الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقاطعة بوصفها فعلا سياسيا لا عيبا تاريخيا

عادل مرزوق الجمري

2005 / 9 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


قراءة في الحقل السياسي البحريني:
المقاطعة بوصفها فعلا سياسيا لا عيبا تاريخيا
أي عدمية تلتف بالجمعيات السياسية البحرينية صيرتها عاجزة عن قراءة مرحلتها السياسية ولو بقليل من الحكمة، والتي كان من المفترض أن تكون قد اكتسبتها من خلال تجاربها السياسية الماضية. موازنة صعبة، أن ننتهي من التاريخ حدثا وخبرة، بمعنى ألا يكون أرقا يوميا عن مطالعة الغد وأن ندرك نتائجه كاملة، بنجاحاته وإخفاقاته في الوقت ذاته، فنعرف تحديدا كيف ومتى أخفقنا؟ ومتى حققنا إنجازاتنا؟ ولماذا؟ وكيف نستمر في عطاءاتنا السياسية بنجاح.
لابد أن يكون للواقع الجديد المتمثل بدخول المعارضة إلى العمل المؤسساتي المدني إشكالاته ومرئياته التي تفرض نفسها على هذه الجمعيات سياسيا واجتماعيا، إلا أن الصورة السياسية لا ينبغي لها أن ترزح تحت فلسفة المسامير التاريخية التي لا يريد أحد ما زحزحتها فضلا عن التجرؤ بخلعها من مكانها، إن "مدينة المعارضة"، و"مأسسة المعارضة" أصبحت مفصلية مهمة في العمل السياسي البحريني، وهذا ما جعل من الجمعيات في كثير من الحوادث الماضية معرضة للابتزاز المعرفي المنساق باتهامات سياسية أنها معارضة "لا مدنية" ولا "مؤسساتية"، سواء من قبل من يمتلك بعدا مؤسساتيا في رؤياه السياسية، أو من قبل بعض آخر يصح عليهم توصيف "المتحذلقين بالمصالح".
لا يمكن أن ننكر أن الجمعيات المقاطعة تحديدا بالغت في الكثير من المواقف والحوادث في مترسة أدائها السياسي في قوالب سياسية جامدة وأكثر رجعية مما تتهم به خصومها، إلا أنها مجملا لم تكن بالسوء الكارثي كما يروج البعض، وهؤلاء البعض تارة كانوا من داخلها بقى خطابهم خطاب التباكي على التفريط بالفرص، وتارة أخرى من خارج أسوارها ممن يمتلكون رؤى سياسية ذات أبعاد مختلفة ومخالفة، إن المسبب الرئيسي لهذا الإشكال هو في تقديري ضعف الفهم والتطبيق للكثير من المفاهيم السياسية خصوصا فيما يتعلق بالتسويق السياسي.
كمثال بسيط، لم تستطع الفئات المؤيدة للمشاركة في الانتخابات النيابية الماضية خلاف السواد الأعظم من ضباط الإيقاع السياسي للجمعيات المعارضة "المقاطعة" فرض رجاحة خيارها السياسي، هي دائما ما لعبت ألعابا مكشوفة سياسيا، وهي في الغالبية لعبت خيارات ترويجية "مرفوضة اجتماعيا"، على رغم أن الكثير من الرموز السياسية داخل الجمعيات المقاطعة كانت قد تفهمت خطأ خيارها استراتيجيا، إلا أنها لم تستطع أن تتفاعل إيجابيا مع تلك النقودات العنيفة من قبل تيارات المشاركة، إن التضعيف والاتهام بالجهل السياسي والغباء لتلك الرموز السياسية المحركة كان له تأثير سلبي على التجربة السياسية داخل مؤسسات الجمعيات المقاطعة قبل أن تنعكس سلبيا على التجربة السياسية البحرينية ككل، إن "اللامدنية" التي عاشها الخطاب السياسي البحريني داخل الجمعيات المقاطعة هي دلالة مهمة على أن التجربة ككل لم تعش صورة سياسية مدنية حتى اليوم، لم يكن بمقدور الجمعيات أن تفرض على البيئة السياسية في البحرين رتما سياسيا مدنيا فشلت هي بالدرجة الأولى في تطبيقه وتفعيله داخليا.
ثمن المترسة للجمعيات المقاطعة:
لست بصدد تقييم خيار "المشاركة/ المقاطعة" للجمعيات، عبر إطلاق حكم نهائي، فذلك شأنها كسلطة مجتمعية لا شأن مؤسسة الإعلام والصحافة كسلطة مجتمعية منفصلة، فقط أحاول سبر أهم نتائج هذا الخيار بوصفه عملا سياسيا لا فعلا سياسيا.
أولا: اليوم، عوض أن تحسم الجمعيات "خيار المشاركة" في وقت مبكر، بقت تخوض خطاب التشكيك والتأكيد لخيار سياسي انتهى توقيته السياسي، وعوض أن تستعد للمرحلة السياسية المقبلة بشتى الطرق والبرمجيات السياسية والاقتصادية والثقافية دار حوارها الداخلي في تحديد ماهية فعلها السياسي "المقاطعة" والتأكيد بأنه كان خيارا صحيحا وأنه لم يجانب الصواب. لم تنجح الجمعيات المقاطعة حتى اليوم في تجهيز ملفاتها السياسية كاملة، ولم تؤسس "حكومات الظل"، والتي من المفترض أنها ستلعب بأبحاثها وأوراقها ونتائجها في المرحلة المقبلة "المشاركة"، ولم تستعد لأن تخوض حوارات التنازلات والتبادلات السياسية والخدمية على تمرير القوانين الحكومية الضرورية، في واقع الأمر اشتغلت الجمعيات بتفعيل المحور الدستوري "الورقة الوحيدة" التي تلعب بها هذه الجمعيات، والتي كان من المفترض أن تكون ورقة من ضمن عدة أوراق كانت جاهزة لتلعب بها، لا هوسا يخنقها، ويمترسها فتصبح عديمة الحراك، هذا ما صير من خطاب الجمعيات المقاطعة خطابا سياسيا مملا بامتياز، سواء بالنسبة إلى الشارع الاجتماعي أو الهم السياسي الوطني.
ثانيا: لم تستطع حمائم الجمعيات أو التيارات المعتدلة فيها إنتاج كوادر سياسية جديدة، كوادر جديدة تماثلها في توجهاتها السياسية وتفرض قراءة سياسية حديثة ومتطورة قادرة على المراوغة والمماطلة والمبادلة السياسية، بقت الوجوه ذاتها، الحسم تأجل، وعادت الحمائم اليوم بالوجوه ذاتها لتنافس الصقور ذاتها، وكأنها تبحث عن هزيمة أخرى، لقد كانت مقار الجمعيات تشهد فعاليات شكلية لا تختلف عن صور التسويق الاجتماعي لاستقبالات الوزراء وما شابه، ليست السياسة المدنية أن نعد ورش عمل وندوات بقدر ما هي آليات إنتاج "إنسانية" حديثة.
ثالثا: لم تنجح الجمعيات في صوغ حالة مدنية لنشاطاتها، فهي لم تسع لتشكيل مراكز البحوث أو إدارات البحث وإعداد الموازنات للوزارات والدولة ككل، عجزت أن تشكل حالة مدنية تضغط بها على الدولة، لقد كان الخيار المدني "المهمل" في حقيقته السياسية وسيلة ضغط مميزة لم تهتم بها الجمعيات المقاطعة، ولم تكن الجمعيات المشاركة بأفضل حال على ما يبدو.
إن برامج الرباعي "المسماري" تمثلت سياسيا كمسامير لا تغادر أخشابها، وعلى رغم أن اليوم غير الأمس، وما استجد علينا مغاير لما مضى، إلا أن الرموز السياسية البحرينية داخل هذا التجمع مازالت عاجزة أن تمارس ولو قليلا من المدنية السياسية.
لا يمكن أن تغفر السياسة للوفاق الإسلامية مثلا أنها وطوال أربع سنوات من مقاطعتها للعمل السياسي لم تسع لإنتاج ما يبرهن على مدنيتها وقدرتها على مزاحمة البرنامج السياسي الحكومي على شتى الأصعدة. وفي الوقت الذي تسعى فيه "الوفاق" إلى ترويج بعض المفاهيم السياسية الحديثة في السياق السياسي الوطني، فإنها أول من فشل في تحقيق هذه الأطر داخل تجربتها المؤسساتية الداخلية.
إن شعارات مثل "تداول السلطة"، "وحدة البرنامج السياسي"، "قوة التحالفات الاستراتيجية بالقوة الوطنية الأخرى"، "الخيار الاقتصادي الاستراتيجي"، لم تستطع الوفاق أن تتمثلها داخليا فضلا عن تصديرها للخارج. وأخيرا كان شعار "البحرين أولا" وهو أبسط ما أنتجته غرفة السياسة الوفاقية أسرع ما تم سرقته منها في الوقت ذاته. والمقصود من هذه الزاوية تحديدا هو أن الجمعيات المعارضة البحرينية لم تستطع صناعة بيئة سياسية تناسب خياراتها وطموحاتها للمرحلة، طبعا كان تحريك الأمانة العامة الدستورية لملف التعديلات الدستورية وترويجها للإشكال الدستوري هو الخيط الوحيد الذي أمسك به المقاطعون أعناق دعاة المشاركة، وهو ما نجحت فيه الجمعيات المقاطعة "نسبيا"، إلا أن هذا الملف وعلى رغم ما حظي به من اهتمام لم يستطع أن يتحول لأن يعتلي سلسلة الاهتمامات الأولى للمواطن البحريني، بقت "قضايا البطالة"، "الإسكان"، و"الصحة"، وتعديل "رواتب الموظفين" تعتلي سلم الاهتمامات، ما يحيل إلى أن الجمعيات السياسية المقاطعة أخفقت في خلق "هم سياسي"، لا يمكننا في الإعلام والصحافة أن ننكر بعض الفعاليات السياسية، والتجمعات والاعتصامات حققت حضورا جماهيريا جيدا، إلا أن هذا الحضور ليس كافيا بالنسبة إلى الجمعيات المقاطعة لتدعي أنها نجحت في إدارة "سببية مقاطعتها للانتخابات الماضية"، ثمة أوراق أخرى أحرقتها الجمعيات المقاطعة بيدها، أحرقتها تارة بشكل مقصود منتقد، وتارة أحرقتها عبر الانشغال أو الاستشغال فيما لا يفيد من الترف السياسي لتبرير خيارات التاريخ، وما حدث بالأمس هو تاريخ لا يمكن أن تتقوقع الجمعيات عنده من دون حركة أو طموح للمستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: أين الضغط من أجل وقف الحرب ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مؤثرة موضة تعرض الجانب الغريب لأكبر حدث للأزياء في دبي




.. علي بن تميم يوضح لشبكتنا الدور الذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن


.. بوتين يعزز أسطوله النووي.. أم الغواصات وطوربيد_القيامة في ال




.. حمّى الاحتجاجات الطلابية هل أنزلت أميركا عن عرش الحريات والد