الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جرائم الشرف إرهاب ضد المرأة

مها حسن

2005 / 9 / 24
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف


كنت دائما أتحاشى الحديث أو الكتابة عن قضايا الشرف ، لحساسيتي الشخصية من الموضوع ، إذ أتضايق بشدة من التطرق إليه ، وللأسباب الأخلاقية العامة المحيطة به ، إذ أن المرأة عموما ، المشتغلة بالوسط الثقافي أو السياسي أو الإعلامي ، تتهم ، وبسهولة ، بشرفها .
كما أنه من السهل اتهام أي رجل بالعمالة إما للمخابرات المحلية أو للجهات الأجنبية ، حسب ثقافة الاتهام التي نحملها أينما توجهنا ، فإن التهمة التي تنتظر المرأة في كل مكان هي شرفها ، وكأن حامل الشرف هو دائما المرأة ، وأذكر في هذه العجالة أن إحدى القنوات الفضائية أجرت مقابلة مع السيدة الفاضلة ناديا محمود ، المعروفة بمواقفها اليسارية ومناصرتها للمرأة ، إذ اتصل أحد المتخلقين على المحطة ، ولأنه لم يتفق مع آرائها ، فما كان منه إلا أن أساء إليها لغويا واتهمها بشرفها .
لدى سماعي بخبر مقتل السيدة هدى أبو عسلي ، هزني النبأ حتى العظم ، فاكتشفت أني أخفي رأسي كالنعامة هربا من الحديث عن أمر ، سواء قبلت أم رفضت ، لا يزال موجودا ، وبوساعة .
ولا أزال أندهش وأنا الحاملة أفكارا ليبرالية تعتبر متطرفة في العالم العربي، أن يكون مفهوم الشرف الشرقي قابعا بين ثنايا جسد المرأة.
في بداية مجيئي إلى فرنسا ، سافرت مع صديقة فرنسية لزيارة أهلها المقيمين على الحدود السويسرية ، هناك حيث الطبيعة والريف الهادئ والأصالة الثقافية ، وأثناء تجولنا في المنزل الأصيل ، وصلت إلى غرفتها في أعلى طابق ، ذات السقف على شكل حرف ثمانية ، حيث النافذة في السقف لا في الجدار ، قالت لي " لقد كنا هنا في العام الفائت أنا وصديقي " فسألتها بسذاجة " هل كنتما تنامان في الغرفة ذاتها بمعرفة والديك ؟ " هزت كتفها باستهتار ولم ترد على السؤال ، وحين اجتمعنا على الغداء ، قالت صديقتي لوالدها " تصور أن صديقتي تسألني فيما لو كان " صاحبي " ينام معي هنا في الغرفة ذاتها " فالتفت إلي والدها وقال " أريدك أن تعرفي أمرا ، نحن الآباء لا يسعدنا شيء في العالم أكثر من سعادة أبنائنا ، حين تكون ابنتي سعيدة ، فهذه سعادتي " ، تضرج وجهي بالحمرة وأنا أسمع كلام أب لم أعهده ، إذ لو سمعه أي رجل من الشرق لقال أن هذا الأب دون شرف ، علما أنه مثقف ومتحضر للغاية ، استغربت أن تكون سعادة هذا الأب ، أن يرى ابنته سعيدة بين ذراعي عشيقها ، بينما المرأة في بلادنا تخجل من علاقتها مع زوجها ، حتى أننا في عائلتنا لا نفضل أن ينام الصهر عند أهل زوجته ، ولو حصل ، ففي غرفة مستقلة .
وكنت أتساءل بيني وبين نفسي، ما الذي ينقصنا نحن في الشرق حتى نخرج من رأسنا أن الشرف هو الجسد، ومتى يصبح الشرف قيمة أخلاقية تتعلق بالفهم الإنساني الأوسع لها، الصدق، العدالة، الحق، الأمانة ... علما، أيها السادة، أن الفرنسيات اللواتي لهن عشاق، صارمات جدا في مفاهيم الشرف من جانبه المعنوي والأخلاقي، لا الجسدي.
لقد مرت فرنسا وأوربا عموما بمراحل قاسية ، كان الدين المسيحي لا يقل صرامة عن الإسلام الحالي ، ومحاكم التفتيش شاهدة على ذلك ، مع ذلك استطاعت أوربا فصل الدين عن الدولة ، واستطاعت المرأة تحصيل حقوقها الإنسانية والجنسية ، وكان آخر إنجاز هو قانون " التسري ، أو التعايش دون زواج " وما يدعى بالفرنسية le concubinage إذ يحق لطرفين العيش معا دون زواج ، ويترتب عن هذا الحق كافة الحقوق الناتجة عن الزواج ، وكذلك لديهم ما يدعى بالفرنسية بـ Pacte Civil de Solidarité أو اختصارا le pacs إذ يعطي الحقوق القريبة من الزواج من حيث الإنجاب أو الوراثة .... فأين نحن من " الحضارة الغربية ؟
كيف استطاعت المرأة الفرنسية النزول إلى الشارع والمطالبة بحقوقها في أيار 68 ، حيث ثبتتها قانونيا ، ولماذا لا تزال المرأة العربية أو المسلمة عموما أسيرة القوانين المستمدة من التشريع الإسلامي ؟
لا أريد الخوض في سجال إسلامي ، ولا أريد فتح ملف حقوق المرأة في الإسلام ، ولكني أقترح العودة إلى البحث الذي قام به السيد هيثم المناع الحامل للعنوان ذاته " الإسلام و حقوق المرأة " .
وسواء أقبل الإسلاميون أم رفضوا فإن موقف الإسلام من المرأة ، ذلك الموقف المتعالي والمتسلط ، يعد أحد أبرز وجوه التشريع للقتل ، وإلا فعلى رجال الدين إثبات العكس وإصدار فتوى بتحريم القتل ، إذا كان الإسلام فعلا ضد قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، فما هو هذا الحق ؟
لأنني لا أنوي في هذه العجالة التحدث عن الدين الإسلامي ، أوبحث قضايا الشرف تاريخيا وقانونيا ، بل أرغب أن تكون هذه المادة مجرد لفت نظر أو إضاءة وجذب انتباه العالم نحو ما يحدث من تشريع وتسهيل وتمهيد لقتل النساء ، المسلسل المستمر من عصور الظلام ، حتى العصر الراهن ، عصر الديمقراطيات وحقوق الإنسان .
أريد طرح بعض الأسئلة الصغيرة، هل يمكن اعتبار فرنسا دولة دون شرف، أو أن الشعب الفرنسي على عمومه قليل شرف لتشريعه قوانين تبيح للمرأة خياراتها الجنسية، وكذلك للرجل بالتأكيد ؟
أم أننا نحن الشرقيون لا نزال ننظر إلى الشرف من زاوية صغيرة ضيقة ، ونتعامى عن الشرف الكبير ، شرف الأمة التي تتبهدل يوما تلو الآخر ؟
هل يمكن لحكاية هدى أبو عسلي أن تتكرر باستمرار ، وهل كل امرأة منا هي هدى أبو عسلي ، يشرع لقتلها في أي وقت ، وبحسب مزاجية المشرع والعائلة الذكورية ؟
أم أننا نضجنا كفاية ، وصار علينا أن نقف جميعا ، من قوى نسائية ورجولية ، منظمات وأفراد ، لنقول كفى لربط الشرف بالجسد ، وأن الله مهما كانت صورته ، عبر جميع الثقافات والأديان ، لا يمكن أن يسمح بالقتل ، وعلى القاتل أن يعاقب ، وعلينا التصدي لهذه الجريمة المتفق عليها ، حتى الساكت عنها ، مشارك فيها .
إن جرائم الشرف برأيي شكل من أشكال الإرهاب الذي يمارس ضد المرأة ، الإرهاب والرهاب الذي تحياه المرأة الشرقية ، المسلمة على الأخص ، وتحمل جسدها كتهمة كيفما تحركت وأينما حلت ، حتى في أقصى بلاد المعمورة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناشطة الاجتماعية فاطمة حكيم


.. رئيسة جمعية الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان أميرة سكر




.. المحامية فداء عبد الفتاح


.. أمينة سر الهيئة الوطنية لحقوق الانسان المتضمنة لجنة الوقاية




.. عضو الهيئة واللجنة وممثلة نقابة الأطباء في بيروت جوزيان ماضي