الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفصامية والديمقراطية... حالة إمباتية ساحرة الجزء السابع

عزة رجب
شاعرة وقاصّة ورائية

(Azza Ragab Samhod)

2015 / 4 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


الفصامية والديمقراطية... حالة إمباتية ساحرة الجزء السابع

إذا تأملنا الدين من منظور التعاملات اليومية والحياتية سنجد أن المواطن العربي يقيم التشريع الديني أفضل مما تحاول السلطات السياسية أن تجعل الدين تابعاً لها، فالأنظمة في الدول العربية تجعل من الدين مجرد شعار تقود به حملاتها السياسية عند الانتخابات وعند تبرير أي خطوة ضد دولة أخرى، وحين تشاء تجعل من الدين منهجا تعليلياً للتقدم في خطوة مدروسة سياسيا لصالح السلطة الحاكمة ـ وحين يتحول الدين من مجرد تطبيق شريعة إلى حجة ومنشور من الرئيس فإن الدولة نفسها في نظامها تكون ذات فصامية معقدة فهي على عدة مستويات تعاني من الآتي:
على مستوى الجسد التشريعي... يقول الدستور أن الديانة الشرعية هي الإسلام وهذا يعني أن التشريع أمر مُوجب لابد منه. إذا سلمنا بأن الكثير من الأحكام والقرارات الجنائية تستند على التشريع الديني وبالتالي فإن المواطن العربي هنا مطالب تشريعيا بأن يرضخ لسلطة القانون التشريعي.
على مستوى الجسم السياسي... فإن الدين لم يدعُ لإقامة أحزاب أو تيارات سياسية وبالتالي فإن رئيس الدولة الذي قد يكون رئيسا للحزب الليبرالي أو الشيوعي أو الإسلامي هو في أساسه شخصية غير تشريعية على مستوى الدين والسلطة التشريعية وبمعنى آخر هو يعتنق ديانة سياسية تفرضها توجهات الحزب الذي ينتمي إليه ويعتبر ذلك (حضارة ديمقراطية) بحيث يجوز وفق ترأسه سلم الدولة أن يتغاضى أو يُوجه بوجود المزيد من الحريات التي لا تمت للدين بصلة وبالتالي نحن.
نعود لما ذكرته سابقا بما يسمى بالتعارض بين مفهوم الديمقراطية في ظل وجود حرية مُقيدة بالدين... هنا يمكننا أن نقول أننا نستمر في إنتاج المزيد من المغالطات القائمة على تراكم معرفي خاطئ أو تناول لاصطلاحات ومفاهيم إدارية سياسية لا تتماشى مع الدولة العربية التي تعتبر الدين الإسلامي الجسم التشريعي لها أولاً، أو أننا استوردنا ثقافة خاطئة وزرعناها في بيئة نشأت على خلاف ما نشأت عليه ثقافة الديمقراطية والحرية الغربية.
ولو أردنا على مستوى ثقافي ومعرفي أن نصنف رؤساء الأحزاب السياسية لدينا عربيا لأمكننا أن نقول أنها كلها غير دستورية وفق السلطة التشريعية لأنها تعبر عن ثقافة غير إسلامية ولا تستند على أولويات تشريعية ولاتخدم حياة المواطن العربي إطلاقاً، كما أنها تساهم في تأزيم الكثير من الأوضاع.
فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن كثيراً من التيارات الحزبية لها إيدلوجيات سياسية تابعة لها ولها أجندة تعمل بها، وهي أحيانا تعمل ضد مصلحة المواطن كما أنها تملك جناحاً عسكريا لها، وبالتالي فهي هنا تخلق مفهوماً إرباكيا لمصطلحات عدة مثل القتال / الجهاد / المحاربة / الخروج. فالدين دعا للقتال ولكنه لم يدعُ لقتال المواطن في دولته إذا رفض انتخاب ذلك الحزب، والدين دعا للجهاد ولكنه لم يدعُ له ضد الدولة بل ضد أعداء الدين، وأعداء الدين ليسوا بالتأكيد مواطني الدولة الذين يريدون الأمن والجيش الشرعي والذين يطبقون الإسلام الوسطي في بلد كليبيا.
مثلاً، والدين يحارب لكنه لا يحارب الأفراد الذين يرفضون وجود كيان يشتت دولتهم بل يحارب الظواهر الهدامة ودعاة التكفير وغيرهم والخارجين عن القانون، هنا يمكن للحزب أن يدير الدولة بحجة الدين ويحمل ضدها السلاح بحجة النظام ويجند مواطنيها بحجة الولاء حتى الموت لصالح بقائه.
ولهذا يمكننا أن نصل لحقيقة مهمة جدا والتي أعتبرها مغالطة خطيرة على مستوى الإسلام والسياسة والمواطنة العربية. فنحن في حالة انفصال عميقة بين الشكل والصورة والجسد المعنوي، فمن ناحية دينية فإن المعنوية الدينية هي مطلب ديني بحث وخالص للمواطن العربي الذي يريد حياة تتفق مع إسلامه بحيث تضمن له مستوى معيشي كريم دون أن تمس بأولوياته الدينية ومصدر التشريع الإسلامي لديه، ومن ناحية أخرى فإن شكل الدولة العربية هو شكل مشوه وغير شرعي بتاتا، فهو يعتمد الأحزاب والتيارات السياسية التي أول ما تسارع بدسترة توجهاتها فإنها إما أن تحمل عصا الدين كي تسلطها على الشعب نفسه وتحاربه بها، وإما أن تفصله عنها بحيث تدعو لإسلام منفتح آخر يقوم على فصل الدين عن الدولة نهائيا وبالتالي يسمح بالخروج عن قيد الدين على الحريات.
ومن هنا يمكنك كعربي أن تسمع بما استجد على الدين من ألوان غريبة، الفتاوى، فعلى سبيل المثال لدينا أكثر من زواج عربي على مستوى البدع والاختراعات القائمة على ثقافة الغرب كالزواج المسيار والمتعة والزواج العرفي وزواج النكاح وطلاق الساعات. ومن ثم لا يوجد ما يسمى بالعدة والدخول في عدة ثانية على مستوى فتوى تختصر الزمن الشرعي في ثواني بحجة الجهاد. ولدينا على مستوى آخر تسعيرات للجسد الأنثوي الذي يُصنف في جهاد النكاح قيمة الجسد على أساس عرقي أو طائفي أو جهوي، وأنا تطرقت لأبسط الأمثلة التي من شأنها أن تخلق قضايا مُعقدة في حياتنا العربية.
كل هذه تُعد منافذ تبشر بها الفصامية المقيتة التي تجعل من الإسلام ثوباً معقدا يصعب على السلطة أن تلبسه ـ وأُشير هنا لنقطة مهمة وهي لتيارات أخرى جهادية والتي استطاعت خلق نوع جديد من السلطة وسط الكيان الفعلي للسلطة السياسية في الدول العربية والتي أشعر أنه من اللائق أن أختار لها توصيف (السلطة البرية) تلك التي نشأت دون بيئة صحية منظمة يمنحها لها تشريع المجتمع لأنها نمت في مجتمعاتنا عشوائيا وفوضويا لتعبر عن انتشار همجي لها وغير مشروع، هذه السلطة التي تمكنت الآن من إحداث فجوة عميقة وإنتاج إسلام ثالث في ظل أنظمة إقطاعية مارست شتى أنواع القهر الفكري على مواطنيها فنتجت وخرجت على هيئة مولود مشوه نتيجة عوامل الكبت والجهل وقلة فرص التعليم والعمل في دولنا العربية.
هذا هو الشكل السياسي للدول العربية، وتلك هي المعنوية القائمة عليه أما صورته فهي تتجلى في إرهاصات الواقع العربي للمواطن العربي، فيمكنك أن تسأل نفسك - كمواطن عربي في ظل الحياة التي تحياها وفي ظل التغيير الذي تنشده.
السؤال التالي:
كيف أحقق ديمقراطية مثالية إذا كان مفهوم الديمقراطية في حد ذاته اصطلاح غربي ذا معنى مفتوح ومتشعب؟... يعني في صورته المثالية والتي طبقتها شعوب الغرب ككل فصل الدين عن سلطة الدولة عن السلطة العسكرية؟... ويعني أن يخرج الرئيس من المشهد السياسي إذا ارتكب أي خطأ سياسي ضد مصلحة شعبه أو على الأقل أضمن كمواطن عربي محاكمة الرئيس.
كيف أحقق الديمقراطية إذا كانت سلطة التشريع هي مطلب كل مواطن عربي ينشده وينشد معه قيام مجتمع نظيف في عاداته الصحية والفكرية وهذا يتعارض مع ذهابي كمواطن للانتخابات كي أنتخب الحزب الليبرالي أو حزب العدالة والبناء أو تيار الديمقراطيين الجدد فهذه التيارات لا تخدم قيم الإسلام ولا تعده بدولة صحيحة الجسم؟
كيف أحقق الديمقراطية إذا كان مبدأ الحرية لدينا في الدول العربية مُقيداً بالتشريع السياسي حينما يقوم النظام السياسي في دولنا العربية بالحد من حريتي التعبيرية فيحاسب المواطن العربي على سبه للرئيس وعلى انتقاده وعلى الخروج للتعبير في مظاهراته بالرفض لأمر ما ـ هذا يربكني كمواطن عربي ويصدمني بفكري وواقعي حين تتعارض حريتي الدينية مع السلطة السياسية، فأنا أستطيع أن أسب الجلالة وألعن الأنبياء دون أن تتعرض لي السلطة السياسية... ويمكنني تناول المخدرات والمسكرات والقيام بأعمال أخرى ضد تشريع الدين دون أن تُقطع عنقي؟
كيف أحقق الديمقراطية في ظل الشكل الإسلامي لها، خاصة وأن المواطن العربي له لباسه وعاداته وتقاليده وللمرأة المسلمة لباسها وشكلها الملتزم، فهل الديمقراطية تعني أن ينظر إليك المجتمع الغربي بلباس غير لباسك العربي، وعقل ليس عقلك، وتفكير ليس تفكيرك؟
على الأرجح إننا فهمنا الديمقراطية بمعنى التحرر الديني، وإلا فلا ديمقراطية نراها، فنحن حين نفكر في الديمقراطية أول ما يتطرق إليه فكرنا هو كيف تعيش دول الغرب في ظل هذا المسمى، ونخلص لنتيجة أنها أصلا تخلص إلى ألا نقيد أنفسنا بديننا، حيث أن الديمقراطية الغربية نشأت في ظل المسيحية والنصرانية واليهودية وتلك ديانات تختلف عن الإسلام تماما
وحيث أن ديننا له تشريعات وأصول وأوامر وطاعات وموجبات فنحن إذا نتحدث عن مصطلح
لم يكن مصنوعاً للبيئة العربية، وليس مُصمما كي يتواكب معنا ـ ولنحاول أن نجعله يبدو أقرب لتفكيرنا علينا أن نتخلص من تلك المعقدة بين الشكل والصورة والجسد المعنوي دون أن نخسر إسلامنا، تلك تركيبة معقدة لتكوين إمباتي كريه بين الشكل العربي وصورته وإرهاصاته في حياته اليومية وجسده المعنوي وهو الإسلام.
وباختصار علينا أن نصل لحالة توفيق بين الجسم التشريعي والجسم السياسي أولاً ثم نبحث عن آلية مناسبة تسمح لنا بأن نعيش حياتنا طبيعيين، فنحن لا ننشد المثالية في الأنظمة العربية لكننا على الأقل نريد أن نتخلص من ذلك التناقض الفصامي والصارخ لأنظمتنا التي تجعل الدين أشبه بسيدة مُحجبة جِئ بها في حفل أوروبي راقص، هذا يجعلها تبدو في موقف حرج فإما أن تخلع حجابها لتكون صريحة مع الإمباتيا الغربية وإما أن ترقص به لتصاب بحالة فصام معقدة بين لباسها وتوجهاتها... ولقد رقصنا بإسلامنا في ظل الديمقراطية التي نرومها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأثير مقتل رئيسي على المشهد السياسي في إيران| المسائية


.. محاكمة غيابية بفرنسا لمسؤولين بالنظام السوري بتهمة ارتكاب جر




.. الخطوط السعودية تعلن عن شراء 105 طائرات من إيرباص في أكبر -ص


.. مقتل 7 فلسطينيين في عملية للجيش الإسرائيلي بجنين| #الظهيرة




.. واشنطن: عدد من الدول والجهات قدمت عشرات الأطنان من المساعدات