الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روحية النقاش العلمي ثمرتها المودة والتعايش السلمي.

احمد محمد الدراجي

2015 / 4 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


الحوار والمجادلة بالحسنى والنقاش العلمي هو القاعدة الأساسية التي اعتمدها الإسلام في الدعوة إلى الأيمان بالله وعبادته، وفي كل قضايا الخلاف بينه وبين الإيديولوجيات والثقافات الأخرى، ولم تكن النماذج الحوارية التي طرحها القرآن الكريم مجرد حالة عرضية، أو سر تاريخي، وإنما تعبر عن اهتمام كبير من قبل الشارع المقدس لتأسيس وإبراز المنهج القويم الذي ينبغي أن يُسلك في الحوار والنقاش، فعندما نُلقي نظرة تأملية في آلية المنهج الحواري نجد انه ينطلق من ثوابت ومعايير عامة (العقل والمنطق والعلم والدليل والحجة والبرهان)، ويتحرك في مساحة واسعة لحرية التفكير، وضمن مناخ هادئ ومعتدل بعيد عن التوترات والانفعالات، رافعا كل الخطوط الحمراء التي تُكَبِّل الحوار وتُقيِّد ديناميكيته، فلا مقدسات في الحوار العلمي كي لا تنسد أي باب من أبواب التفكير والمعرفة، وما يؤكد هذا هو ما ينقله لنا القرآن الكريم من حوارات جرت بين الأنبياء والكافرين دار فيها النقاش حول إثبات الخالق وتوحيده وصفاته وكيف أنهم أعطوا الحرية للخصوم في طرح ما عندهم حتى لو كان مرتبطا بالذات الإلهية، وكانوا يتعاطون مع هكذا طرح بسعة صدر، وافق رحب يستوعب كل ما يخطر في الذهن والفكر، ومن ثم مناقشته وإبطاله بأسلوب علمي قائم على مبدأ التدرج في النقض، فلم تكن ردود الأنبياء انفعالية أو عدوانية، ولم تكن مُختَزَلة في كلمة تثير ولا تستوعب، وتُبَعِّد ولا تستقطب، وتُنَفَّر ولا تجذب، وتدفع بالخصم إلى العناد.
فحوار خليل الله إبراهيم "عليه السلام" مع النمرود الذي ادعى الربوبية نموذجا واحد من نماذج الحوار الإلهي العلمي العقلي، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[البقرة:258]، فالملاحظ أن النبي لم يقابل الخصم بحكم وقرار مُختَزَل في كلمة واحدة، فلم يقل له : أنت كافر، أو ملحد، أو كاذب أو باطل رغم انه يستحق كل هذا، بل لم ينفِ عنه الربوبية كأنْ يقول له : أنت ليس برب ، أنت مدعي ...، وإنما تدرج معه في النقض وإبطال دعوته ، معرجا على الصفات التي ينفرد به الخالق ويفتقدها( المخلوق) النمرود.
إنَّ من ابرز وأجمل وأرقى ما يتميز به المنهج الحواري الإلهي هو انعدام روح الاستعلاء والتكبر والتسلط رغم أنه يمتلك القوة وله الأمر إلا انه "جلَّ شأنه" فتح باب الحوار معه وأجراه مع خلقه، مع الملائكة والبشر، بل حتى مع الشيطان "العدو المبين" وأعطاه الحرية في السؤال والنقاش ، وهذا ما سار عليه الأنبياء والأوصياء والمصلحون .
هذا المنهج جسده وسار عليه السيد الصرخي الحسني ودعا إلى التمسك به مرارا وتكرا، مشددا على عدم تحويل النقاشات والحوارات والخلافات في وجهات النظر إلى نقمة ومدعاة للسب والتكفير والتقتيل والقفز على العوامل والثوابت المشتركة التي تكفي لأن تكون جامعا تجتمع عليه الأمة الإسلامية بل البشرية جمعاء، بكل دياناتها ومعتقداتها وتوجهاتها كي تعيش نعمة السلام، مؤكدا على عدم توظيف واستغلال الفكر في إباحة الدماء وانتهاك الأعراض وتدنيس المقدسات وقمع الآخرين أو إلغائهم ومصادرة حريتهم في الفكر والعقيدة، حيث قال: ((نحن لا نعترض على الفكر وتبنيه، ولكن اعتراضنا على توظيفه في إباحة الدماء والأعراض والأموال...))
في المحاضرة الرابعة والثلاثين ضمن سلسة محاضرات "تحليل موضوعي في العقائد والتأريخ الإسلامي" ألقاها من خلال البث المباشر عبر النت وبتاريخ 3 نيسان 2015 الموافق 13 جمادي الآخر 1436، دعا سماحته مجددا إلى سيادة روحية النقاش العلمي عند جميع المسلمين تكون نتيجتها المودة والرحمة والتعايش السلمي بينهم وبين نظرائهم في الخلق.
حيث قال : ((هذا المفهوم وهذه الروحية المفروض تكون سائدة عند جميع المسلمين، نناقش النقاش العلمي أنا وأنت أصحح ما أقول وأخطئ ما تقول تصحح ما تقول وتخطئ ما أقول، ينتهي النقاش تنتهي المناظرة بعد هذا نكون على ما نحن عليه من المودة والرحمة والأخوة وهذا النقاش العلمي يكون حجة عليّ أو عليك أو على من يسمع ويطلع ))








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلام منطقي
وليد ناصر التميمي ( 2015 / 4 / 6 - 22:02 )
تحية للمرجعية الوطنية المعتدلة


2 - عين الصواب
مهند عبد الصمد ( 2015 / 4 / 6 - 22:04 )
الطرح العلمي والإبداع الفكري هو الخط الذي أنتهجه المرجع الصرخي الحسني منذ تصديه للمرجعية ولحد الان ، وهذا ما نجده دائما- في فتاويه وأبحاثه ومحاضراته القيمة


3 - تعليق
العراقي العربي ( 2015 / 4 / 7 - 19:30 )
قال السيد الصرخي : ((هذا المفهوم وهذه الروحية المفروض تكون سائدة عند جميع المسلمين، نناقش النقاش العلمي أنا وأنت أصحح ما أقول وأخطئ ما تقول تصحح ما تقول وتخطئ ما أقول، ينتهي النقاش تنتهي المناظرة بعد هذا نكون على ما نحن عليه من المودة والرحمة والأخوة وهذا النقاش العلمي يكون حجة عليّ أو عليك أو على من يسمع ويطلع ))


4 - كلام غاية الروعه
كرار العراقي ( 2015 / 4 / 7 - 20:49 )
نعم نريد هكذا قاده نريد هكذا علماء نريد هكذا رموز لقيادة الامه والسير بها الى طريق النجاة

اخر الافلام

.. خلافات بين نتنياهو والأجهزة الأمنية الإسرائيلية حول اقتراحات


.. صواريخ ومسيرات حزب الله -تشعل- شمال إسرائيل • فرانس 24




.. الانتخابات البريطانية.. بدء العد التنازلي للنتائج وترقب لمست


.. إيران تبدأ فترة الصمت الانتخابي قبل الجولة الثانية من انتخاب




.. الجيش الروسي ينشر صورا لاستهداف مقاتلة أوكرانية باستخدام نظا