الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضاء الحاجة بسَّبِيلين!

تيسير حسن ادريس

2015 / 4 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


(1)
يبدو جليا من الأحداث المتسارعة في المنطقة أن النظامَ العالميَّ قد انتقل لمرحلة جديدة من مراحل تنفيذ (مشروع الشرق الأوسط الكبير)؛ كما يبدو مؤخرا أن هناك تغيرًا مهمًا قد طرأ على كامل الإستراتيجية الامبريالية التي تتولى الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذها، دفعها لخلق مبرر أكثر فاعلية لتدخلاتها التي لا تنتهي في شؤون الدول العربية؛ ويأتي كل هذا في سياق أجندة مشروعها الشرق/أوسطي الذي تحتفظ بسره، ولا تظهر من تفاصيله غير ملامح غائمة ملطخة بدماء شعوب المنطقة؛ فمنذ حرب الخليج الأولى وحتى اندلاع عاصفة الحزم اليوم لم تتوقف الفواجع ، وأريقت الكثير من الدماء على مذبح الرأسمالية المتوحشة قربانًا لمشروعها الاستعماري.

(2)
هلامية مبرر محاربة (الإرهاب) الذي بررت به سيدة النظام العالمي تدخلها المباشر في شؤون المنطقة في المرحلة الماضية فَقَدَ بريقه، واتَّضح لها أنه مكلف اقتصاديًا، ومحرجًا عسكريًا بعد الخروج المذل بجسد دامي من التجربة الأفغانية، التي تلتها التجربة العراقية وأفقدت مجمل النظام العالمي ما تبقى من مصداقية، وعطلت مسيرة تنفيذ مشروع (الشرق الأوسط الكبير)؛ فكان لابد من وقفة يعاد فيها النظر في تفاصيل الإستراتيجية والتكتيك؛ الذي وَضح أنه على كلفته المادية والبشرية يضرُّ بسمعة وصورة النظام الرأسمالي الذي يدعى سدانة الحضارة، ومراعاة العدالة، والدفاع عن حقوق الإنسان.
(3)
اضطرت أمريكا لإخفاء سرِّها العظيم -حينما أخذت أوراق لعبتها تتكشف- إلى صرف أموال طائلة في مطاردة زعيم تنظيم (القاعدة) الذي أوجدته ذات حاجة لاغتياله، ودفن تفاصيل (رقصة الموت) التي شاركته إيقاعها ؛ وبعد الفراغ من تصفيته ولحد جثته، وتفاصيل الأسرار في بطن الحوت، قررت الانتقال من إستراتيجية السفور، والتدخل المباشر، لإستراتيجية قضاء الحوائج بالوكالة والكتمان، فأنتجت معاملها الإستخباراتية ما يسمى بتنظيم (داعش)، الذي ما أن يتأمل المرء وحشيته، وحجم قدراته القتالية، ومسيرة انتصاراته، حتى يتبادر إلى الذهن مباشرة (فنتازيا) أفلام (الخيال العلمي) الهوليودية.
(4)
أودت الرواية التي انتشرت عقب إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة على يد تنظيم داعش بما تبقى من مصداقية الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الغربية، فقد أكدت الرواية أن الكساسبة شاهد في أثناء أحد طلعاته الجوية طائرات أمريكية وبريطانية تلقي بالأسلحة لمقاتلي داعش؛ فقام بإبلاغ قيادته التي طلبت منه تصوير الواقعة؛ وبينما هو ينفذ التعليمات انطلق صاروخٌ وأسقط طائرته؛ ليقع فريسة في يد داعش التي لم تتوان في إعدامه بوحشية غير مسبوقة، حرقا بالنار، لينكشف مرة أخرى أمام الرأي العام العالمي حقيقة من يقف وراء صنع (الوحش).
(5)
ما من شك أن اتِّصال الطيار الكساسبة بقيادته قد كان مرصودًا من قبل القوات الأمريكية التي سارعت لإسقاط طائرته، والتخلص منه بطريقة تشغل العالم عن سبب إسقاط الطائرة؛ والذي يبعد الشك عن الرواية المتداولة ويعزز من مصداقيتها ما أدلى به رئيس لجنة الأمن القومي والدفاع بالبرلمان العراقي السيد حاكم الزاملي من تصريحات، أكد فيها دعم القوات الأمريكية والبريطانية لتنظيم داعش بالسلاح والعتاد، الشيء الذي دفع الإدارة الأمريكية لنفي ذلك، والتعلل بأن ما تم من إسقاط للسلاح قد تم عن طريق الخطأ!!.

(6)
مما تقدم يتَّضح أن خلق تنظيمٍ سنيٍّ بهذه الوحشية، والزج به في معترك الصراع في الدول التي تعاني من النعرة المذهبية، مثل العراق وسوريا واليمن، قد تمَّ بخبثٍ في سياق تعديل خطة أمريكا التي رأت من الأجدى الانتقال من مربع خلق الفوضى بذريعة (محاربة الإرهاب) إلى مربع فوضى (الفتنة الكبرى)، بتأجيج الصراع المذهبي التاريخي، ليتولى الشيعة والسنة بالقليل من المال، والكثير من الدماء المسلمة، توفير مبرر طويل الأجل لتدخلها وحلفائها، وتنفيذ ما تبقى من أجندة المشروع (الصهيوامبريالي) الرامي لتجزئة المجزأ، وإعادة رسم حدود الدول العربية وفق أساس مذهبي وطائفي يمنع استقرارَها.

(7)
إن ضمان أمن الدولة اليهودية والسيطرة على ثروات المنطقة النفطية، ظلا على الدوام العاملان الرئيسان اللذان تضعهما الإمبريالية العالمية نصب عينيها، وهي تصيغ إستراتيجيتها تجاه الشرق الأوسط، وهي لا تخفي هذه الأهداف، ولا تستحي من تصريح بها؛ وما الداعي للحياء والنظم التي تحكم دول المنطقة عميلة تقايض ثرواتها الوطنية بالسلاح الأمريكي الذي تخضع به شعوبها؛ فلا غرو إذا تحركت أمريكا بكل ثقة وطمأنينة لاحتواء انفجار شعوب المنطقة، وإجهاض (ربيع) ثوراتها كي لا تنتج نظمًا وطنيةً قويةً تخل بتوازن القوى المائل تاريخيا لصالح الدولة العبرية.
(8)
إذن فقد اختارت الإمبريالية وفقا لتكتيكها الجديد (قضاء حاجتها) بسبيلي (الروافض) و(الدواعش)، فإحداث فتنة مذهبية بين الجماعات الإسلامية المتشددة سيجر حتى الأطراف المعتدلة إلى محرقتها، ويقدم المبرر الكافي لتدخل الحلف الامبريالي بجهاز (التحكم عن بعد)؛ ودون تحمل أعباء مباشرة من مال ورجال في شؤون المنطقة، حيث يكفي الإسناد اللوجستي لجميع أطراف الصراع في نفس الوقت ، وصب القليل من الزيت فقط على نار الفتنة ليصطرع (الديوك) حد الفناء، وتستمتع أمريكا وحلفاؤها بالعائدات من أثمان السلاح ، وينعم بنو صهيون بالأمن والسلام ورغد العيش.
(9)
وفق هذا المخطط هبت (عاصفة الحزم) التي لا يدري غير الله أَيَّانَ مُرْسَاهَا، فقد تم استفزاز الطرف السني بالاتفاق النووي الإيراني الأمريكي الأخير، فخرج عن طوره وهو يرى الدولة الصفوية تكاد تخرج من محنتها، وتحيط به إحاطة السوار بالمعصم، بحزام ناسف يمتد من لبنان وسوريا، مرورا بالعراق حتى يصل تخوم بلاد الحرمين الشريفين في اليمن؛ ينشد ثأره التاريخي، ويحلم بعوده الإمبراطورية الفارسية؛ فالصراع في حقيقته سياسي بامتياز تغذية الرغبة في الهيمنة، وبعث المشاريع القومية، رغم تخفيه وراء المسوح المذهبي بغرض الاستقطاب وطلب النصرة.

(10)
أيقظت الإمبرياليةُ بلعبتها الجديدة وحشًا يصعب السيطرة عليه، قد يقود المنطقةَ إلى دمارٍ كاملٍ، فمن الصعب السيطرة على صراع سياسي بمسوح مذهبي تغذيه جراح تاريخية عميقة الغور؛ فعلى مدار التاريخ حدثت العديدُ من الصدامات بين الشيعة والسنة، تَبَادَلَ فيها كلا الطرفين الاتهامات. فالشيعة ترى اضطهادًا سنيًا لها في التاريخ، وتستشهد بما عانته في العصر الأموي والعباسي والعثماني، وفي مقابل هذا الاضطهادِ قامتْ ثوراتٌ شيعيةٌ أشهرها ثورةُ القَرَامِطَة، وثورة النَّفْسِ الزَّكية، وغيرُها. ولكن الصدام الذي تسبب في شقِّ وحدة المسلمين -كما يرى الكثيرُ من الباحثين- هو صراعُ الدولةِ العثمانيةِ مع نظيرتها الصفوية؛ فهلْ يُعِيدُ التاريخُ نفسَهُ، ونشهدَ ذا قارٍ أو قادسيةً جديدةً؟؟.

الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
تيسير حسن إدريس 10/04/2015م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السفينة -بيليم- حاملة الشعلة الأولمبية تقترب من شواطئ مرسيلي


.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية ردا على احتمال إرسال -جنود م




.. السيارات الكهربائية : حرب تجارية بين الصين و أوروبا.. لكن هل


.. ماذا رشح عن اجتماع رئيسة المفوضية الأوروبية مع الرئيسين الصي




.. جاءه الرد سريعًا.. شاهد رجلا يصوب مسدسه تجاه قس داخل كنيسة و