الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا و الدواعش و ابن حجر

إيمان أحمد إسماعيل

2015 / 4 / 3
الادب والفن


لا يستدعي الدواعش، وكل من يفكر بنهجهم من نصوص(1) التراث الإسلامي سوى ما يوافق جهلهم، ونكون أكثر صوابًا إنْ قلنا ما ينسجمَ مع قبحِ أنفسهم.
سأتخذ من ابن حجر(2) مثالًا حيًا يرينا كيف نَحَى هؤلاء جوانبَ رائعة في هذا الرجل، واستدعوا له تأويلا تقفُ في وجهه نظمُ عصرنا المعرفية والثقافية والمجتمعية والخلقية(3).
يحتاج عالمنا الإسلامي أومن يدينون بثقافته إلى رؤى جديدة للتعامل مع التراث تتجاوز دعوات السب والقذف والتجريح والهدم والاستسلام والتقديس، وتقوم على دراسة هذا التراث ضمن سياقه التاريخي وفق مناهج البحث العلمي الحديث، فتضع نصوصه موضع المحاكمة والمساءلة دون أن يكون هدفها التسليم أو الهدم.
لما كنت قد بدأت مؤخرًا قراءة هذا الرجل، وقفت أتساءل لماذا لم أفهم منه ما فهمه هؤلاء، ولماذا لم يفهموا ما فهمته؟.
وكأني أشفقت أن تلصق هذه التهمة برجل حزن على موته وبكاه حتى غيرُالمسلمين.
عدت إلى أحمد بن حجر فوجدته عالمًا، وشاعرًا غزِلًا، وإنسانًا متواضعًا مهذبًا رقيقًا، ذا ذوقٍ أدبي ونقدي.
و قرأت بعضًا من أشعاره، فوجدته يقول في موشح :
رعاك الله يا بدري / وإن بالغت في هجري
تمادى منك هجراني /وماالسلوان من شاني / وأنساني إنساني
حديث النيل إذ تجري / دموعي منه كالبحر
أما تجنح للسلم/ أما ترثي لذي السقم/أما تخشى من الإثم
إلى أن يقول:
رأته غادةٌ يلعب / فقالت قم بنا نشرب/ ودع من لامنا يتعب
وهات ثغرك على ثغري/ وقوم اقعد على صدري.
كتب ابن حجر موشحه هذا الذي يتغزل فيه بالمذكر- كعادة الشعراء- ليُغنَى، وبدأه بالدعاء لمحبوبه الذي يشبه البدر، وتحدث عن نفسه التي رقرقها الحب ورقاها، وشفها الفراق وعذبها، ورغم كل ما تلاقيه من هجرانٍ تمادى فيه حبيبه تمتليء تسامحًا، وهذه النفس الرقيقة التي تجري دموعها كالبحر كل ما ترجوه أن يجنح معذبُها للسلم، ويشفق لسقم حبيبه، وهي مشغولة بالتوسل لمن تحب أن تعود أيام وصله فوحدها القادرة على إزالة آلام الحب والجوى.
ولا يخفى ما في خرجة موشحه من تحرر من القيود المفروضة دينيًا ومجتمعيًا، فنفسه التي صفاها الحبُ لا تطلب إلا ما يكون بين المحبين من تقاربٍ وقُبل ودلالٍ... فكيف يعبرعن الجمال في شعره، ويجدون القبحَ في فتاويه ؟ كيف كان عذبًا في شعره قاتلًا في فقهه ؟.
قرأتُ غزله الرقيق، و وجدتني أُحدثَهُ ويُحدثُنِي.
- يا شيخ أنتَ تحبُ وتتغزلُ حتى بالمذكر، وهم يستخدمون فتاويك في قتل الناس، وتحريقِهم أحياء؟.
مَن أنتِ ؟ ومَن هم؟
-.............
- يابن حجر، كيف امتلكت هذه النفس الراقية، فقلت شعرًا كينابيع الماء الزلال، ثم نصبت من فتاويك مشانق ونيران لأهل الأرض؟.
- مَن أنتِ ؟ وكيف تتجرأين عليّ؟
- هل ستفتي بحرقي ؟
- أُفتي بحرقك ؟ لمَ ؟ ..... سأتغزلُ فيك.
- تتغزل فيّ .......... ألا تشعر بذنبٍ ؟
- وهل صار الغزلُ ذنبًا ؟
-لا أقصد الغزلَ ....... لقد أُحرِقَ شابٌ في مقتبلِ عمرِه بفتواك .
-عندما سمعتكِ تترنمينَ بهذا الموشح أَشعلتِ روحي، وظننتكِ قد فهمتنِي، الشعرُ- يا فتاتي- حديثُ القلب والروح، وما رأيتِه في شعري كنتَه، و فتاويي ناسبت ذوقَ عصري وعقله، فلمَ تتبعونَها ولا تجتهدون لعصركم ؟.
-يا شيخ أأنتَ تَغزلتَ بالمذكر، وقلتَ في خرجة موشحِكَ هذا القول الماجن"هات ثغرك على ثغري وقوم اقعد على صدري"؟.
- نعم قلتَه وقلتُ غيرَه الكثير مما كان مادةً رائجةً للغناءِ في عصره.
- ألم تحرم الغناءَ والألحانَ ؟
تعجبَ، ونظرَ إلي متهكمًا، متسائلًا:
-كيف ولم أكتبُ أنا وغيري موشحاتٍ ومقاطيعَ إلا للغناء ؟
- ألم يكفرُكَ دواعشُ عصرِكَ؟ .
- دواعشُ ؟ ما دواعشُ؟ .
- أتعلمُ يا شيخ إننا بناتُ حواء نُسبى، وتُمتهنُ كرامتَنا وأُنوثتَنا، ونُباع في أسواقِ الرقيق كل ذلك بفتاويك؟.كيف تحب النساءَ، وتتغزلُ بهن، وتَصبو إلى وصلهِن، وتُهينَهن في فتاويك؟.
نظر إليّ محاولًا كتمَ غضبه، وقال بصوتٍ تثقله الشيخوخة :
- يا إلهي كيف؟ وقد كرمتُكن، ومازلتُ ألهثُ بحبِكن في شعري، ألم تلفتكِ عنايتى بذكر شيخاتي اللائي أخذتُ عنهن علمي الفقه والحديث؟ كم كنتُ أُبجلهن ولم أغفل ترجمتهن في مصنفاتي.
- تنبهتُ، ولكني جد مغتاظة منك. هل كنت كما أنت في شعرك وأدبك رجلًا ككل رجلٍ وحسب؟
- أرهقتْ أسئلتُك هَرمًا، أنت تُحاكمينني على قِصرِ فهمِكم، هلا رحمتِ شيخًا خارج سياق نصِكم؟ شيخًا لا يرغبُ في أن تستدعوه إلا فيما يخدمُ حياتكم ويُجملها ويُوجهها إلى تقدم .
يا فتاة لا تذكري للدواعش موشحي هذا أو غيره وإلا كفروني.
- لانبحث عن مرشد يا شيخ بل نبحث عن الحقيقة، وحقنا أن نُحاكمَ مَن نُسبى ونُباعُ ونُقتل ونُحرق باسمهم.
- الحقيقةُ إنكم أميون لا تقرؤون، و لا تفهمون.
قال ابن حجر-كغيره من الفقهاء- كلمته ومضى، وصارت جزءًا من هويتنا، ولم يَسد-هو أو غيره أيضا- بابَ الاجتهاد والتجديد، ولم يعد مقبولًا أن نجترَ نصوصًا هي في الأساس مجموعة تأويلات لنصوص دينية أخرى، على مدى عصورٍ مختلفة، وضمن سياقات تاريخية متباينة، ولا علاقة لها بالسياق الحضاري الذي نحيا فيه، ثم نحكمها بحياتنا.
_______________________
1- ما أعنيه بالنصوص التراثية تلك التفاسير والفتاوي والأعمال والمواقف التي تحولت إما عن جهل أو سوء نية إلى دين سماه البعض دين التراث وأطلق عليه الدين الرابع.
2- الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني(ت852هـ) الشافعي المصري، عالم الحديث والفقه والتاريخ والأديب.
3-أشير هنا إلى استدعاء الدواعش نصًا من مختصر فتح الباري، ليعتمدوا عليه في حرق الطيار الأردني، كما ورد في فتواهم.
إيمان أحمد إسماعيل- باحثة دكتوراه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?