الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن تحديات العولمة .. والرغبة الآثمة في قمع الشعوب

أحمد عبد الرازق أبو العلا

2003 / 2 / 15
العولمة وتطورات العالم المعاصر


                                   
                                                                   
                                                                                             
   دعيت أنا والصديق الشاعر والكاتب الصحفي ( فتحي عامر) للحديث عن موضوع ( تحديات العولمة ) ، في جمعية من الجمعيات الأهلية في القاهرة ، واندهشت - في البداية - من أن المشرفين علي الجمعية ، هم الذين حددوا موضوع المحاضرة ، لكن اندهاشي زال حين التقينا بهم ، ولمسنا كم يتشوقون للحديث ، والتحاور حوله   حيث انه - بالفعل - من موضوعات الساعة ، ولقد لمسنا ، بأنفسنا مدي وعيهم ، وفهمهم لأمور السياسة في منطقتنا ، وهم الذين لا يعملون بالسياسة ، ولا يتعاطونها ، لكنه نبض الشارع الحقيقي ، نبض الناس الذين يفهمون ويعون كل شيء ، وإذا أتيحت الفرصة لهم للمشاركة والتعبير عن آرائهم ، لوجدناهم يتحدثون بوعي وفهم شديدين ، وهذا الإحساس الذي يصلك ، يجعلك مطمئنا - تماما - حيث إن قمع الحكومات لشعوبها ، وتضييقها لحيز الحريات والممارسة الديمقراطية ، لم يؤثر علي وعيهم ، ولم يجعلهم يدفنون رؤوسهم في الرمال ، بل علي العكس تماما ، تمسكوا بالحوار - حتى في أضيق الحدود - وتمسكوا بالوعي وعرفوا أن أرادتهم أقوي من إرادة القامعين ..                                             

   بدأت حواري معهم بعبارة الكاتب الأمريكي التي ذكرها في كتابه ( عالم واحد ..مستعدون أم ..) ويقول فيها : إن العولمة آلة عجيبة قادرة علي التدمير ، ذكرتها ، باعتبارها شهادة لرجل أمريكي  - وشهد شاهد من أهلها !! – وهذا بالفعل ما نراه يحدث الآن من ِقبل ( أمريكا) التي أعطت لنفسها حق السيطرة ، وحق التدخل ، وحق فرض إرادتها علي العالم كله ، اعتمادا علي المنطق الذي يستندون إليه : من ليس معنا فهو ضدنا !!               ونراهم يمارسون كافة أشكال القمع والإرهاب ، فتستجيب لارادتهم الحكومات الهشة ، التي تريد الحفاظ علي مصالحها الخاصة ، دون اعتبار أو اهتمام بمصالح الشعوب ، وأمريكا في ظل تلك الفكرة ، تمارس سطوتها ، بالتهديد مرة ، وبالوعيد مرة أخري ، وبنشر الأكاذيب مرة ثالثة ، وهكذا ..                                    
  وإذا كانت العولمة تهدف إلى تعميم الشيء ، وتوسيع دائرة نشاطه ليشمل العالم ، فان الشعوب – خاصة
 العربية - ينبغي عليها التمسك بهويتها العربية الإسلامية ، فحين ُضربت أمريكا في الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، اعتبرت أنها تعرضت لإرهاب عربي إسلامي !! وعلي العالم كله أن يسير سيرها بهدف مواجهة هذا الخطر ، بما في ذلك الدول العربية الإسلامية !! أي أن ما اعتبرته إرهابا ، يعد ظاهرة ينبغي تعميم مواجهتها     لتشمل العالم بأكمله ، ومن ليس معنا ، فهو ضدنا !! في حين أنها لا تري في الممارسات الإسرائيلية اليومية ضد حياة وأمن الشعب الفلسطيني إرهابا يستوجب المواجهة !! تلك النظرة السياسية التي تكيل الأشياء بمكيالين ، سببها هو الانفراد باتخاذ القرار ، وضعف المنظمات الدولية التي تستجيب لارادتها : مجلس الأمن والأمم المتحدة ، حيث يسير الكل في ركاب أمريكا  ورغباتها الآثمة ، وكأنهم  منومين مغناطيسيا ، خوفا من اتهامهم بالتخلف والجهل ، والإرهاب ، وعليهم - إذن-  اللحاق بركب التقدم ، إيمانا بثقافة العولمة ، وفكر الكوكبية ، الذي يري أن العالم صار قرية كونية صغيرة ، بفعل ثورة الاتصالات ، والمعلوماتية ، واقتصاد السوق ، وعولمة الإنتاج ، وبفعل تغير الخريطة الجيوسياسية العالمية ، تلك الرغبة الآثمة في السيطرة  علي الدول والشعوب- خاصة الضعيفة - عكست وجها آخر من أوجه ( ثقافة العولمة ) باعتبارها نظاما اقتصاديا في المقام الأول ، ونظاما سياسيا واجتماعيا في المقام الثاني ، هذا الوجه يُمجد قيمة الاستهلاك ، ويُمجد الفردية ، والأنانية ، ويُمهد للعنف ، ولا يقاومه كما تدعي أمريكا ، لأن ثقافة العولمة ، مادية بحته ، تشجع الانتهازية والوصولية ، ليس فقط علي مستوي الحكومات ، بل علي مستوي الأفراد أنفسهم ، فالعولمة تجعل الأثرياء أكثر ثراء علي حساب الفقراء الذين يزدادون عددا ، ويزدادون فقرا ولا يجدون - في ظل تلك الثقافة -   قوت يومهم !!  فالعولمة تمنح الفرصة للشركات المتعددة الجنسيات لإساءة استخدام نفوذها ، وفي ظل هذه الثقافة نري أن العرقية والقومية يفقدان أهميتهما رويدا رويدا ..                                  
   والآن هل نستطيع تحيد هوية هذا النظام ؟! هل هو أمريكي ؟ هل هو غربي؟ هل هو صهيوني ؟ هل هو نظام مشترك ؟؟ أستطيع أن أقول - ومن واقع استقراء الأحداث - انه نظام صهيوني يحكم أمريكا من الداخل ، بدليل أننا نلاحظ التراجعات التي تقوم بها الإدارة الأمريكية ، كلما أصدرت قرارا بشان الصراع العربي الإسرائيلي ، ويأتي القرار علي عكس ما تريد إسرائيل ، فيتم التراجع عنة ، بعد ساعات قليلة من اعلانه !! إن الصهيونية التي تحكم أمريكا من الداخل ، قادرة علي حكم مناطق أخري - كثيرة - من العالم ، وما يحدث الآن ما هو إلا ترجمة لهذا التدخل ، ترجمة لرغبه إسرائيل ، في فرض هيمنتها علي المنطقة بالكامل !! لكي تصبح هي الدولة الكبرى في المنطقة ، تحيط بها دويلات صغيره ، تلك الرغبة الآثمة ، تدفعها إلى ممارسة التهديدات ، التي تستجيب لها الحكومات والأنظمة الهشة ، وما يتردد عن وضع خريطة جديدة للمنطقة ، واعادة تقسيمها ، لم يعد من قبيل الشائعات ، بل صار ترجمة لمخطط يسير بإحكام شديد .                         
   إن ثقافة العولمة التي تهدف إلى المزيد من تركيز رأس المال ، والسيطرة والقوة الاقتصادية تسعي إلى تحقيق الأغراض الرأسمالية الأمريكية الجشعة ، والمنطقة العربية - نتيجة لهذا - دائما ما  تتحمل وطأة الأزمات الاقتصادية العالمية ، وهي التي تدفع فاتورة الحرب التي تمارسها أمريكا ، وتزعم أنها ضد الإرهاب .. إن أطماع أمريكا في الثروة العربية ، هو الدافع الرئيسي الذي يدفعها إلى حشد جيوشها بالصورة التي نراها الآن ، وكأنها ستضرب كل الدول العربية ، وليس العراق فقط !!                
  تحديات العولمة تتطلب مساحة أكبر من الممارسة الديمقراطية ، تتطلب حوارا متمدينا ، نستطيع من خلاله الوصول إلى قرار لمواجهة الأخطار المحيطة بنا ، وتتطلب - كذلك - تدعيم أسس الحوار في الدائرتين العربية والإسلامية  ، تتطلب قدرا كبيرا من الإيمان بالذات ، وتتطلب إطلاق الحريات السياسية والثقافية ، وتتطلب الحفاظ علي هويتنا العربية الإسلامية ..                            
 والمجتمع غير القادر علي ممارسة فعل النقد والمساءلة ، مجتمع لا يستطيع مواجهة التحولات ، وقد يبتلعه الطوفان قبل أن يدري انه واقع تحت مطرقة الخطر..
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا