الغبار وزجاج النوافذ المفتت تجتاحني، فأنتفض من فراشي وأجلس مرعوبا متقطع الأنفاس، تلتفت شريكتي في الفراش متسائلة ، لاباس عليك؟ ماذا تحس؟ أبادر إلى تهدئة روعتها، بالقول ، لا شيء فقط مجرد حلم مزعج.. ترد باستغراب ، وهل تحلم و أنت مستيقظ؟ أرد على تساؤلها بصمت لا تستطيع اختراقه فتضطر لتركي وشأني وفي ذهنها عاصفة من التساؤلات المكبوحة حول صحتي.
لا تقتصر مداهمة كوابيس هذه الجريمة لهنائي ساعة النوم، بل قد تداهمني حتى في عز الظهيرة وأنا أطالع كتابا أو أشاهد التلفاز أو وأنا أتناول وجبة غداء، أو حتى في لحظات التأمل العادية مع رفاق لي.. صوت قنابل تنهار علي ، شظاياها تدمي جسدي صوتها المرعب يصم أذني، أشاهد شريطا حيا لدخان يتصاعد من حولي ونصف غرفتي محطم والسنة لهب تستعر من حولي ، أسمع أصوات جلبة وصياح ونداءات استغاثة، اشعر بأجزاء من جسدي وقد قطعت ونزيفا من دمي يتدفق، وأمام هول هذه المشاهد التي لا يراها أحد غيري ، تصدر مني وبدون وعي صيحة مكتومة تلفت انتباه الجالسين معي، ويبادروني بالسؤال المعتاد: ماذا جرى لك؟ بماذا تشعر؟ هل أنت مريض؟ .. ادفع بابتسامة مصطنعة استخرجها من قاع شعوري بالرعب ، واتبعها بعبارات تنفي إصابتي او شعوري بأي مرض أو أذى، وافتح حوارا مصطنعا لتغيير الجو والهروب من حصار تساؤلاتهم التي قد تفضح حقيقتي كمريض نفسي جراء لحظات مواجهة حقيقية مع موت محقق بين حطام تلك القاعة بذلك الفندق، شاءت قدرة الخالق سبحانه وتعالى تأجيله إلى موعد لا يعلمه سواه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل