الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
طريق الحرير
نبيل محمود
2015 / 4 / 5الادب والفن
( هذا النص من (تفاحات إيروس)، يتضمّن بعض السمات من الأجناس الأدبية المعروفة، ولكن لا يمكن احالته إلى أيٍّ منها بشكلٍ قاطعٍ ففيه ما فيه من القصيدة والحكاية والمقالة..... إلخ.)
تدور دائرة اليانغ والين* باستمرار، تتمزّق الشرانق، وتحلّق الفراشات الملوّنة بعيداً في الزرقة الصافية.. ينسلّ خيط الحرير، ويمتدّ من الصين إلى السين عبر طريق الحرير، ويلفّ جسد فاتنة العصور. تمسك في يدها كأساً زجاجيةً برّاقة من فينيسيا، ترتشف النبيذ الأحمر، وتمسح فمها البلّوري بمنديل الشمس. فاتنة العصور ليست بباريس أو ببغداد أو ببكين، عيناها تستطيلان ببكين وتستديران ببغداد وتنعسان بباريس. فاتنة العصور في كلّ حلمٍ، في أيّة خفقة عشقٍ خارج خطوط المكان ودقّات الزمان.. هي في كل وجودٍ يتعامد فيه الين واليانغ.
تمتزج العناصر وتختلط الأشكال فتنبثق الأجساد. تتناغم الأصوات في الموسيقى فتتجسّد الروح.. الموسيقى ذلك النداء القديم.. النداء العميق للحب وللحرب، تتجمّع الأجساد بالحب وتتفرّق بالحرب**. حين يتعانق جسدان ويتقلّبان، لا شرق ينوح ولاغرب يطغى، الشمال يستدير جنوباً والجنوب يتمدّد شمالاً، يتناوبان الفوق والتحت فتزدهر كلّ الجهات.. تشتبك الشفاه بالشفاه فوق قرص العسل، يساكن الجسد سواه بقوّة ضمائر الوصل وتغيب ضمائر التملّك. يتنافذُ الحيُّ بالحيِّ ويعتصران الأشواق حتى يسيل رحيق الحياة. يخلع الحب أسمال الهويات وينزع أشواك الفروق ويُزيل حراشف التمايزات.. يرتدي الحرير فتنتشي الخلايا بأفراح الأعياد.. الحرب الأولى كانت حباً حين كانت الغنيمة قبلةً حميمة..!
لماذا أيها الشيخ الجليل هيجل أوقفتَ الحضارة في برلين؟ ها قد انتزعها ناقمو أوربا (التفتيش) والتمييز والحروب. رموا أعباء التاريخ ومآسيه خلف ظهورهم وتخفّفوا من أوزار الخرافة. حملوا أحلامهم وأبحروا خفافاً هرباً من تاريخٍ دامٍ وعبروا الأطلسي إلى العالم الجديد. جغرافيا جديدة بلا تاريخٍ مثقّلٍ بالرزايا. أينع الحلم هناك على امتداد البراري وابتدأوا تاريخاً جديداً غير ملوّث بالخطايا.. لكن المأساة حدثت هناك أيضا..! اُقتلْ هندياً واغرسْ وتداً.. تملك الأرض وما فوقها وما تحتها! وتلوّث الحلم بالتملك الدموي.. كان الحلم بلا حدود والأرض ثرية بلا حدود والعقل بلا حواجز. لكنّ (الكاوبوي) اِمتطى حصانه ومرّغ الحلم بالغبار والدم وخلق أسطورة تمييزٍ جديدة.. عقدة كلّ حضارةٍ وجرثومة كلّ سـقوط. الحضـارة التي ناطحت السحاب وتوغلت عالياً في الفضاء ووطأت تراب القمر. خُيّل إليها أنّها فوق البشر وأنّها من جنس الآلهة.. جرثومة أستحلّت دم الآخر، فانحشرت في المحنة وأغرقها تاريخٌ جديدٌ من العنف والدم.
الحضارة اليوم تستدير عائدةً عبر الهادي إلى قارة الحكمة!. فهل يستطيع (التاو) القديم أنْ يعلّم الحضارة كيف تُنهي خصومة العقل والعدل؟! وتنجو من جرثومة التمييز التي لوّثت سيرتها منذ موهانجو دارو وسومر ووادي النيل والأغريق فأوربا وأميركا... العالم واحدٌ وصور الحضارة شتّى... والعشق واحد والعشّاق عديدون. والوجود موجود لأنّه لا يبدأ ولا ينتهي***. تغلق دائرة الوصل مسيرة الحضارة وتُبدّد وهم التفوق، يعود خيط الحرير ممتزجاً بكل الألوان ومضمَّخاً بعطر البشر أجمعين. من امتزاج العناصر واختلاط الأشكال، ومن تدرّج الألوان وائتلاف الأصوات، يبدأ إنسانٌ جديدٌ رحلةً جديدةً في طريقٍ جديدٍ لحرير العشق. ينضو عن جسده الملابس الضيقة لهويات الانتماءات المتوجّسة وصراعاتها العدمية. هاجس الانتماء إلى جماعةٍ غريزة القطيع المتوجّس من خطر الذبح والإبادة. العقل المتحرّر من وهم غريزة القطيع، يتسلّى بسرد أساطير الأولين وقصص حروب الجماعات ونزاعات الآلهة القديمة. ويندهش من تبديد الفوائض في حروب الهيمنة وتشتيت اللبيدو في حقول الموت وحروب الأنا والآخر..
في سطح الكرة كلّ نقطةٍ هي ابتداء وانتهاء يلتقي الكلّ بالكلّ، لا قهقهة تترفّع ولا دمعة تتوجّع! سنابل الحنوّ تكنس كدر الأرواح، ونشوة الورد تذيب هوس العنف، وقزح العشق يبشّر بحلول العيد البشري...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) (يقوم التفكير الصيني منذ أقدم الأزمنة على النظر إلى الحياة والإنسان، والوجود بأكمله، على أنه نتاج حركة قوتين ساريتين في كل مظاهر الوجود، هما الـ "يانغ" والـ "ين"...)، (إن فن الحياة ينبغي أن لايقوم على طلب اليانغ واستبعاد الين، بل الحفاظ على حالة من التوازن بين القطبين، لأنه لا قيام لأحدهما إلا بوجود الآخر...)
كتاب التاو، ترجمة وشرح وتعليق فراس السواح، الطبعة الأولى 1998، دار علاء الدين-دمشق، ص 9، 10.
(**) (حياة الإنسان مدينة لتكتّل الـ تشي فإذا ما تفرّق، حدث الموت.)
هادي العلوي، المستطرف الصيني، دار المدى، 2000، ص122.
وعند أنبادوقليس يتجاذب الوجود بالحب ويتنافر بالبغض.
(***) (قفْ قبلها لا ترى بداية / كنْ بعدها لا ترى نهاية.)
هادي العلوي، المصدر السابق، ص144.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف
.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين
.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص
.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة
.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس