الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حجر على صراط

ماجد رشيد العويد

2005 / 9 / 25
الادب والفن


فجأة، وعلى غير توقع، تحوّل إلى حجر رخو يجري على خيط رفيع، تلبّث قليلاً عند نقطة من هذا الخيط يلتقط أنفاسه، وقد كاد يختنق جزعاً وخوفاً.
إلى يمينه استقرت أرض مخضرة تكتظ بالأشجار، وتخترقها جداول ينساب خلالها الماء عذباً رقيقاً. توقف كأنما الحيرة أصابته من هذه البقعة التي انتبذت مكاناً قصياً كان كأنه الجنة على الأرض... ذاك الفردوس الذي تخيله ذهنه عبر كدّه الطويل في ربوع قلقه العظيم، وهو يقرأ أحلام الشعراء والملحميين الأوائل، وكتب السماء بعهديها القديم والجديد، وبقرآنها العظيم المجيد.
انتابته قشعريرة وقال: لعلني الآن على الصراط فإلى جنة ربما أو إلى جحيم مكفهرة ناره.. وتذكر طيرانه في الفضاء، والمسارات التي ظل يتخذها في انطلاقه، وانقضاضه المظفر على رأس هذا الجندي وذاك.
تابع سيره مأخوذاً بروعة ما يراه من مناظر ساحرة ارتاح إليها من عناء جهاده في السنين الماضية. ورأى أنهاراً خالدة من لبن وعسل وخمرة معتّقة لا تُذهِبُ حدوداً ولا عقلاً ولا حسّاً.
سبّح بمجد ذلك الأشقر الذي نأى إلى ركن قصي من أرض مضطربة قلقة وقال: ربما هو الوعد المبين.. ورأى الناس النضّاحة بخدودهم الأسيلة، وعيونهم الزرق يمرحون ويلعبون ويأكلون ويشربون ويرقصون. سخط على حياته التي جرفها الفقر وأصابه الذعر وهو يرى، على الطرف الآخر، على يساره، ناراً تجلّت فوّارة بلظاها المهلك. تلك جهنم بألسنة من أبالسة وشياطين وحجارة عتيقة متمردة، بظلال محمومة وهدير مجنون.
اختلّ بعض ما بقي فيه من توازن، وادلهمّت ذاكرته. كاد يوقن أنه على الصراط، ويا له من صراط. خلال دقائق، ثاب فيها إلى وعيه، أخذ يعدّ الرؤوس التي شجّها، والأرجل التي كسرها، وكذا العيون التي فقأها وهو حجر مسنن أبيّ.
**
كان النهار قد شارف على الزوال، وبدأت الشمس تختفي وراء الأفق، وبدوره يتلاشى في حندس ليل مخيف.
آلمه أن يرى نفسه حجراً محبطاً منبوذاً، وتذكّر الأمس تلو الأمس، وتذكّر ركضه واختباءه ولثامَه، وكم من مرة سقط فيها صريعاً، وتمنى لو تجرّه قدماه إلى مكان ناء وإلى خلاء لا إنس فيه ولا جان ولا صراط، وغصّت أحشاؤه بوحشة لم يعهدها من قبل، فها هي النار تطّاول ألسنتها وتتخطف منه بريقه، وتتناوله من هدوئه الذي نعم فيه وهو ينظر إلى يمينه. فهل يندب حظه أم يحثّ الخطا علّه يلقى مخرجاً؟ وقرر بعد لأيٍ أن يجهد في الوصول إلى نهاية ما، وأن يُنجز راحتَه بعد هذا التعب المتين من المشي على صراط.
إذ ذاك تلألأ في ركن يقظ من سنوات تعبه وشقائه، شعاعُ طيرانه مقذوفاً إلى الأعلى، ومتشظياً ومتناثراً في عين جندي تارة وفوق رأس آخر تارة أخرى.. وصرّت في أعماقه رغبةٌ بالعبور إلى الفردوس البهيج، وأن يتربع على عرش نهر ظلّ على الدوام يفيض، وفي أحلك سنوات الجفاف، سعياً متحفزاً وتواقاً إلى الحياة. وارتفع يطير، مختزلاً بطيرانه عقداً من الزمن، فوق دروب غصّت بآلات التصوير واختلج في جنباته السرور، ونفض عنه حزنه وجزعه.
حلّق عالياً يمنح المكان المهيض اكتمال كماله، وتخيّل جنّة سيصنعها الآن فقط، فها هو يرى نفسه كعادته من كل يوم ـ عبر التلفزة المحلية والعالمية ـ يحلّق بإباء وشموخ.
وأيقن أيضاً أنه على صراط غير مستقيم، وأن الجنّة التي رأى كانت أخلاط حلم بعيد، وأن النار أتت أو كادت، ومنذ سنين، على أحلامه وأمانيه بحياة هادئة وادعة. تابع طيرانه باتجاه عدسة تعوّدت أن تلتقط له صوراً في الطيران والهبوط، وفي نيته أن يرتطم بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07