الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لاميّة الشنفرى بين اليوتوبيّة والبوهيميّة

حلا السويدات

2015 / 4 / 3
الادب والفن


إنّ أكثر ما يمكن التماسه عند الإنسان/ الشّاعر ارتقاؤه نحو التّفسير، فتحدد لغاته وطرق تعبيره بل وردود أفعاله بما يتعلق بهذه القَضيّة أو جزئيّة تابعة لها؛ ابتداءً من المحدِث إلى المحدَث وتبعيات حدوثه _نحن منوطين هنا بالجماعة وقيمها_ فالجماعة الطبيعة التي يتمحور داخلها الشاعر / الطبيعة والنّاس.
فالتّأويل في اللّامية (تأويل النّاقد تحديدًا)، انطلق من الثّابت الجَوْهريّ / الإنسانُ القَلِقُ الدّاخليّ، إلى الثّابت الجَوْهريّ الخارجيّ المتخفيّ، والمتعلّق بالمساحة القيمية الّتي تدورُ بَيْنَ هذين القُطْبيْن (السّائل/ المسؤول عنه). والسّعي القَلِقُ عند الشّنفرى سلك مسلك الناقد للمحيطات الحسّية/ السّلطويّة تِبْعًا لقانون الغابة؛ فعالج أوّلًا مسألة الآخر/ القلق تَبْعًا للتشارك ضِمْنَ خصائص الدّائرة عينها، الّتي تمحوّرت داخلها انبعاثات الّلامية؛ من ناحية الجوهريّ الداخليّ والجوهريّ الخارجيّ.
من اللا موضوعيّ مقايسة اللاميّة/ مضمونها، ببديل تأويليّ من العصر الحديث، بذريعة وجود جزئيّة من الحالةِ المُسْقَطَةِ؛ أي مشهديّة رفض الشّاعر لقبيلته وقيمها وإعلائه لقيمه/ حسٌّ بوهيميّ، أو افتراضه مكانًا أمثل/ حسٌ يوتوبيّ (المدينة الفاضلة)، إذ إنّ شعرية الرفض عند الشنفرى لم تلتزم بالتطابق مع هاتين الحالتين الحداثيّتين، لغياب الشمول الفهومي لكلّ منهما في القصيدة، فنحن إذا نفينَا عنها البوهيميَة كان عذرنا في ذلك قول الشنفرى" وإنّي إلى قومٍ سواكم لأمْيَلُ"، فجزئيّة التّحوّل هنا اقتضت بديلًا جماعيًّا( من النّاحية الكميّة نفسها)، وليس نزوعًا فرديًّا بقيم تلتفّ حولَ الذّات دون أدْنى مبالاة بما ستؤول إليه الجَماعة؛ الالتزام بفرض بديل. فالقصيدة ليست خالصة بتلك الحركتين (نموذجين عصريين لنزعات أبديّة)، إلا أنّها فرضت قيمًا تأخذ من اليوتوبيّة طَرَفَيْ خيطِها؛ مكانٌ أوّلٌ مكانٌ ثانٍ*وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى، وأيُّ أذىً يقصد؟ إنّه أذى الخروج عن قيم القبيلة من القبيلة ذاتها* وإن مدّت الأيدي إلى الزّاد لم أكن بأعجلهم إذْ أجشع القوم أعجلُ؛ العزّة، الإباء، السيادة، الكرم، الشجاعة، القوّة. ألم يكن صوتُ هذه القيم مكرورًا وليس اجتهادًا من الشنفرى؟ بلى، لأن القيم بحد ذاتها غاية كل نبيل، ولم يكن فرضا لقيم ذاتية تختلف عن التيار العام كما في المفهوم البوهيميّ، والذي لا يفترض نبل القيم الشخصية من ناحية عامة، بل حالة فردية تتسم بضيق مساحتها ومبالاتها في نشر وفرض هذه المباعث الذاتية على الآخرين؛ وإن قلنا إن بحث الشنفرى عن مجتمع كامل وهو كما في قراءة أدونيس للقصيدة أن الشنفرى عندما يخرق قانون الطبيعة لا يخرقه كي يجعل من نفسه سيّدًا يستعبد الآخر أو يسلبه حقه، وإنما يخرقه كي عبر عيشه في عالم الحيوان الذي لا قانون فيه إلى وجوب تأسيس عالم آخر لا أمر ولا نهي فيه، لا آمر ولا مأمور، أي ليس فيه غير الطبيعة والحرية، ويمكن للأمر أن يكون ردة فعل( كما اقتضى باطن قول أدونيس) تعالج نزعة ذاتية عند الشنفرى، وهي رؤيته لنفسه أنه الأجدى الذي عليه أن يتساوى مع أسياد هذا القوم إذْ يمتلك من النبل ما قد يفوق امتلاكهم له؛( النبل المتعلق بالقيم المعترف عليها من قبل الشنفرى وقبيلته).
إنّ جدلية اللامية تنحصر ضمن علاقة الذات بالأيقونة الأوسع / الآخر، فالذات هنا قادرة على النّقد، وتمتلك سلطة الرفض، وهي التي يمنحها الأدب وهنا الشعر، ولم تقتصر بشعرية اللامية على النقد فقط، بل قدّمت البديل وهي مرحلة تشير إلى الفوقيّة والثبات الجوهريّ والواثق لدى الشنفرى. وإنّ الرفض والحرية كمفاهيم أبدية يبحث عنها الإنسان أثناء انطلاقه نحو التفسير، تأتي بذرتهما في زمن سابق، ويتبلورا في زمن لاحق، لكنّ اشتراك الزمنين بهما لا يدفعنا إلى أن نسقط الدائرة الاصطلاحيّة لهذين المفهومين من زمن لآخر؛ وإن أكثر ما يمكن قوله لإثبات كونيّة وإنسانيّة القصيدة إن الباعث كان واحدا مع اختلاف خصوصيته الزمكانية.
بالتالي خلصنا إلى أن الشّاعر لم يضع قبيلته موضع الرّفض بل موضع التّساؤل حول الأنبل لديهم وثبات فكرة القيم كمرجع معرفيّ أخلاقيّ أول لدى طرفيّ الخيط اليوتوبيّ، إنّه عندما تعلق الأمر بفرض نموذج أمثل/ العالم الحيوانيّ بكل أخلاقيّاته،(وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى)، لا بد أن نشير إلى أن القارئ لا يستغني عن قراءاته السّابقة حول الفكر، أو حول الأدب، فالذّوق السّابق حَسْبَ رأي النّبهانيّ يحتاجُ إلى فَهْم النّصوص الأدبيّة، أي معرفة بطبيعة النّصوص ينتج عنها تكوّن هذا الذوق، فالمعلومات السّابقة هي وجود الذوق، وإذا لم يوجد هذا الذوق فإنه لا يمكن فهم النّصوص الأدبيّة، وفيه نرى أنّ النبهانيّ لم يُحدّد نوع المعلومات السّابقة ولا مصدرها لكنّها حتما ساهمت في تكون عقل أبعاد المتلقّي وعلى هذا من الصّعب أن ننفي الانزياحات التّأويليّة للفكر المعاصر/ الإنسان الحديث عند قراءة نصٍّ قديم، أو حتّى قديم جدا/ لاميّة الشّنفرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -رفعت عيني للسما- أول فيلم مصري يحصد جائزة العين الذهبية بمه


.. اسئلة متوقعة وشاملة في اللغة الإيطالية لطلاب الثانوية العامة




.. طرح البوستر الرسمى لفيلم عصابة الماكس تمهيدا لعرضه فى عيد ال


.. أكاديمية زادك.. أول صرح تعليمي لفنون الطهي في السعودية




.. الفنان ويل سميث يتحدث لصباح العربية عن ردود الأفعال على زيار