الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسطورة علي الوردي في ميزان سليم علي الوردي (الجزء ا الثامن والاخير )

احمد عبدول

2015 / 4 / 1
الادب والفن


واضب عالم الاجتماع الراحل علي الوردي (رحمه الله ) على الترويج لعدد من المفاهيم الفلسفية التي كانت تمهيدا لدعوته المثابرة في ضرورة اتباع ما يسمى ( الحياد في البحث العلمي ) وقد كان الراحل ينفي عن نفسه تهمة الايمان بمذهب فلسفي معين فهو يريد الاستفادة من سائر الافكار المطروحة لا سيما تلك الافكار التي تمثلت في المدرستين (المادية والمثالية ) وفي ذلك الصدد يقول الراحل (لقد حاولت ان اوفق بين نظرية ابن خلدون وبين النظريات الحديثة التي هي بدورها تنقسم الى ماركسية ومثالية وقد حاولت الافادة من كليهما قدر جهدي )وعندما سأله المحاور كيف يمكن ان التوفيق بين النظرة الماركسية والمثالية للعالم اجاب بقوله (ارى ان الباحث يجب ان يفيد من كل النظريات التي ظهرت الى الوجود ,وبهذا الشأن هناك قول مأثور للينين عن الافادة من كل الافكار التي تخدم قضية التطور الاجتماعي في العالم )(حوار مع الدكتور علي الوردي في صحيفة طريق الشعب 5/6/1977 )وهكذا نرى الدكتور الوردي لا يكتفي بتبني المواقف الفكرية التوفيقية وانما يلصقها بغيره ,والا فالجميع يعرف ان( لينين ) كان له موقف واضح ومحدد من الماركسية والمثالية حيث يقول بذلك الصدد (ان رفض الاعتراف بالمشاريع الهجينة التي تستهدف التوفيق بين المادية والمثالية هو في حقيقة الامر اكبر فضل لماركس الذي كان يذهب قدما ,متبعا في الفلسفة طريقا محددا بصورة واضحة )ويقول في مورد اخر (ان القضية موضوعة بهذا الشكل فقط :ايديولوجية برجوازية او ايديولوجية اشتراكية وليس هناك من حل وسطي ـلان الانسانية لم تأت بعد بايديولوجية ثالثة ).
يعلق الدكتور سليم علي امين الوردي على الكلام اعلاه قائلا (لا ندري في اي سياق ذكر لينين الفكرة التي يوردها الدكتور علي ,ولكن وفي جميع الاحوال ان ما يقصده بالإفادة من جميع الافكار انما كان فيما يخص ما يخدم قضية تطور المجتمع البشري ولا يمكن المقصود من ذلك التوفيق بين المذاهب والمدارس السوسيولوجية المتناحرة .ان محاولات التوفيق بين المادية والمثالية هي واحدة من اهم سمات المذهب الوضعي .يقول كونفورت :ان احدى خصائص الوضعية المعاصرة هي انها تنشر الوهم القائل بوجود طريق وسط في الفلسفة ـاي مهاجمة المادية ونقد المثالية في نفس الوقت وهذا الطريق كما تعتقد هو طريق الحياد العلمي )ويمضي (سليم ) قائلا(ان الباحث الاجتماعي ليس رساما يخلط الالوان ليخرج بلون جديد .فكما ان المصالح الاجتماعية الطبقية المتناحرة يستحيل التوفيق بينها ,لا يمكن ايضا للباحث الاجتماعي ان يقف فوق الصراع الفكري الذي يعبر عن الصراعات والتناقضات الاجتماعية يتساءل الدكتور علي الوردي في الجزء الرابع من مسلسلته عن موقف الباحث العلمي من الصراعات الاجتماعية قائلا (اين يقف الباحث العلمي من هذا الصراع ,هل يجب عليه ان يعين جانب الحق فيه ويؤيده تأييدا مطلقا ام يقف على الحياد بين الجانبين ؟ان ابسط انسان يجيب ما دام الباحث قد تبين جانب الحق عليه ان يؤيده ولا مجال هنا للحياد لكن الدكتور علي لا يسارع للإجابة على هذا النحو بل يقول (لكي نجيب على هذا السؤال ينبغي ان نميز بين وظيفة الداعية ووظيفة الباحث في الحياة فالداعية هو الذي يتمسك بعقيدة من العقائد ـدينية او سياسية ـويدعو الناس اليها ولهذا فهو مضطر ان ينظر في احداث التاريخ نظرة تقيمية حسب معيار العقيدة التي يدعو اليها .اما الباحث فالمفروض ان يدرس احداث التاريخ دون ان تكون له نظرة مسبقة تحدد موقفه منها ,واذا كانت لديه مثل هذه الفكرة تحول من كونه باحثا الى كونه داعية . وليس معنى هذا اننا نفضل احدهما على الاخر , فكل منهما له وظيفة في الحياة الاجتماعية ولا تستقيم الحياة مالم يكن فيها دعاة وباحثون في آن واحد ـ اولئك يحركون التاريخ وهؤلاء يدرسونه ويواصل حديثه فيقول:يمكن تشبيه الداعية والباحث بالمحامي والقاضي في محكمة التاريخ فالمفروض في المحامي ان يتحيز الى جانب موكله لان هناك محاميا اخر يتحيز الى الجانب الثاني .اما القاضي فالمفروض فيه ان يكون محايدا بين الجانبين لكي يستطيع بعدئذ ان يدلي بحكمه العادل في القضية المعروضة عليه .فاذا تحيز القاضي كان كالمحامي الذي لا يتحيز الى جانب موكله , فكلاهما يعد مقصرا في اداء واجبة الذي انيط به )
ان الراحل الوردي يصور بكلامه اعلاه ان العلم والعقيدة ضدان لات يلتقيان فالعلم يتصف بالحياد والتجرد بينما تتصف العقيدة بالتحيز .وقد كان الاولى بالراحل الوردي ان يميز بين العلم والجمود العقائدي كما يقول الدكتور (سليم الوردي )ان الباحث الاجتماعي هو عالم ومصلح في ذات الوقت ,ولا يطلب منه بالضرورة ان يمسك بسيفه ويخرج على الناس ليبارز شرور المجتمع ,ولكنه عندما يكشف عن تناقضات المجتمع وشوره وزيف مؤسساته ,فهو يكون في ذات الوقت داعية لافكاره فهو وحده ولا يمكن ان يحقق شيئا اذا لم يجد من يتبنى افكاره وطروحاته .
يقول الدكتور (سليم ) لست ادري لماذا يصور الدكتور علي عالم الاجتماع كالماكنة التي تنتج الحقائق الاجتماعية وترمي بها الى الناس ليتلقفوها ويتصرفوا بها كما يشاؤون الا يتناقض هذا مع آراءه السابقة وهو يقول :ان وقوع الظلم لا يحرك الناس ان لم يكن مصحوبا بالشعور الواعي والتذمر .وهنا تتضح وظيفة حملة الاقلام ,اذ هم يسمون الاشياء بأسماءها ويضعون النقاط فوق الحروف )ويقول في مورد اخر (ان المصلحين الاجتماعيين لا يكتفون بإعلان برامجهم الاصلاحية ,ويتركون امر الدعوة اليها للآخرين )
ويستخلص الدكتور (سليم ) ان ان المنهج الوضعي الذي التزمه الراحل الوردي كان قد جنى عليه واوقعه في تناقضات صارخة لعل اهمها الآتي .
1ـ الراحل الوردي يدعو الى الموضوعية في البحث ,بينما هو ينكر وجود الحقيقة الموضوعية .
2ـ يتهجم على وعاظ السلاطين تارة ,ويلتحق بقافلتهم بمنطقه البراغماتي تارة اخرى .
3ـ ينتقد خصوم ثورة العشرين من البريطانيين الذين تهجموا على الثورة والثوار ووصفوهم بالشغب ,ولكنه يعود فيلتقي معهم وتصب افكاره في مجرى افكارهم .
4 ـيقر بأن ثمة قوانين موضوعية تتحكم بحركة المجتمع وذلك بقوله (الحركة الاجتماعية لا تخضع للمنطق انما هي تجري حسب نواميسها المحتومة اراد الناس ام ابوا )ولكنه يعود فيتحدث عن لا جدوى الكشف عن النواميس الموضوعية ويدعو الى ابتداع الحقائق التي تجلب المنافع .
5ـالراحل الوردي يرفض الايديولوجيا او ما يسمى بالنظرة المسبقة التي تحدد موقف الباحث من الاحداث والوقائع ,فهو يريد تحويل الباحث الى مجرد مجمع وقائع لا غير يرتبها ويوظبها ويحكمن بعد ذلك عليها .
ولم يجيبنا الراحل الوردي على اي اساس يبني الباحث احكامه وبأي اسلوب يرتب الوقائع حسب اهميتها ,وكيف ينتقي الوقائع الجوهرية ويبرزها ,وكيف يربط بين الوقائع ؟ وهل يتم كل ذلك بدون معايير منهجية معينة ومحددة .
اخيرا وقبل ان اختتم الجزء الاخير من سلسلة ما اطلقت عليه (اسطورة الراحل علي الوردي في ميزان سليم علي الوردي )اود ان اتطرق الى ما قرأته من خبر وانا اكتب الجزء السادس من تلك السلسلة ,حيث ذكرت احدى الصحف العراقية ان الدكتور (سليم )كان قد تراجع عن جميع انتقاداته التي وجهها الى الراحل علي الوردي في كتابه الذي الفه عام 1978 ,واضافت كاتب المقال ان الدكتور سليم انما كان متأثرا , اثناء حقبة السبيعينيات من القرن الفائت ببعض اشارات واطاريح الشيوعيين وانه قد تراجع عن مجمل تصوراته السابقة حول آراء الراحل علي الوردي .الا انني قد اطلعت بعد ذلك على محاوره طريفة كان قد اجراها الكاتب والصحفي (توفيق التميمي ) مع الدكتور (سليم علي الوردي ) وفي ختام المحاورة سأل الصحفي (التميمي) الدكتور (سليم ) عن حقيقة تراجعه عن مجمل انتقاداته التي وجهها الى الراحل الوردي في ثنايا كتابه (علم الاجتماع بين الموضوعية والوضعية ) فما كان من الدكتور (سليم ) الا ان رد بالنفي وهو يقول (لا لم اتراجع ولكني تطورت عما كنت امتلكه من علم ,فقد كنت آنذاك في العقد الرابع من العمر وانا البوم في العقد السابع ) ثم حكى الدكتور (سليم )حكاية طريفة مفادها انه لما قام بتأليف كتابه (علم الاجتماع بين الموضوعية والوضعية ) فأنه قد اهدى نسخة من كتابه الى استاذه الراحل الوردي وقد ذيل الاهداء بعبارة ارسطو التي بعث بها الى استاذه افلاطون قائلا (انا احب استاذي لكن حبي للحقيقة يبقى اكبر )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز


.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال




.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا