الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذي شهد المجزرة

كامل السعدون

2002 / 12 / 29
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

قصة قصيرة


يا لشجاعة هذا المذيع…. قالت زوجتي التي كانت تتابع برنامجٍ إخباريٍ عن ثورة ال ….. المباركة ، أنظر كم هو شجاعٌ إذ يطارد بكاميرته الحدث وسط النار والدخان والحجارة ، وهؤلاء الأجلاف الذين يدفعونه بغلظةٍ ، فيزاحمهم المسكين بسلاحه البريء الذي ليس إلا فوهة كاميرا…

رفعت بصري عن الصحيفة ، بعد أن قاومت الاستثارة التي بثتها كلمات رفيقتي فيّ برهةٍ ، ثم استسلمت …

ولحسن حظي ، رأيته … رأيته فتياً يقاوم غلظة الجنود المدججين بالأسلحة ..!

يدفعهم ويدفعونهم … يزاحمهم بمنكبٍ عربيٍ أشم ..! وليس لهم إلا أن يستسلموا لصوت الحق ، فيتركوه يصور الأحداث …حية… نابضة …!

ينقل لنا مشاهد الحجارة وهي تنهال على الجنود …. تسجل كأميرته لنا وللتاريخ مشهد جنديٍ مثقل بالسلاح يفر من حجر ..!

ينقل لنا صورة مركبةٍ … بل رتل مركبات مجنزرةٍ نفر من حجر …!

قهقهت بقوة …. وقهقهة شريكتي بقوةٍ أكبر … لمحت في طرف عينها دمعة تعاطف مع أولئك الصبية الحفاة الذين يلاحقون الجنود بالحجر …!

قهقهت … ولم تلحظ صاحبتي ، كم الانكسار الذي تملكني تلك اللحظة … إذ طار مني الفكر ليعتلي جبال " كردمند الأبية " وقرى " حلبجة " التي عشت فيها أجمل أيام العمر ، إبان فتوتي الباكرة ، وإذ عشت هناك أول حًب في حياتي ، وأرق حب …كتبت عليه الهزيمة باكراً…!

تداعت في خاطري ذكريات الحب ، الذي قهره سريعاً … إله الحرب ..!

كنت بوارد أخذ أبي وأمي معي إلى هناك لأخطبها …

كنا نتهيأ للسفر ، حين زف الخبر التعيس ..!

ما زفته وكالات للأنباء ، ولا صورته كاميرات المصورين ، بل تناقلته القلوب والحناجر سراً ، وما أسرع ما طرق السر بابي …

قال قائلٌ شهد المجزرة … كانت البطون تنتفخ … وتنتفخ و…

كان الصبية الحفاة العراة الجياع ينتفخون بأحضان أمهاتهم … كانت الأثداء تنز سماً … حتى الكلاب والقطط لم تنجو من المجزرة …

كنت أبكي … وأبكي … وأبكي وأنا أتخيلها تختنق … تختنق … تتوسل قطرة هواء من قومي ، فلا تمتد لها رئةٍ بهواءٍ نقي…

ذات الليلة … ذات الليلة التي كان فيها الموت ضيفاً غير عزيز على جبال كردستان ومراعيها …خرج علينا المذيع بهياً ، ليكذب ما ورد من أخبار …

كان يتجول بين الخضرة وينابيع الماء المثلج ، أنيقاً فتياً ، يمتد إصبعه المحلى بخاتمٍ جميل النقش ، ليشير إلى جبالٍ خضراء ، تتسامق على سفوحها أشجار اللوز والكستناء ، وصوته يردد بحماسٍ ، هذه هي جبال كردستان شامخةٍ … لا حرب هنا ، الناس يزرعون ويحصدون ، وليس لهم من همٍ إلا هم الدعاء لولي النعمة بدوام العز …!

- نعم يا حبيبتي … إنه شجاع … شجاعٌ هذا الذي ، كان ذاته من نقل لنا صور جبالٍ ليست جبالنا …وقال زوراً … هذا …….ينقل لكم صور جمال كردستان … !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يؤيد قصف منشآت إيران النووية: أليس هذا ما يفترض أن يُض


.. عاجل | المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: هذا ما سنفعله مع إيران




.. عاجل | نتنياهو: لم نستكمل تدمير حزب الله وهذا ما سنقوم به ضد


.. قصف مدفعي إسرائيلي وإطلاق للصواريخ أثناء مداخلة مراسلة الجزي




.. نائب عن حزب الله للجزيرة: الأولوية لدينا حاليا هي لوقف إطلاق