الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تصير الأسرة بسبب التوقيت المستمرمجرد مؤسسة بيولوجية للإنجاب ؟

عبد الرحيم العطري

2005 / 9 / 23
مقابلات و حوارات


الباحث الاجتماعي عبد الرحيم العطري للمنعطف
هل تصير الأسرة بسبب التوقيت المستمرمجرد مؤسسة بيولوجية للإنجاب ؟
أجرت الحوار : زهرة إيدموح
اختلفت أراء الناس في التوقيت المستمر ، منهم من نعته بالصاعقة ، و آخرون بالفطام ، فيما قال عنه آخرون بأنه سينعش الإدارة المغربية و سيخرجها من نفق الكسل و الخمول ، أدرجنا في أعداد سابقة شهادات موظفين ، ندرجها كما استقيناها من أرض الواقع ، على اعتبار أنها تجربة في المهد ، و يتطلب إصدار حكم نهائي عليها مزيدا من الوقت ، و اليوم نسائل الباحث الاجتماعي عبد الرحيم العطري عن مصير مؤسسة الأسرة ،و عن انعكاسات التوقيت المستمر على بنيتها و أفرادها .
* في نظركم أستاذ عبد الرحيم العطري هل هناك حاجة إلى العمل بالتوقيت المستمر بالمغرب ؟
* قبل الحديث عن الحاجة و مدى مشروعية هذه الحاجة ، و قبل التطرق إلى مختلف الانعكاسات الاجتماعية لنظام التوقيت المستمر على الأسرة المغربية ، لا بأس أن نشير بداية إلى الدفوعات التي قدمت مؤخرا لتبرير العمل به ، فقد صار التوقيت المستمر مفيدا للاقتصاد المغربي و للمجتمع المغربي عموما ، بعدما كان حتى عهد قريب غير مجد و غير مناسب بالمرة للمغرب ، فما دلالة هذا التحول ؟ الأكيد أن فاتورة النفط الملتهبة تقدم الجواب المحتمل ، إذن فالدوافع الاقتصادية كانت أكثر تأثيرا في صناعة القرار المتعلق باعتماد نظام التوقيت المستمر ، بحيث أن هذا التوقيت لم يأت نتيجة نقاش و توافق وطني ، و لم تمله أيضا دوافع اجتماعية صرفة ، بقدر ما فرضته فرضا أسعار برميل البترول التي لم يعد صندوق المقاصة قادرا على تحملها .
* لكن حتى عهد قريب كان هناك رفض للتوقيت المستمر حتى من قبل الحكومة ؟
*في وقت سابق كان التبرم من اعتماد هذا التوقيت يتصل بالهاجس الأمني الذي يستحضر أسئلة وقت الفراغ ، و إمكانيات قضائه بالنسبة لعدد غير يسير من الموظفين في العمل السياسي أو النقابي ، و هو ما يعني انبناءا جديدا لأوضاع مختلفة في النوع و الدرجة ، و يشير أيضا إلى إمكانية ارتفاع حرارة الطلب الاجتماعي للمواطن بسبب المساحة الزمنية المتاحة للتأطير و تعميق النقاش المجتمعي ، لكن ذات المقاربة الأمنية التي تحكمت في تأجيل العمل بهذا النظام ، لم تصمد أمام التهاب أسعار الطاقة ، فكان التوقيت المستمر في غياب تام للإجراءات المصاحبة و المساعدة على جعله أكثر فعالية و أكثر إيجابية بالنسبة للموظفين و المجتمع عموما .
* أليست للتوقيت المستمر أية فوائد ؟
*الأكيد أن نظام التوقيت المستمر له من الفوائد الاقتصادية ما لا يمكن حصره بدقة ، فهناك من جهة الاقتصاد في استعمال الطاقة ، و هناك التحرر من الذهاب و الإياب المتكرر لمقرات العمل ، مع ما ينجم عن ذلك من إرهاق جسدي و نفسي ، لكن بموازاة ذلك هناك نتائج أخرى أكثر كارثية على مستوى النسق الأسري بالدرجة الأولى و على مستوى الرموز و القيم الاجتماعية التي تؤطر العلاقات و المؤسسات الاجتماعية . فثمة اختلالات عديدة تنجم عن الإلغاء القسري للتجمع العائلي حول وجبة الغذاء ، هذا الإلغاء الذي استوجبه التوقيت المستمر يساهم في حرمان الأسرة من نوع من الالتفاف و الدفء هي أحوج إليه في زمن تتعرض فيه مؤسسة الأسرة لمزيد من معاول الهدم ، و هو ما يجعل الأسرة في النهاية مجرد مؤسسة بيولوجية للإنجاب ، بحيث ينفرض عليها أن تفرط مع كل يوم جديد في وظائفها التقليدية و التربوية لصالح مؤسسات و قنوات أخرى تعجز في غالب الأحيان عن تعويضها في مهامها الأساسية ، و هو ما يفتح بالضرورة متاهات الانحراف و الجنوح .
* إذن يمكن أن يؤدي هذا التوقيت إلى كثير من الاختلالات الاجتماعية ؟
* يجب أن نعلم أن المدة التي صار يقضيها الآباء و الأمهات خارج البيت أصبحت طويلة جدا ، و بالتالي فالمدة التي يفترض فيها أن تخصص للقاء الأطفال و الانتباه لمشاكلهم و حاجياتهم صارت بدورها قصيرة جدا و لا تفي بالمطلوب ، ففي غياب الرعاية و الاهتمام تنفرط الكثير من حبات سبحة التربية و التنشئة السليمة ، و تتولد الظاهر المرضية المنتجة للسلوك المنحرف ، و تفقد الأسرة جانبا مهما من أدوارها التربوية ، و هو ما يعني إمكان انتقال الأسرة إلى وضع المؤسسة البيولوجية المختصة في الإنجاب فقط ، ذات المؤسسة التي لا يكون في مقدورها غير إنتاج أطفال و لفظهم إلى مؤسسات بديلة كدور الحضانة و رياض الأطفال و المدارس الداخلية ، و التي لا يمكن بالمرة أن تعوض دفء الأسرة بالرغم من كل التقدم التي أحرزته هذه المؤسسات على مستوى الفعل البيداغوجي . و من هنا يكون التوقيت المستمر فضلا عن عوامل أخرى متصلة بالاختلالات التي يعرفها مجموع النسق المجتمعي مساهما في إنتاج هذه الوضع الأسري المهزوز الذي يقود نهاية نحو أفظع و أحلك النتائج ، فماذا ننتظر من أطفال و شباب لا يلتقون بذويهم إلا لساعات معدودة في اليوم ؟
* إذن أنتم تتوقعون انعكاسا سلبيا لهذا التوقيت على المستوى الأسري ؟
*عندما نقرأ تضاريس الحياة المجتمعية بالمغرب ، نكتشف تلك المزاوجة الدائمة بين أنماط متعددة للعيش و السلوك ، أنماط يجتمع فيها التقليدي و الحديث ، الواقعي و الأسطوري ، المقدس و المدنس ، و هو ما يفسر بأطروحة المجتمع المركب التي أنتجها الراحل بول باسكون ، و على خط هذا التناقض المجتمع في نسق واحد يحضر الطقوسي بكل ثقله ، فما من ممارسة اجتماعية إلا و تسيج بكثير من الطقوس و الرموز الموغلة في القدم و التفاصيل ، بل إن كثيرا من الشرعيات في المجتمع تتأسس على البعد الطقوسي الذي ينتج صيغا للتواصل و التفاعل الاجتماعي ، و لكن عبر التوقيت المستمر يمكن القول بأننا نجهز على كثير من الطقوس التي تمنح الأسرة أساسا نوعا من التماسك و التعاضد ، و نجهز أيضا على مساحات زمنية للقاء العائلي و التضامن الاجتماعي .فهل يعني هذا تبدلا لوجهة التضامن نحو جماعة العمل بدلا عن جماعة الأسرة ؟ فالتوقيت المستمر بشكل من الأشكال سيقود نحو إنتاج سلوكات جديدة على مستوى التفاعل الاجتماعي داخل حقل العمل ، سلوكات تظل مفتوحة في الغالب على فترة الغذاء التي تظل الأكثر تأثرا بهذا النظام ، مع تستلزمه من مصروف إضافي ، و من تفكير في أحوال البيت و الأبناء ، و ما تتيحه أيضا من لقاء غير عفوي مع زملاء و زميلات العمل ، يتطلب في الختام " مشاركة الطعام " و الانتظام في جماعات صغرى أو كبرى ، تصير لها مواعيدها و طقوسها في الأكل و العمل أيضا . و من الظاهر التي أنتجها و يعيد إنتاجها هذا النظام و بشكل كاريكاتوري أحيانا ، هو الانشغال الزائد بمشكل التغذية ، فالحديث عن وجبة الغذاء يستحوذ على جانب مهم من التبادلات الاجتماعية بين الموظفين ، بل إن البيت بدوره يعرف امتدادا آخر لهذا النقاش من خلال التهيء لوجبة الغد ، و كأن الأمر يتعلق بتمرين على درب الانتقال إلى مجتمع استهلاكي ذي بعد واحد على حد قول هربرت ماركوز ، فالأكل يغدو بسبب هذا النظام الموضوع رقم واحد بين أروقة الإدارات ، و في ذلك تبخيس للمرفق العمومي و الخدمة العمومية .
* إذن هل يتوجب التراجع عن العمل بنظام التوقيت المستمر ؟
*في وقت سابق تم تبرير الحاجة إلى التوقيت المستمر بالنتائج التي اهتدت إليها إحدى مكاتب الدراسات التي ركزت في استشارتها على استقصاء آراء الموظفين حول موافقتهم أو عدم موافقتهم على العمل بهكذا نظام ، و قد أكد وزير الوظيفة العمومية آنئذ محمد الخليفة أن أزيد من 80% من الموظفين مع التوقيت المستمر ، مع العلم بأن اعتماد هذا النظام لا يختزل بالمرة في استفتاء بين الرفض و القبول ، فالعمل بهذا النظام يجب أتن تسبقه دراسات اجتماعية و نفسية على مختلف الأطراف المعنية بالموضوع ، و في مقدمتهم الأطفال و الشباب الذين يمكن أن نعتبرهم ضحايا التوقيت المستمر بامتياز ، و لأننا لا نصيخ السمع جيدا لصوت العلوم الإنسانية بدرجة جيدة ، فإن التحليل السوسيولوجي و السيكولوجي لانعكاسات هذا التوقيت لم ينجز بالمرة ، و لهذا انبرى الفاعل السياسي في إغراقنا بالدفوعات الاقتصادية المتصلة بمصادر الطاقة لشرعنة العمل المتأخر بنظام التوقيت المستمر . فالمسألة لا تحسم في مثل هذه الحالات بنعم أو لا ، بل تحسم بنتائج دراسات مستفيضة عن الآثار الاجتماعية و النفسية بالدرجة الأولى ، هذا إذا كان يهمنا بالضبط النسق المجتمعي في اتساقه و تعاضده و لا تهمنا فقط فاتورة النفط الملتهبة و عجز صندوق المقاصة عن تحمل ارتفاع سعر البرميل الذي تجاوز الستين دولارا .
* إذن فهذا التوقيت في نظركم لا يمكن أن يعول عليه في الرفع من المردودية و مواصلة الإصلاح الإداري ؟
*إن ما يجعل العمل بنظام التوقيت المستمر مفتقدا لكثير من شرعية الإجماع ، فهو التذبذب الحكومي في الموقف منه ، فمرة يتم التصريح بأن التوقيت المستمر سيتم العمل به قريبا ، ثم يتم التراجع عن ذلك ، و يتم التصريح مجددا بأنه ليست هناك نية للعمل به ، ثم يتم القفز على ذلك كله و يطبق ذات النظام و في طبعة مزيدة و منقحة و من السابعة و النصف صباحا و إلى غاية الخامسة و النصف مساء باحتساب زمن التنقل من و إلى مقرات العمل . يطبق إذن في غياب تشاور فعلي من ممثلي الموظفين ، يطبق أيضا في غياب استناد مرجعي إلى دراسات سوسيولوجية أو سيكولوجية ، فقط هناك فاتورة النفط تفحم كل معترض عن هذا التوقيت .
إن النقاش الدائر حول صلاحية أو عدم صلاحية هذا النظام يدل على أزمة المشروعية ، و لعل الألقاب التي تتداول حوله من قبيل " التوقيت المر " و" الاعتقال المستمر " و " horreur continu " تؤكد أن رفضا أكيدا لهذا النظام بات يختمر بين الموظفين ، و هو ما يعني إمكانية تدني المردودية خلافا لما يعول عليه من التوقيت المستمر ، فدرجة الرضا الوظيفي هي التي تطور الإنتاجية أو تدفع بها نحو الحضيض ، علينا أن ننتبه جيدا لهذه الإشارات التي تلوكها الألسنة حول هذا النظام لنكتشف مدى الحنق عليه . لكن ما يهمنا بالدرجة الأولى هو حجم الاختلالات الاجتماعية التي قد تنجم عنه بسبب اختلال النسق الأسري ، و بسبب غياب الإجراءات المصاحبة المتمثلة في توفير المطاعم و تأهيل مستوى الخدمات الاجتماعية بالإدارات ، و تأهيل المؤسسات البديلة التي يمكن أن تساعد الأسرة و لا تعوضها في تربية و تأطير الأبناء .
الأكيد أن الموظف المغربي محتاج للتوقيت المستمر حتى يتحرر من المصاريف الجانبية التي يتطلبها التنقل المتكرر من و إلى مقر العمل ، و الأكيد أنه في حاجة إلى التوقيت المستمر لكي يتمكن من مساحة زمنية جديدة يستثمرها في تنمية مدخوله بسبب ضيق ذات اليد ، و الأكيد أن للدولة أسبابها المنطقية التي جعلتها تعتمد هذا التوقيت في تناقض تام مع تصريحاتها السابقة ، لكن بين دفوعات و اعتراضات كل جانب تظل ضريبة التوقيت المستمر غالية جدا على مستوى النسق الأسري و المجتمعي عموما.
أجرت الحوار : زهرة إيدموح
المنعطف عدد 2342 الثلاثاء 19 يوليوز 2005










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : ما جدوى الهدنة في جنوب القطاع؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حتى يتخلص من ضغط بن غفير وسموترتش.. نتنياهو يحل مجلس الحرب |




.. كابوس نتنياهو.. أعمدة البيت الإسرائيلي تتداعى! | #التاسعة


.. أم نائل الكحلوت سيدة نازحة وأم شهيد.. تعرف على قصتها




.. السياحة الإسرائيلية تزدهر في جورجيا