الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الخديعة والخطيئة خيط رفيع

محمد أحمد الزعبي

2015 / 4 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


كاتب هذه الكلمات شخص ثمانيني العمر ، أي أنه اصبح - كما يقال- رجل بالقبر وأخرى ماتزال خارجه . وبما أنه مايزال قادرا على الكتابة وعلى البوح ، فقد وجد أنه من حق كل من توسم ويتوسم به خيرا ، ولا سيما أبناءه ، أن يقول شيئا حول وقوعه ذات يوم في فخ الخديعة ، والتي بعد كل مارأيناه وما نراه في سوريا هذه الأيام ، تحولت الخديعة إلى خطيئة ، لا يتحمل وزرها الخادع فقط ، وإنما المخدوع أيضاً .
1. عندما كنت تلميذا في الصف السابع في متوسطة درعا عام 1947 ، اتفقت مع صديقين لي من نفس العمر وفي نفس الصف ( هما ...) على ان نجمع " خرجيتنا " في " حصالة "خاصة، كي نؤسس بها عندما نكبر حزبا سياسيا هدفه إعادة أمجاد الأمة العربية إلى سابق عهدها . ولا حاجة إلى القول هنا ، أن الإسلام والعروبة كانا بالنسبة لنا في تلك المرحلة العمرية والتاريخية، يمثلان وجه الميدالية وظهرها ، أي مقولة واحدة . (وذلك خلافا لما بدأنا نراه ونسمعه ونلمسه لاحقا ، ولا سيما بعد ثورة / انقلاب الثامن من آذارعام 1963 ، وتفرد حزب البعث في السلطات الثلاث في سورية ) .
2. وقبل أن نبدأ أنا وزميليّ بمشروعنا السياسي العفوي ، عرض علي أحد أساتذتي في متوسطة درعا ، وهو المرحوم علي محسن زيفا من لواء إسكندرون ، أن انتسب إلى حزب جديد ، إسمه " البعث العربي" أسسه مفكران عربيان هما " ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار" . لقد أعجبتني الفكرة ، وتقدمت بطلب الانتساب إلى حزب البعث العربي وأصبحت عضواً فيه منذ 1947 أي منذ ( عام التأسيس ) ، والذي تحول بعد اندماجه مع الحزب العربي الاشتراكي (أكرم الحوراني) 1952 إلى " حزب البعث العربي الاشتراكي "،وأصبح للحزب عمليّاً قيادة جماعية ثلاثية مكونة من ميشيل عفلق، أكرم الحوراني، وصلاح الدين البيطار . لقد كانت شعارات الحزب(الوحدة والحرية والاشتراكية) موضع اعتزازي وحماسي ، واللذان وصلا في حينها - وهو أمر لابد من أن أعترف به - حد العمى الأيديولوجي ، حيث بت لاأرى ولا أسمع ولا أفكر إلا بالحدود التي يتيحها لي هذا القالب الأيديولوجي ، الذي كان قالباً حديدياً ، رغم مرونته الظاهرية . هذا وتقتضي الموضوعية مني ، أن أعترف ، أن هذا القالب الأيديولوجي الحديدي قد انطوى إلى جانب سلبياته في المجال السياسي ( الموقف الرمادي من بعض الإنقلابات العسكرية )،على جوانب إيجابية في المجال الاجتماعي ( تغليب مبدأ المواطنة على كافة العصبيات الأخرى في سورية والوطن العربي )، ولا سيما في الفترة مابين 1947 ( تأسيس الحزب ) و 1958 ( حل الحزب ) ، .
3. لقد مثلت موافقة قيادة البعث الثلاثية على حل الحزب في سوريا عام 1958، ـ بنظر الكاتب ـ خللاً كبيراً في مسيرة الحزب،ترتب عليه،جملة من الاختلالات اللاحقة،التي وصلت بالحزب في سوريا إلى حالته المؤلمة والمؤسفة الراهنة . أبرزهذه الإختلالات :
3.1 برزت لأول مرة داخل الحزب ، إشكالية العلاقة بين شعارات الحزب الثلاثة ( الوحدة ، والحرية ، والإشتراكية ) ، وهل تمثل مثلثا متساوي أم مختلف الأضلاع ؟ هل يمكن الكلام عن أولوية أو تراتبية بين هذه الشعارات ، أم أنها شعارات متكاملة ولا تقبل الإنتقائية ؟ . (وإذا كنت لاأريد أن أشير هنا إلى الظروف السياسية والاجتماعية التي فرضت يومها على الحزب هذا الموقف ،(حل الحزب) والذي كان بنظري نوعا من " الهروب إلى الأمام " ، فلأن الموضوع آلذي تدور حوله هذه المقالة ، لا يتعلق بالوحدة مع مصر ، وإنما بحزب البعث العربي الإشتراكي أساسا ).
3.2 الاستقالة السريعة من الوحدة مع مصر ، وذلك بتقديم وزراء الحزب استقالتهم من حكومة الوحدة المركزية ، تلك الاستقالات التي أعطت في حينها الإنفصاليين (مجموعة النحلاوي العسكرية ) مبررا ما ، كانوا بحاجة إليه عام ١-;-٩-;-٦-;-١-;- للقيام بانقلابهم الإنفصالي ، والذي سارع إلى تأييده ( بصورة أو بأخرى ) كثير من قادة الحزب من المدنيين والعسكريين ، و أدى لاحقا إلى انقسام هؤلاء القادة وبالتالي الحزب ، بين مؤيد للانفصال ( علنا أو ضمنيا ) ومناهض له ، وإلى جملة الصراعات والتصفيات سواء داخل الحزب نفسه ، أو بينه وبين التيارات والمجموعات الناصرية والوحدوية الأخرى .
3.3 ، نشوء بذرة الطائفية في الحزب ، وذلك بتشكيل عدد من ضباط الحزب نواة اللجنة العسكرية ، في القاهرة عام 1959 ( اي مباشرة بعد قيام الوحدة ) والتي (اللجنة العسكرية ) استولت لاحقاً على الحزب والجيش بعد انقلاب الثامن من آذار1963الذي كان مبرره المعلن(!) إنهاء الإنفصال وإعادة الوحدة ، والتي ( اللجنة ) زرعت بذور الطائفية المقيتة فيهما ( الحزب والجيش ) و وظفتها لاحقاً في الهيمنة عليهما ، ومن خلالهما على سورية كلها ، وبات ينطبق علينا المثل الشعبي المعروف " لقد أوسعناهم سبّاً وفازوا بالإبل "
3.4 ، لقد زاد قيام الوحدة عام 1958 على النحو الذي قامت عليه ، ومن ثم سقوطها 1961، في الطنبور السوري نغماً ، من حيث انقسام التيار القومي العربي إلى بعثيين وناصريين ، وانقسام البعثيين أنفسهم إلى قوميين وقطريين ، وانقسام التيارات السياسية الفاعلة في سورية إلى إسلاميين وقوميين ، يساريين ويمينيين ، سلفيين وحداثيين ( ليبراليين ) ..الخ ، وتعمق الصراع بين هذه التيارات السياسية والحزبية ، وخاصة بين الناصريين والإخوان المسلمين ، ولا سيما بعد قيام الرئيس عبد الناصر بإعدام سيدقطب وعدد من قادة الإخوان المسلمين في مصر ، وبعد رفض الشيوعيين حل حزبهم كما فعل البعث ، وهكذا تم في ظل تنامي وتفاقم هذه الصراعات الحزبية ،سواء في فترةالوحدة بين عامي 1958 و 1961 أو بين فترة الانفصال 1961وانقلاب الثامن من آذار1963- عمليا - تجاوز وتجاهل مسألة الوحدة السورية المصرية ( ج ع م ) ، سواء في ثوبها الثنائي ( مصر وسورية ) أو ثوبها الثلاثي ( مصر وسورية والعراق ) ، وأصبحت في خبر كان .
3.5، وأيضاً في خضم هذه الصراعات ، قامت ثورة الثامن من شباط / فبراير 1963 البعثية في العراق ( علي صالح السعدي ) ، والتي انتقلت نتائجها الحزبية إلى سورية بعد قيام ثورة / انقلاب الثامن من آذار1963 ، وقام الطرفان السوري والعراقي بمحاولة إقامة شكل جديد من الوحدة الثلاثية مع مصرعبد الناصر ، يتلافى الحزب فيه ( الشكل الجديد) أخطاء وحدة 1958. (ودونما الدخول في تفاصيل هذا الموضوع المعقدة والشائكة ) ، فإن هذه المحاولة قد فشلت بدورها .
3.6، ولقد كانت أبرز إشكالات هذه المرحلة الجديدة ( مرحلة مابعد 1963 ) ، هي الصيغة التي تمت بها إعادة تفعيل نشاط الحزب الذي تم حله رسميا عام ١-;-٩-;-٥-;-٨-;- . من حيث ظهور البدايات الأولى لزرع بذور الطائفية التي دخلت الحزب من بوابة أو قل من شباك انقسام الحزب بين " يمين " (!) و " يسار " (!) ، حيث تم ربط اليمين بميشيل عفلق واليسار ببعض العسكريين ، الذين كان من بينهم ، بل وفي مقدمتهم صلاح جديد وحافظ الأسد، والتي أدت لاحقا من جهة إلى انقسام البعث إلى " بعث سوري " و" بعث عراقي " ، ومن جهة أخرى إلى سيطرة الجناح العسكري الطائفي على الحكم في سوريا ، بعد صراع حزبي مرير داخلي استمر من 1963 وحتى 1970، مروراً بمحطتي 23 شباط 1966 ، وحرب حزيران 1967، والذي ( الصراع الحزبي ) مايزال مستمرا إلى يومنا هذا ، بصورة أو بأخرى ، بدرجة أو بأخرى ، ولاسيما بين البعث العراقي ، والبعث السوري ( الطائفي ) .
إن إشارتنا هنا إلى الصراع الحزبي الداخلي بين عامي 1963 و1970 لا يعني - بطبيعة الحال - أننا نعفي طرفي هذا الصراع المعنيين ، المدنيين منهم والعسكريين ، الخادعين منهم والمخدوعين من مسؤوليتهما المشتركة ( والكاتب من بينهم ) ، عما وصلت إليه مأساة الشعب السوري تحت حكم عائلة الأسد عامة ، وتحت حكم بشار الأسد خاصة ، ولا سيما منذ 18آذار2011 وحتى اليوم( 7/4/2015 )، على يد العصابة الأسدية الديكتاتورية العسكرية الطائفية،عصابة تغييب الحياة الديموقراطية البرلمانية التعددية في سوريا ، عصابة تغييب الحرية والكرامة وحقوق الإنسان ، عصابة البراميل المتفجرة ، وأسلحة الدمار الشامل ، عصابة تدمير سوريا بشراً وشجراً وحجراً .
لقد قال لي أحد الأصدقاء المخدوعين ذات يوم ، مستخدماً مثلاً شعبياً معروفاً ، " إن من صعّد الحمار إلى المئذنة هو من سينزله عنها ". مسكين هذا الصديق ، لقد كلفته هذه الرؤية القاصرة ، حوالي ربع قرن من السجن ، تلتها حياته كلها بعد خروجه من السجن ببضعة اشهر فقط ، أي أنه خرج ـ واقعياً ـ من سجن الأسد مباشرة إلى القبر .
إن الحمار ما يزال فوق المئذنة ( ياصديقي ) حتى يومنا هذا ، بل إنه قطع عليك الطريق بتدمير كافة مآذن مساجد سورية ، من الجامع العمري في درعا ، وحتى جامع عثمان في دير الزور . رحمك الله أيها الصديق ، ولعن من دمر هذه المآذن التي قال عنها نزار : وللمآذن كالأشجار أرواح .
4. ، سأنقل في هذه الفقرة نصّاً ، من الخاطرة الثامنة من خواطر شاهد عيان للكاتب نفسه ،والتي يعود تاريخها إلى شهر آذارعام 2012 ( أنظر أخبار الشرق تاريخ 26.03.2012 ) ، وذلك بسبب علاقتها بموضوع هذه المقالة ، ولكن مع بعض التعديل والتحوير :
إنني بعد كل مارأيت ، وما عايشت ، وما سمعت ، منذ 1963 وحتى اليوم ، ولاسيما قصة البلاغ العسكري رقم 66 المتعلق بإعلان سقوط مدينة القنيطرة عاصمة هضبة الجولان ، قبل أن تسقط فعليّاً( أنظر الخاطرة الثالثة ، الحوار المتمدن ، 22.08.2011 ) ، أكاد أجزم ، أن عددا من الدول الأجنبية والعربية ( ... ) هم من دفعوا حافظ الأسد وشلته ، ولاحقاً بشار الأسد وشلته إلى واجهة الحزب والجيش والحكم في سورية ، وأن تاريخ هذه العملية المدروسة والممنهجة ، إنما يعود إلى ماقبل عام الوحدة 1958 التي كانت معبراً لحركة الإنفصال عام 1961 ، التي كانت بدورها تمهيداً لحركة الثامن من آذار 1963 ، التي مثّلت مع حركة 23 شباط 1966 ، الجسر الذي عبرعليه حافظ الأسد إلى السلطة في سورية عام 1970 ، حيث أدت ممارسات نظامه الوحشية ، والتي تابعها وريثه بشار إلى الإنفجار الشعبي السلمي الذي بدأ في محافظة درعا في 18 آذار 2011 ثم عم كافة أرجاء سورية . والذي كان جواب نظام عائلة الأسد عليه ( الحراك الشعبي السلمي ) ليس الاستجابة لإرادة الشعب ، وإنما القيام بتدمير سورية بشراً وشجراً وحجراً ، وتهجير وتشتيت شعبها ، تهجيراً وتشتيتاً دونه ماحصل للشعب الفلسطيني قبل واثناء وبعد عام النكبة عام 1948 على يد العدو الصهيوني ، وذلك تحت سمع " العالم الحر" وبصره ، بل وتحت تفرجه وصمته ، إن لم نقل أكثر من ذلك ، فياله من عالم حر !!.
إن ماقام به حافظ الأسد مابين عامي 1970 و 2000 م ، وما يقوم به وريثه وإبنه بشار منذ 2011 وحتى هذه الساعة ، لاعلاقة لحزب البعث العربي الإشتراكي به لامن قريب ولا من بعيد ، وإنما هي الطائفية البغيضة والمقيتة ، والتي لم تكن تعرفها سوريا قبل 1963 .

5. وختاماً ، أقول لكل من لايزال مغشوشاً ومخدوعاً ومشاركاً ، في أكذوبة علمانية وتقدمية وبعثية نظام عائلة الأسد ، وأيضاً أكذوبة دفاعه عن الأقليات وحمايته لها، ولا سيما عن إخوتنا من الطائفة العلوية أقول لهم : إصحوا يرحمكم الله من كبوتكم ، أنظروا حولكم ، بل انظروا في انفسكم ، فلقد آن لأبي مسيلمة الكذاب أن يرحل .
إن الفرق بين "المحبكجي " و" الشبيح "، ياإخوتنا من المخدوعين بأكاذيب عائلة الأسد ، هو كالفرق بين الكذّاب والمدلّس ، أي بين الكذب المباشر والكذب غير المباشر . وبرأي الكاتب ، فإن المخدوع والخادع هما في المسؤولية عن الخطيئة سواء ، ذلك أنه بين الخديعة والخطيئة خيط رفيع ولكنه متين ، فحذار حذار أيها المخدوعون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تدخلت أمريكا عسكريًا في عملية إسرائيل لإعادة 4 رهائن؟


.. مراسلنا: قتلى وجرحى من جراء استهداف الجيش الإسرائيلي مبنى سك




.. حزب الله يعلن استهداف مبنيين يتمركز فيهما جنود إسرائيليون في


.. الاتفاق الدفاعي بين الرياض وواشنطن يلزم السعودية بتطبيع العل




.. رئيس معهد أبحاث الأمن القومي: الضغط العسكري سيؤدي إلى مقتل ا