الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [2]

محمد عبد المنعم عرفة

2015 / 4 / 7
الادب والفن


أثناء رحلة الإمام في السودان وجد جماعة كبيرة من الناس ملتفة حول رجل مشعوذ. ولما سأل الإمام من هذا؟ قالوا هذا شيخ ولكنه لا يلتزم بتعاليم الإسلام، فتغير وجه الإمام حزنًا مما رآه، وكيف أنهم يسمونه شيخًا وهو علي هذا الحال. أدرك ذلك المشعوذ أن الإمام غير راض عما رآه، وأدرك أنه سيكون خطرًا عليه، فاحتاط لنفسه وأرسل أحد أتباعه المشعوذين بعصا ليأتي بالإمام أبا العزائم ويسحره بها. ولما قرأ هذا المشعوذ علي العصا بسحره، قرأ الإمام أيضًا قول الحق: )بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ )(الانبياء: الآية18)، فسقطت العصا من يد المشعوذ فأخذها الإمام ووضعها بجانبه ثم ألقي درسًا نافعًا ممتلئًا بالخشية من الله، فتاب الرجل علي يد الإمام وعزم علي ألا يعود إلى السحر مرة أخري ، فقال له الإمام مداعبًا: (لقد أتيت لتسحر أبا العزائم, فسَحَرَكَ أبو العزائم!!)، أي سحرك بالبيان والعلم مصداقًا لقول النبي ﴿-;---;-----;--- ص وآله﴾-;---;-----;---: (إن من البيان لسحرا).
وكان الإمام يؤلب الناس ضد الاحتلال البريطاني ، ومن دعائه الذي كان يدعو به "أن يهلك الله الظالمين بالظالمين والكافرين بالكافرين وأن يخرج المسلمين من بينهم سالمين غانمين"، وظل علي ذلك إلى أن حيل بينه وبين مزاولة عمله كأستاذ لمادة الشريعة الإسلامية بكلية غردون لأسباب سنعرض لها فيما بعد.

* في (6 فبراير 1895) إبان الأيام الأخيرة من حكم المهدية بالسودان، توجه الإمام أبو العزائم من مصر إلى بلاد السودان ليرفع لواء العلم. وقد بذل كل جهده في تربية النشء التربية الدينية السليمة، وهو الجيل الذي سوف يتولي القيادة، والذي سيعول عليه في بناء المجتمع السوداني المتحرر من قيود الاستعمار. وظل بالسودان حتى عام 1915م فيما عدا عام واحد قُضِي في مدينة أسوان بعد سواكن.
وكما كانت مدينة المنيا هي الأفق الأول لدعوته في مصر ومنها أُذن بنشر الدعوة.. كذلك كانت سواكن بالنسبة لمدن السودان.

* وفي عام 1898م خضعت سواكن للاحتلال الإنجليزي . وكان الناس في شغل عن المدارس والتدريس، فالكل خائف من عدوهم الخارجي ومن الوشايات التي يدبرها أهل البلد فيما بينهم وذلك نتيجة لوجود الحكم العسكري فيها واستقطابه لبعض الأهإلى ، فكان وجوده بينهم مصدر وحدة وتنوير، وحببهم في العلم وفي تلقيه، فما لبثوا أن أقبلوا عليه لتلقيه بالمدارس وبالمساجد. لقد تأثر جميع سكان سواكن بوجوده بينهم، لأنه كان يصرف جميع أوقاته بعد العمل المدرسي في الدعوة إلى الله وتعليم الناس وتربيتهم وتنوير عقولهم، لذا كان أثره فيهم بالغاً.
وخلال فترة وجود بسواكن في السودان، ونظرا لقربها من المنطقة الجنوبية التي تنتشر بها الوثنية، فقد كان يرسل إليها بعض أتباعه في صورة تجار حاملين معهم الملح نظرا لعدم وجوده عندهم. فإذا أنسوا لهم كانوا يعرضون عليهم مبادئ الإسلام في صورة سهلة سمحة رغبت فيه الكثير، وهنا تنبه الإنجليز إلى خطره حيث أوفد أتباعه إلى تلك المنطقة التي تجوبها جيوش المبشرين، فكانت ذلك من الأسباب التي أدت إلى نقل إلى مدينة أسوان.
تسلم عمله الجديد بأسوان- وكان بصحبته عائلته- أواخر شهر جمادي الأولي 1316هـ الذي وافق 8 أكتوبر 1898م، ومكث بها عامًا واحدًا. وعلي غير ما اعتادت عليه أسوان، وعلي غير مثال ما سبق، اكتظ الجامع الكبير بأهل البلدة لسماع دروس ، وجمع الله عليه الخلق يستمعون إليه وينصتون.

توجه الإمام في سياحة طويلة من أدني صعيد مصر إلى الوجه البحري زار فيها بلادًا كثيرة. وأثناء هذه السياحة، علم أن وظيفته قد انتقلت إلى سواكن مرة أخري، فرجع إلى سواكن واستقر بها عامين جدد فيهما دعوته إلى الله تعالى والتي كان قد بدأها من قبل.
انتقل إلى مدينة أم درمان في عام 1902م، والعام الذي نقل فيه إلى مصلحة المعارف السودانية، والذي افتتحت فيه كلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم حاليًا)،، إذ توجه إلى من أم درمان إلى الخرطوم مع الأساتذة العاملين بمدرسة أم درمان لحضور حفل افتتاح الكلية.
وفي العام 1905م -وكان عمره آنذاك 36 سنة- وعندما افتتح القسم الخاص بتخريج المعلمين المؤهلين والقضاة الشرعيين بكلية غردون، انتقل من مدينة أم درمان إلى الخرطوم أستاذًا بالكلية.
كان يؤلب الناس ضد الاحتلال البريطاني، وظل علي ذلك إلى أن حيل بينه وبين مزاولة عمله كأستاذ لمادة الشريعة الإسلامية بكلية غردون.

* كان اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914م ، فوقف الإمام مؤيدا لدولة الخلافة الإسلامية تركيا ضد الإنجليز وحلفائهم، فتحقق الإنجليز وأعوانهم من الخطر الداهم الذي يمثله بقاء الإمام بالسودان، فاستقر الرأي على إخراجه منها بشكل أو بآخر، واتجهت نيتهم في البداية لنفيه إلى جزيرة مالطا أثناء سفره في إجازته إلى مصر، وصدر قرار النفي إلى مالطا.
ولما وصل أبو الإمام إلى الشلال عائدا من السودان كان ينتظره هناك الآلاف من تلاميذه، وعدد من محبيه ومن مريديه من خيرة رجالات مصر، وعلى رأسهم محمود سليمان باشا، ومحمود الشندويلي باشا، وأحمد باشا الشريعي، وحمد الباسل باشا، وكثيرون من أعلام الطب والمحاماة والعلماء والأعيان وقد طلب هؤلاء من الحاكم العام أن يكون نفي الإمام إلى بلدة المطاهرة بالمنيا بدلا من جزيرة مالطا، فاتصل "ونجت" لاسلكيا بإنجلترا وصور لحكومته خطورة نفيه إلى مالطا فوافقوا. وبمجرد وصوله إلى بلدته وافاه خطاب وكيل حكومة السودان بعدم سفره مرة أخرى إلى السودان.

* وقد دخل السودان طورا جديدا من حياته وتاريخه بعد توقيع اتفاقية الحكم الثنائي ارتبط فيه ببريطانيا ارتباطا وثيقا في شتى مناحي حياته. وأخذت الإدارة البريطانية تنشئ دواوينها وتنظم أعمالها وتخطط مشروعاتها الاقتصادية والثقافية وتفرض ضرائب على الناس حتى تفجرت الثورات في الجنوب والشمال قدرت بثلاث عشرة ثورة أولها عام 1902 وآخرها عام 1934، وكان أهمها جميعا ثورة 1921، 1924 م وذلك لظهور طبقة المثقفين الذين تربوا على أيدي الإمام.
إن عناصر الثورات الوطنية في السودان كان أغلبها من تلاميذ الإمام الذين تربوا على يديه ونهجوا نهجه في الجهاد، فكان زعيم جمعية (اللواء الأبيض) "على عبد اللطيف" تلميذا للإمام أبي العزائم منذ حداثة سنه، كما كان زملاؤه كلهم ممن تخرجوا على يديه في كلية غردون وفي مقدمتهم حسن فضل المولى وثابت عبد الرحيم وعبد الفضل ألماظ، وقد حوكموا جميعا أمام محاكم خاصة، وكانت محاكمة على عبد اللطيف وأقواله أمام الهيئة نموذجا صادقا لما تتسم به التربية الإسلامية التي تنمي الشعور بالوطنية الحقة. كما جاءت أقواله دليلا حيا لما يمكن أن تؤثر فيه شخصية الزعيم الديني في تلاميذه. ولما وجد المستعمرون أن المحاكمة تحولت إلى مظاهرة وطنية ودينية، أتهمته بالجنون وأودعته مستشفى الأمراض العقلية. وقد شهد الدكتور بهمان بأن عبد اللطيف مثلا للاستقامة والنزاهة ورجاحة العقل. وقد حرص الإمام أن يزور تلميذه بالمستشفى على فترات متقاربة ويجلس إليه الساعات في جلسات روحية عالية إلى أن انتقل إلى جوار ربه. وظل الإمام يستنهض عزائم طلابه ومريديه من أبناء السودان ضد الاستعمار الإنجليزي حتى أدرك الإنجليز خطورته عليهم فقرروا أن ينهوا دوره فيه.
حين عم الوعي الإسلامي في بلاد السودان سنة 1924 م حين ثارت فصيلة "على عبد اللطيف" وبعض إخوانه على جيش الإنجليز المدجج بالسلاح والعتاد وكادت الدوائر تدور عليه لولا خيانة أعداء الحرية من أرباب السلطة في ذلك الحين الذين اتخذهم الإنجليز مخلب القط فسلم الجيش المصري تسليما مخزيا لأعدائه الإنجليز.

إن البطل على عبد اللطيف حين سألنه القاضي الإنجليزي أبان محاكمته: من أين لك هذه الروح القوية الوطنية؟ فأجابه على الفور: من شيخ مصري يدعي "محمد ماضي أبو العزائم".. كان يخصنا بها في دروسه بالكلية وعظاته بمسجد الخرطوم التي ألهب بها قلوبنا حين كان يقول : إن الإسلام وطن وإن ذلك الوطن يجب أن يحرر وإن كل قاعدة عن ذلك التحرير هو مشرك بالله لن ينال رضاه وإن صلي وصام وحج البيت وإن الجهاد فريضة على كل مسلم حر قادر كسائر الفرائض.
في عام 1915م غادر الإمام السودان عائدًا إلى مصر قبل أجازته السنوية بشهر، بعد أن ربي رجالاً كانوا هم طليعة جيل المجاهدين ضد المستعمر الإنكليزي بالسودان.

يتبع









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي