الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تْشَانَكالا درسٌ من التاريخ.. أما آن لنا أن نستنشق عبق النصر من جديد؟

جلال خشيب

2015 / 4 / 5
السياسة والعلاقات الدولية




عقد اليوم مؤتمر الشباب الإسلامي للحوار والتعاون دورته الثانية بإسطنبول بعدما احتضنت ماليزيا دورته الأولى وتمّ اختيار ودعوة مجموعة من الطلبة الأجانب في اسطنبول كان لنا فرصة الحضور بينهم.. وقد تمّ استدعاء البروفسور كهرمان شاكور أستاذ الدرسات التاريخية بجامعة اسطنبول شهير خريج جامعة بوغازيتجي العريقة باسطنبول وكذا جامعة جورج تاون الأمريكية والمتخصص في التاريخ العثماني ليقدّم مداخلة حول معركة غاليبولي الشهيرة أو شنق قعلة (تشاناكالا) في ذكراها المئوية حيث استفاض البروفيسور في الحديث عن الأهمية التاريخية لهذه المعركة بالنسبة للأتراك كما ركز على بعض جوانب البعد الانساني الذي رافق هذه المعركة.. فكما هو معروف تاريخيا تُعد معركة تشناكالا 1915 احدى أهم انتصارات الامبراطورية العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى، اذ تصدّى الجيش العثماني ببسالة فائقة لقوات التحالف الغربية التّي ضمّت كل من بريطانيا، فرنسا، استراليا ونيوزيلاندا.. وجائت هذه المعركة اثر اشتداد الضغط على الجبهة الروسية بعد توغّل الأمان هناك الأمر الذّي دفع بحلفاء روسيا الغربيين إلى محاولة تخفيف الضغط على الروس عبر ارسال سفنها الحربية من البحر المتوسط محاولة اختراق مضيق الدردنيل، بحر مرمرة فمضيق البوسفور لتصل إلى البحر الأسود بعد أن تُسقط عاصمة الخلافة الإسلامية إسطنبول لتقدمها في النهاية كهدية ثمينة للقصير الروسي تشجيعا له على مواصلة القتال والصمود في وجه الأمان.. اعتقد الحلفاء حينها بإمكانية تجسيد الخطة ببساطة والدخول إلى اسطنبول في ظرف وجيز كما وعد قائد الحملة البريطاني وراسل قادته في لندن أنّه سيشرب الشاي منتصرا في اسطنبول بعد حوالي 15 يوما إلاّ أنّ بسالة القوات العثمانية حالت دون ذلك ودُحر الحلفاء دحرا في ملحمة عسكرية يشهد لها التاريخ.. لقد امتزجت في هذه المعركة دماء المسلمين معا من أتراك وعرب تحت رايات الجهاد حينما كان الهدف واحدا والعدو واحدا والرؤية موحدّة في معركة كانت آخر معارك الوحدة الإسلامية على ما أظن.. للأسف أقولها مرتين.. للأسف لم يركز البروفيسور كهرمان على هذه الجزئية ليفصل أبعادها وآمالاها بالنسبة لكل المسلمين بل ولم يلتفت إليها قط وراح يجول بنا في سرد مطوّل للعلاقات التركية الأسترالية بعد المعركة، فقد قاتل الاستراليون والنيوزيلنديون إلى جانب الحلفاء ضدّ الجيش العثماني إلاّ أنّ ذلك لم يمنع من تشييد علاقات صداقة وثيقة بين تركيا واستراليا بعد الحرب وتأسيس الدولة التركية الحديثة، إذ تمكن أتاتورك أحد قادة المعركة الكبار حسب زعم البروفيسور من تحويل العدو إلى صديق وكانت معركة غاليبولي النقطة الأولى لبداية العلاقات الودية بين الطرفين وإلى اليوم يحج آلاف السياح الأستراليين إلى مضيق الدردنيل إحياءً لذكرى المعركة وترحما على أجدادهم الذّين قُتلوا هناك.. كل هذا الإطناب الزائد من جهة والتجاهل الكامل من جهة أخرى جعلني أطرح تسائلا على البروفيسور كهرمان بهذا الصدد: "بداية وعند قراءتي لعنوان المؤتمر كنتُ أظن أنّ المداخلة ستُحاول أن تجعل من معركة تاريخية كهذه مدخلا لبناء جسور تواصل جديدة ومتينة بين أطراف العالم الإسلامي من تركيا إلى ماليزيا أو من تركيا إلى العالم العربي بمشرقه ومغربه وإذا بحضرتكم تفيضون بحديث طويل مطوّل عن العلاقات الودية المتولدة عن المعركة بين تركيا ومن؟ بين تركيا وأستراليا يا سادة، تلك التّي تقع في أقصى الأرض.. يا إلهي أيُ شيء مشترك بينكم وبين أقصى الأرض حتّى تمنحون أهمية كبيرة لذلك.. كيف تريدون أن تنبوا من اللاشيء شيئا وكيف تمكنتم من تحويل عدو الأمس صديقا جديدا بسهولة في مقابل ذلك وذات يوم مشرق قاتلنا في الأمس معا باسم الإله الواحد وباسم الجهاد برؤية استراتيجية واحدة ضدّ عدو واحد وامتزجت دمائنا معا.. نمتلك تاريخا مشتركا، دينا واحدا وقيما واحدة ومشتركة.. أمَا آن لتركيا أن تُحسن استخدام هذا التاريخ المشكل بينها وبين العرب لتحسين أوضاع اليوم وبناء آفاق الغد؟ أطرح سؤالي هذا في الوقت الذّي تتحوّل فيه منطقة "الشرق الأوسط" إلى مستنقع وحل كبير، في الوقت الذّي تتوّرط فيه تركيا إلى الأنف في سوريا وتشارك اليوم في ضرب اليمن، تحضى بعلاقات متوترة على طول الخط مع السعودية وعلاقات متأزمة مع مصر في حين تقيم علاقات متواضعة جدا مع الجزائر أكبر أصدقاء العثمانيين بالأمس.. أما آن لنا أن نعيش نشوة تشناكالا من جديد؟" ... طبعا لم يكن سؤالي بهذه الفصاحة العربية لأنّ لغة المؤتمر كانت الإنجليزية ولكنّه كان مُحملا بكل هذه المعاني والتوْرِيات حتّى حظى بتصفيقات الحضور.. لم يجد البروفيسور كهرمان إلاّ أن يقول بأنّ تركيا تحاول منذ حوالي عشر سنوات أن تفعل ذلك ونأمل أن تتمكن حكومتنا من تحقيق ما قلت.. طبعا لا أريد في هذا المقال أن أحلّل أو أرُكّب، لا أريد أن أجيب عن سؤالي هذا ولا أن أرسم أسبابا ولا أن أوضح معالم بقدر ما أريد أن ألفت انتباه كل قارئ إلى أهمية دراسة التاريخ وكيفية استخدامه، فلم توجد كتبُ التاريخ فقط لتحكي لنا أمجادَ الأجدادِ وبطولاتٍ وخوارقْ.
...
جلال خشيب: باحث جزائري مهتم بالدراسات الدولية، الجيوبوليتيك،الفلسفة والفكرالإسلامي بكلية العلاقات الدولية جامعة الجزائر3 وبمعهد دراسات الشرق الأوسط والعلاقات الدولية جامعة مرمرة، إسطنبول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة: انتعاش الآمال بالتوصل إلى هدنة في ظل حراك دبلوماسي مكثف


.. كتاب --من إسطنبول إلى حيفا -- : كيف غير خمسة إخوة وجه التاري




.. سوريا: بين صراع الفصائل المسلحة والتجاذبات الإقليمية.. ما مس


.. مراسلنا: قصف مدفعي إسرائيلي على بلدة علما الشعب جنوبي لبنان




.. القيادة الوسطى الأميركية: قواتنا اشتبكت ودمرت مسيرة تابعة لل