الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إطار لوزان والحقبة الإيرانية الجديدة

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2015 / 4 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


الضجة التي يثيرها متشددون ايرانيون بشأن اتفاق لوزان، لا تعدو عن كونها مجرد غبار سينجلي بعد حين، ليس الغرب وحده من يسعى الى وضع حل للنووي الإيراني، فطهران تبحث عن نافذة، للخروج قليلاً من الأزمات التي تعيشها، وتزداد وطأتها أكثر منذ الانخفاض الحاد لأسعار النفط. وتخطط لأن تدخل مع توقيع الاتفاق النووي، في حزايران القادم، حقبة جديدة من العلاقات الدولية مع الغرب، والشرق على حدّ سواء، تنهي قرابة عقدين من التناحر السياسي حول المكانة والدور واستعراض القوة، بين مختلف الأطراف، وبوسائل ومعارك عديدة يشكل امتلاك القدرة النووية، واحدة من هذه المعارك الأكثر تعقيداً في التفاوض الذي وصل الى تفاهم تحرص كل الأطراف المعنية، على توقيعه، رغم الاعتراضات المختلفة.
بلا شك، ايران هي الطرف الرابح، بكل المقاييس، بما في ذلك قبولها إيقاف تخصيب اليورانيوم مرغمة، على الرغم من ادعائها بسلمية أغراض برنامجها النووي، وبموجب هذا الاتفاق تحصل على اعتراف دولي كامل بشرعية حقها، في برنامج نووي، وفقاً للاتفاقيات الدولية . والواقع فإن تصريحات اليمين المتشدد داخل السلطة الإيرانية، التي تتهم الفريق المفاوض، بتسليم المقدرات النووية للغرب، لايمكن الأخذ بها، كعقبة في طريق إقرار الاتفاق في مجلس الشورى، وقد لعب جناحي السلطة الإيرانية " الدينية والتنفيذية " أدواراً متكاملة بين الاعتدال كدولة متحضرة تسعى للتعاون والتفاهم الدولي، والتشدد كقوة ذات مشروع اقليمي طموح، ينبغي ألا يتراجع عن أساسيات القوة في مواجهة الآخر.
فالقول بأن " اتفاق لوزان بين إيران ومجموعة 5+1 وُلد ميتا " هو بصورة ما، خطاب " قم " الموّجه الى الداخل، ولكنه أيضاً رسالة للغرب بأن سلطات طهران المعتدلة سوف تمضي في خيارات التعاون معه على الرغم من النظر الى اتفاق لوزان بأنه " غير مطابق للسياسة العامة في إيران". وعلى المجموعة الدولية –إذن - دعمها برفع سريع للعقوبات، وأن الاتفاق سيبقى مهدداً، مالم يتلمس الإيرانيون، نتائج مباشرة.
ثلاثة منجزات سوف تتحقق لإيران جرّاء اتفاقها النووي مع الغرب:
- تجميد الوضع الدولي والإقليمي، بالنسبة للدور الإيراني، في المرحلة الراهنة، وهذا يعني تجنب الغرب ممارسة أية ضغوطات عليها فيما يتصل بالوضع في كل من سوريا والعراق، بالنظر الى تعقيدات الوضع هناك، على الرغم من الدور الدموي الذي تقوم به في البلدين، لجهة تغذية قوى الإرهاب والصراعات الطائفية والسياسية. فيما تواصل عاصفة الحزم القيام بدور التقليم والمواجهة في اليمن، بدعم أمريكي وأوروبي كامل لاستراتيجية السعودية ودول الخليج العربي، خاصة في عمليات منع الحوثيين من الاستيلاء على عدن وباب المندب، وانعكاسات ذلك في المنطقة. وهذا يعني رغبة الغرب في انجاز اتفاق لوزان، كأولوية على لجم استمرار التدخل الإيراني في المنطقة.
- رفع العقوبات يقود الى تحقيق حالة محدودة وأولية من الاستقرار الداخلي، وانفراجاً في الحياة العامة، التي تشهد احتقاناً متواصلاً في مناطق عدّة وفي مقدمتها الأحواز. وهذا ما يمكنها من امتصاص بعض أسباب التوتر في الشارع الإيراني (اقتصادية واجتماعية)، في الوقت الذي تمارس فيه استبداداً ورقابة شديدين ضد الحراك السياسي والمدني، وسوف يترك الغاء القيود المالية والمصرفية، أثراً سريعاً، على النشاط الاقتصادي.
- إعادة الاندماج في المجتمع الدولي، وهو ما يسمح لطهران، بنسج شبكة العلاقات الإقليمية والدولية التي تعيد تأهيل حضورها، عبر التبادل التجاري الواسع، الذي سيفتح مجدداً على مصراعيه.
وفي الواقع، يتوقع خلال الفترة القادمة تقاطر قادة دول كالصين وروسيا، بعد اردوغان الى طهران، والهدف منه العلاقات التجارية الهائلة التي تربط هذه الأسواق فيما بينها، أما تركيا فإنها تلعب دوراً مزدوجاً متعارضاً مابين السياسة والاقتصاد، تبعاً للمصالح الإقليمية التركية، والتي تعتبر من الدول المعارضة للسياسة الإيرانية، خاصة بما يتعلق بسوريا والعراق، وفي الوقت عينه، تتعزز علاقاتهما الاقتصادية والأمنية.
ليس بالضرورة أن يلبي اتفاق لوزان، تطلعات أطرافه كاملة، لكنه سوف يكون مدخلاً مثالياً لتطبيع العلاقات الأمريكية - الإيرانية بعد القطيعة الطويلة، بما أثبتته مسارات التفاوض التي اتبعت على المسارين السياسي والتقني، التي تميزت بقدرة الطرفين على الاحتمال والمناورة..والمواربة. لكنه نجاحٌ للدبلوماسية الأمريكية التي استطاعت خلال فترة أوباما الثانية، أن تحلّ عقدتين صعبتين أشغلت دوائر صناع القرار واستنفذت قدرات هائلة: كوبا وإيران. وتعتبر نتاجاً لسياسة البيت الأبيض فيما يتصل بالشؤون الخارجية، والتي لاتزال موضع تشكيك وانتقاد واسع من قبل الجمهوريين الذين يسيطرون على الكونغرس الأمريكي، بما في ذلك مبادئ الاتفاق مع إيران.
واشنطن معنية مباشرة بتسويق ماتعتبره نجاحاً لديبلوماسية التفاوض، ومن هنا جاءت دعوة أوباما لقمة أمريكية – خليجية في كامب ديفيد، من شأنها تبديد المخاوف الخليجية المشروعة، من اتفاق كهذا، سوف تستغله إيران للتغول في مواجهة مطالب دول التعاون الخليجي، المتصلة بوقف التدخل في الشؤون الداخلية لبعض دوله: البحرين، الإمارات وقضية الجزر مثالاً، اضافة للمسألة السورية والعراقية، أي الاستمرار في تقويض ما تبقى من استقرار في المنطقة.
المسألة التي ينبغي الإشارة إليها، هي ماتحدث عنه أوباما بشأن الاطمئنان الى تدابير مراقبة فعّالة صارمة في تطبيق الاتفاق، من أنه لن يوقف سباق التسلح، أو يحدّ من أطماع إيران بالهيمنة وقيادة المنطقة بالتحالف مع واشنطن، والجهود العلمية التي تبذل في البرنامج النووي لن يتم تقصليها، أو إيقافها. وبالتالي فإن احتمال توقف طهران عن الاستمرار الالتزام بالاتفاق، ونقضه من طرفها بعد عدة سنوات، هو احتمال قائم وممكن، وتجربة الاتفاق الأمريكي- الكوري الشمالي، بشأن برنامج بيونغ يانغ النووي ماثلة أمامنا، وهي ترفض العودة اليوم الى المفاوضات السداسية.
طهران بدهاء الأفعى المخاتلة، تعمل على الاستفادة القصوى من التطورات الجارية في المنطقة، وعلى مسارات التفاوض وبناء شبكات تواصل سريعة، وهذا مكمن خطر كبير، مالم يستطع القادة الخليجيون إقناع أوباما، بضرورة أن يكون لاتفاق لوزان، أثرٌ في وقف خطر التمدد والتدخل الإيراني في المنطقة..
_______________
كاتب سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا