الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يمنيّ حانق أنا

رضا لاغة

2015 / 4 / 7
الارهاب, الحرب والسلام


يستقبلك المواطن اليمني بذكاء تمرق منه طبيعة صافية لم تتلوّث بالمظاهر الواعدة و المتعة المفبركة . احتفالية الاستقبال الناضجة تمنعك من مقاومة ما يعرض عليك من طرف زمرة من الأصدقاء من طعام تبصّرا بالأكلة اليمنية.
النفاذ إلى المطعم اقتراح ملهم يعرض عليك مباشرة و أنت بالكاد تخطو الخطوات الأولى خارج المطار. يعاملك الجميع بعذوبة عربية أصيلة ، طازجة و متواضعة ، تعيد في أعماقك ذكرى الثقافة النقية ، تتذوّق منها يقظة فريدة تقبض بوضوح على نغمة السماحة و الحب. و في هذا الزمن المشئوم تحاك أمام نظائرنا مأساة قاتمة ، ساخرة تراق فيها الدماء اليمنية بمزاج همجي، سادي و طاقة عدوانية، مازوشية . من من؟ من حماة الأمن القومي العربي؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
تشقّ طريقك في شوارع اليمن المزدحمة بالعربات و الدراجات و المترجلين فتطالعك معالم فضاءات ترسم أزمنتها الجاذبة إلى التاريخ و أنت تستمع ، في ملء عرضيتك بلا تطفّل، إلى الحوارات الجانبية من هنا و هناك. تغمرك لحظات انعكاسية ترسم حرف " الضاد" وراء إضاءة الكلمة اللطيفة ، المعادية للانحطاط في الذوق . الكلمة التي تنساب وهي مسكونة بشعرية التركيب و حفاوة المعنى.
كنت يومها بمعيّة وفقد ناصري من كافة الأقطار العربية ، كان لنا لقاء مع الرئيس الهادي . تحدثت بإسهاب عن ثورة السابع عشر من ديسمبر التونسية . و كأي مواطن عربي محبّ لأمته ، نصحت الرئيس ، بطراز مهذّب، أن يبالغ في نزعة المحافظة على وحدة اليمن تأسّيا بالتجربة التونسية التي وقفت على حقيقة التوافق بين الفاعلين السياسيين. و ما حفّزني على تقديم النصيحة أن زخارف الصراع ، كانت حينها ، تجتذب طموح المتآمرين على وحدة اليمن. ممن؟ من ذاك الذي يقصف اليمن.
انطلاقا من لحظتنا ، لم يعد مشكل الحرب اعتداء يمزّق هويتنا من عدو إبليسي ، من الآخر الصهيوني ، بل صار عكس ذلك و بالإضافة إلى ذلك ، اعتداء الذات ( العربية ) على الذات ( العربية). و بصورة سيكولوجية إدماجية نحن إزاء اعتلال ذات انهزامية منسحقة لم تجد سوى أن تتلذذ بإيقاع الألم على ذاتها ، ذات مازوشية تعاني من عقدة الخصي. فإذا كانت الشعوب تقاتل من أجل أن تنال فردية مستقلة ، تقاتل الذات العربية استمتاعا بإيذاء نفسها .
يمكن أن نلاحظ بصورة كافية المنزلقات التراجيدية التي عصفت بالمشروع الحضاري العربي من كونه مشروع مقاوم للاحتلال الصهيوني ، إلى مشروع يزرع الانقسامات و يكرس حالة التنافر العربي / العربي. و ما الانتهاكات المحلية التي تعبث بأرواح شعبنا العربي في اليمن ، إلا مظهر من مظاهر الأيديولوجية المضادة في وجودنا المباشر و الملموس.
كيف نفسّر هذا العود الأبدي الذي يوقعنا باستمرار في شراك الحروب؟
هل هي دوما نزيهة أم تضمر مصلحة و منفعة؟ هل هي مفيدة ؟
إن كانت حياتنا تصير أغنى و أفضل حين نتخلّص من الحروب ، فلم هي تلازمنا كقدر محتوم؟
لماذا نتحارب ؟
إن هذا السؤال الأخير الجامع يحيلنا إلى كتاب ليبدو الذي يعتبر، بالنسبة لي على الأقل و بسبب عمق مطارحته ، مشروعا أكاديميا يجنّبنا الاقتباس الانتقائي للحروب. كأن نقول عن عاصفة الحزم بأنها مقدّسة و إستراتيجية بوصفها تذود عن الأمن القومي . و كأنّ الأمن القومي مصان أصلا أو لتقديم دروس في الديمقراطية. و كأنّ القائمين على العدوان ديمقراطيين...إلى ما شابه من ترهات تلفيقية لستر عورة الآثمين.
الكتاب يكرّس حقيقة مبدئية : إن الحرب بمجملها تؤلّف مشكلة بعينها. فهي مسار لاعقلاني ينسج مصير مأساوي للشعوب. أنظر إلى الضحايا من الأطفال و النساء الأبرياء جراء القصف العشوائي من فحولة عربية كاذبة . إن الحرب بوصفها عنفا منظما " تعتبر نقمة ابتليت بها البشرية". نتائجها إحلال سلام المنتصر على المنهزم بكلفة خيالية كان يمكن توظيفها " بصورة ربحية في التعليم و الرعاية الاجتماعية و التنمية "1 . يضرب لنا الكاتب مثال عن كلفة الحرب الأمريكية في العراق التي تقدر بــ ثلاث ترليون دولار و ما يناهز المليون شهيد.
من أجل فهم هذه الوضعية القصوى يسجّل الكاتب ، وفق تقدير إحصائي ، تراجع طفيف في الحروب بين الدول مقابل ارتفاعها كعنف منظم داخل الدول. أنظر إلى حالنا . هل توجد ساحة عربية بمنآي عن هذا العنف؟ أليست الحرب التي تدار على اليمن اليوم هي حرب داخل دولة افتراضية واحدة باعتبار أن الويل يطال شعبنا العربي برمته.
يعتبر الكاتب أن مثل هذا التراجع النسبي غير مطمئن خصوصا مع انتشار عدوى التسابق النووي حتى أن كارل ساغان أعرب عن قلقه و خشيته من كون العالم يتهدده شتاء نووي.
يقينا كان توازن الردع الإستراتيجي مبررا لوجود سياسة دولية للتفاوض غير أن ذلك لا يعنى اندثار الحروب المدمرة بل هي لا تزال قائمة . ألم يستخدم الكيان الصهيوني كل الأسلحة الفسفورية المحظورة في غزة؟ و قبل ذلك ألم يخض حربا ظلوما ضد المقاومة الباسلة بغية كسر شوكتها في لبنان فمني بهزيمة دفعته لكي يجرّ أذيال خيبته؟ ألم تكد تتحول أحداث مومباي إلى حرب نووية بين الهند و باكستان اللتان استنفرتا حدودهما؟ ألم تحتل أمريكا أفغانستان و العراق؟ ...
صحيح قد تستهوينا الرسائل الجذابة التي تشذب الحروب و تزدريها . هذا أمر يضرب بعيدا في التاريخ . ألم تتفقن نسوة أثينا و إسبرطة ، كما تروي لنا التراجيديا، على أن تمتنعن على ممارسة الجنس مع بعولتهن ما لم يصنعوا السلام؟
هذه الازدواجية بين شجب الحروب و اشتهائها أو بين ابتذالها و التورط فيها ترسمها استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة غالوب الأمريكية ( فيفري 2001) حين بينت أن 52 بالمائة من الشعب الأمريكي يدعم الحرب في العراق.
إن هذه الانقسامية المبهمة التي تقتحم تاريخنا لتجعل من الحروب جزءا من ذاكرتنا و حاضرنا و مستقبلنا تلقي بنا في موضع فوري يسائلنا: وما الحرب؟
إن حالة الانذهال الساخرة من الحرب تجرّنا بصورة دالة و كاشفة إلى طرح وجوب أن " تخبرناعن ماهيتها" 2
يفترض الكاتب أنها منازعة مفتوحة و معلنة بين دولتين مستقلتين. إلا أن هكذا تعريف لا يصمد ، فكم من حروب وجدت بين دول ولم تعلن رسميا. خذ مثلا العدوان على اليمن جاء كقرار اتخذه آل سعود و بمعزل عن جامعة الخزي التي التأمت بعديا لتسوّغ هذا التدخل . كما يمكن أن نستحضر نماذج عدة من أحشاء التاريخ من ذلك النزاع السوفياتي ـــ الياباني في منغوليا ( 1939) و الحرب الكورية و التدخل الأمريكي في الهند الصينية... زائد أن التحطيم المرير للشعوب أضحى يستند إلى تفاهمات ذاتية للأقوياء مما حوّل الحرب إلى ما يشبه " المنافسة العسكرية من أجل أهداف سياسية على حد تعبير كلاوزفيتز. هذه المنافسة تصاغ اليوم بتناسبات بين إرادات دول. إنها تتمظهر" كعنف منظم تقوم به وحدات سياسية ضد بعضها البعض"3
تأمل إلى ساقي الخمر ، إلى الجوقة الإعلامية السلعية و هي تتزاحم لتمسح بنرجسية خاوية لؤم ملوك يهدمون الأبنية و يفسدون الحرث و النسل في يمن العروبة ، يقتلون ذرّيتنا و يهللون و يرقصون بابتذالية ماحقة.و لأنهم يفشلون في القبض على ما يلمّح لنصر مرتقب يولولون بأصوات تشتمّ من منابعها عقيدة الخوف.
هذا التشوّش يمثّل جزءا من ماهية الحرب لأن دافعيتها ، حسب ليبدو ، عبارة عن تسلسلات هرمية متناقضة. فطورا هي الشهوة و طورا آخر هي الخوف . أي نعم نتحارب لأننا نخاف. إن الدول المعرضة للتهديد هي التي تجتذبها الحروب . و ينشأ الخوف " عن عدم التوازن و تطبيق الخيال البشري على عواقبه المرجحة، أو الممكنة"4 . و يضيف قائلا :" أنا لا أعزو العوالم التي يسيطر عليها الخوف إلى الفوضى و لكن إلى انهيار المجال" 5
لو أننا قمنا باستعارة هذه الموضعة و فسّرنا الحرب الغاشمة على اليمن وفق هذا المحدد الأساسي " الخوف، و انهيار المجال: مجال الحكم الملكي، فإننا في هذه الحالة مدعوين لكي نتساءل مما يخاف آل سعود حتى ينقضوا لاغتصاب و سلب عفاف اليمن؟
غير مستحب أن يقال أن الأنظمة الملكية ساقطة . وهي بالفعل ساقطة ( بالمعنى الفيزيائي و حتى الأخلاقي) كسائر الأجسام التي تبدأ حركتها في الكمون إلى أن تنتهي إلى السكون بفعل مقاومة الوسط و ثقالة الكتلة. التشكيل الإيديولوجي الملكي أيضا ، بات غير متناسب مع روح العصر . إذن نحارب لحجب مناقبنا و عوراتنا التي افتضحت في اليوتوب . لا بأس ، نغزو و نعتذر أو بالأحرى نقتل و نفتدي فانعطافات أموالنا لافتة. أنظر ، هكذا يتشدقون ، إلى جليل خدّامنا يحيكون حربنا المكلفة. هل رأيت إثارة ووفاء أبهى مما رأيت. لقد فتحت أرصدتهم و سيغنمون غنما مجزيا. قلوبهم متواشجة على ما غنموا .
تلك هي الحقيقة الملوثة كما يفهمها الأحرار في وطني . هم يقولون نحن حماة الوطن و الدين و نحن نعرف سرهم ، فهم يكذبون فقط افتضح المستور. أنا حانق لأجلك يا وطني.
المراجع
1 ــ ص 11
2 ـ نفس المرجع ، ص 18
3 ـ ورد في نفس المرجع ، ص 20
4 ــ نفس المرجع ، ص 101
5 ـــ نفس المرجع ، ص 101








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|