الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طوبة كريكر

عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)

2015 / 4 / 1
كتابات ساخرة


طوبة كريكر

لا أعتقد أن أحداً منا ينسى يوماً إعلانات ودعايات إذاعة (مونت كارلو)، فهي لحد اليوم عالقة بذاكرتي و كأني أستمع لها الآن من المذياع عبر الأثير...
أكاي... الصوت ستريو الذي يساااااااااااااااااااااااااااااافر بخير...

كنت ولا زلت أقول أن بداية السبعينات في العراق هي فعلاً مراهقة القرن العشرين، قد يكون لمراهقتي حينها سبب في قولي هذا، ولكن كانت كل المؤشرات توحي بتحرر الناس، حيث واكبوا التقدم والتطور في سفرهم وأطلاعهم وأحتكاكهم بشعوب الأرض، وطبع البلد وأدخل وترجم الكتب الثقافية والعلمية وبوسترات ومجلات الموضة وأخبار الفن (الموعد، الشبكة وألف ليلة...) ومجلات الأطفال (ميكي ومجلتي والمزمار...) والشباب (سوبرمان والوطواط...) وفتحت المعارض والمهرجانات وعرضت سينمات شارع السعدون الراقية والعاملة بتكنولوجيا الصوت ستريو (النصر، بابل، أطلس، النجوم، سمير أميس...) أحدث الأفلام العالمية وحضرها حتى منتصف الليالي عوائل مثقفة وملتزمة من طبقات المجتمع الراقية والمتوسطة، وتحرر جيل نساءنا من التخلف وواكبن آخر صيحات الأزياء في بيروت وباريس، حتى أنك حين تجلس بشارع النهر أو السعدون وكأن عروض أزياء منوعة يجري أمامك.
وفي السبعينات كانت ثورات تحصل في المجتمعات على العموم، فظهرت موضة الملابس القصيرة (الميني) والشورتات وملابس البحر الساخنة وتقليعة الهيبيز والفرق الموسيقية بثوب جديد، البوني أم، آبا، أيربشن، بيتلز... وأتذكر أن إحداها قدمت عروضها في سينما سمير أميس، وبدأ بث إذاعات عالمية ناطقة بالعربية موجهه لنا على موجات متوسطة وقصيرة و(أف أم)، برامجها مشوقة لجذب الشباب العربي لها، ومنها كانت إذاعة صوت أمريكا (في أو أي) وإذاعة لندن (بي بي سي) وطبعاً (مونت كارلو) بمذيعيها المحبوبين وبرامجها الممتعة، وكانت شغلنا الشاغل بالمساء ومحط حديثنا بالنهار.
× × ×

أعلنت إذاعتنا المحبوبة (مونت كارلو) في عام 75 مسابقة حول دورة كأس الخليج بكرة القدم التي جرت ببغداد، وكان المطلوب تخمين الفرق الفائزة الثلاث بالتسلسل وأيضاً جنسية هداف البطولة، وقامت الإذاعة بعد انتهاء البطولة وعلى الهواء مباشرة بأجراء قرعة بين الأجوبة الصحيحة للفوز بسفرة سياحية أسبوع لباريس بمرافقة نجوم الشاشة (حسين فهمي وميرفت أمين)، وكنت حسن الحظ بالإجابة الصحيحة، لكن سيء الحظ لأني لست أحد الفائزين الثلاث بالسفرة، وعليه وعدتنا الإذاعة كأصحاب أجوبة صحيحة، بهدية... (طوبة كريكر!).
قلت لا بأس و(خيرها بغيرها) وانتظرت طوبتي بفارغ الصبر، أحلم بها وبألوانها الزاهية، أمني نفسي بأنها ستكون هدية العمر، وكيف سأنشي فريقاً تحت سلطتي يلعب بكرة قدم الكبار، في وقت كانت قوانين البلد تمنع استيراد كرة (الكريكر) من ضمن جملة مواد (محظورة) لحكمة لا يعرفها حتى مدير الكمارك نفسه !
طال انتظاري أيام وأسابيع لحد ما تبددت أحلامي ونسيت هديتهم، فقررت معاقبة إذاعة مونت كارلو وعدم متابعتها !
وفي يوم جاء لبيتنا بحي القادسية موظف البريد المسجل يحمل بيده صندوق كرتون مقوّى، طرت من الفرحة وصحت حضروا (البمب) أكيد أرسلوها (مفشوشة)، على الفور مزقتُ الصندوق بلهفة وبهمجية، فكانت الصدمة...
وإذا بهديتهم عبارة عن روزنامة باللغة العربية، عبارة عن دعاية لسيجائر (كنت) مع مظروف فيه رسالة مقتضبة طبع فيها...
((الأخ المحترم مستمع إذاعة ـ مونت كارلو ـ
تحيه طيبة
لما كانت قوانين بلدكم الكريم تمنع إدخال الهدية (كرة القدم)، فقد تعذر علينا إيصالها إليك.
نرجو قبول هذا الكاليندر للعام الجديد، مع التقدير.
مكتب اذاعة مونت كارلو ـ بيروت)).

وئد هذا الظرف البسيط كل أحلامي ورجاء أصحابي بأن نكون من أصحاب طوبات الكريكر وأن أكون (مدير) فريق كرة قدم محترم يلعب بالكرات التي أقتصرـ على الملاعب النظامية، وأنتهت أمنياتي بأن شباب الحي ما يبرح (يتملق) لي كي أضمه للفريق كي يحضى باللعب بالكرة المنتظرة !
نعلت الحكومة وقوانينها وممنوعاتها التي لا تنتهِ، ورميت الروزنامة بالزبالة، فأنا لست مستعداً أن أروّج دعاية لسيجائر أمريكية !
وحلفت ما أشجع أي فريق يلعب بكرات كريكر ولا أي (زميلة) تدخن سيجائر (كنت)، وبقيت أتسائل لِمَ هذه القوانين التافهة في حكومة لا هي تحذوا بنظام رأسمالي ولا هي تفقه من الأشتراكي شيئاً، متسائلاً هل هي للحفاظ على اقتصاد البلد، أم تقييد للحريات وتدخل بخصوصياتنا؟
فكيف لبلد أن يرفض إدخال هدايا بريئة لا تكلف خزينته شيء؟
× × ×

ما ذكرني (بمأساتي) هذه قراءة مقاله بمجلة أجنبية عن واقعة لأحد السائحين (العرب) بأيطاليا، تتحدث عن سلوكه و(البذخ) في ذات اليمين والشمال، فتقول...
((كان جالس بخمّارة ـ أي ملهى ـ بزيه العربي مع ضيوفه وحين أعجبتهم (نمرة) لراقصة على المسرح، طلبها لمجالستهم وحرر لها شيكاً كهدية للتعبير عن إعجابه، لكن ـ وعلى ما يبدو ـ امتعضت بعض الشيء من قيمة المبلغ، فأضاف الرجل دون أي تردد، صفراً على اليمين لإرضائها !))
أي أن أخينا ضاعف الرقم عشر مرات... (فقط) !

حمدت الله أنه ما كان أسمي ضمن الفائزين الأوائل، لكنت قد حرمتً من السفرة ومن رؤية (ميرفت وحسين) ومن التجوال في (الشانزليزيه) !
وشكرته لأن هديتي الضائعة كانت مجرد طوبة وليست سيارة (ترانز ـ أم)، فحسرتي على الكريكر يمكن أن أتحملها، لكن حسرة على السيارة... تشيب الراس !

الفائز الخسران ـ عماد حياوي المبارك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي