الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التقاطعية و جسر الهويّات

رضا لاغة

2015 / 4 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


حين تتمادى في استعلائيتك و تنجز مهامك المفردة بمعزل عن الآخر ، فهو بالنسبة إليك محض خرافة بلا تاريخ ؛ فتؤذيه بهجوم فعّال و غير فعّال ، بلا هوادة. و تشدّد العزلة عليه و على ذاتك الرنّانة و الطنّانة ، يكون وجودك خطيئة عابرة، خليط من التهوّر و التوحّد العنيد ، المتعطّش إلى الغزو و الفتح ، بلا نفوذ ، بلا نجاعة... حين تسبح ذاتيتك متبخترة تحابي النجوم التي ترصّع السماء ، يكون وجودك مغامرة خيالية بلا رائحة ، واقعيتها نحيفة بلا لون و عيها غير مبرر بلا طعم، تكون مثاليتك مدمرة كتلك التي تقمّصها زاردشت و الناس تلهج باسمه . كان مجيئهم مجرد عبث و إذلال. رأينا كيف صدّهم: "وحيدا أمضي الآن يا مريديّ ، و أنتم لتمضوا الآن لوحدكم أيضا. هكذا أردتكم. حقا أنصحكم : انصرفوا و احترسوا من زرادشت ، بل و أكثر من ذلك أنصحكم أن تشعروا بالخجل"1
إن الإطاحة بهذه النرجسية الجامحة بوحش الأنانة تمثّل صدمة أو رجّة عند ريكور.و لكن مفعوليتها و طرقها اللا مألوفة المتعطّشة إلى الغيرية، هو المتن الذي نريد أن نثبت أنطولوجيته.
ثمة هنا ضرب من الهذيان الصحّي و قد يكون صبيانيا ، تتوافق فيه الهوية مع الغيرية ضمن حالة تلبغ أوجها و ذروتها في التقاطعية.
هذا المصطلح جذوره و أصوله ليس البتة محصورة في سياق بعينه. فقد تفكّك فبركة الكلمات المتقاطعة التي تنلعب في شبكة تتضاعف فيها معاني مكفولة ضمن نسق يكتشف كخليط انتقائي لأحداث و أسماء و كلمات من مضمار دلالي أو تركيبي مشترك. و قد يصادف و أنت متّجه إلى عملك أن تجد طرقا متقاطعة ، اتجاهاتها متقاطعة ، و لأنك عازم لا محالة و بوجه التقريب أن تكون في الموعد المحدد، تجدك تتهرّب من الانحباس المروري وو تتحرّك في منعرجات ، أحسبك تعرفها ، تفضي إلى تخوم عتبة التقاطع.
و قد تفضّل ، إن كنت رسّاما تكعيبيا ، أن تبثّ لمسة منعشة ، رشيقة و ساحرة تحرر فيها شخصياتك المركزية، المجمّدة في الأصل ، بطرائق هندسية تقاطعية يجعل عملك يغنّي و أحيانا يرقص. و قد تفاجئ أو تفاجئين يتصادم محتوم ، أكثر تنوّعا و تعقيدا ، مع بعلك أو بعلتك فتتغلّب أو تتغلّبين بصهر الخلاف في بوتقة التقاطع ، تقاطع الذكريات الحلوة ، شهر العسل ، الأبناء ...بالطبع التقاطع ينطرح في جوّانيتك ، فحين تكون منبسطا و مفعما بالسرور ، وهي عادتك ، ربما لسبب تافه ، نمت كفاية مثلا أو نلت تشريفا مهنيا ، وقد تتلاشى بهجتك حين تجد سيارتك مدهوسة . على الفور يتواتر التقاطع ، فأنت السعيد المبتهج ، أتن الحانق المنقبض. وهو استنفار غريب نرى بريقه حين نستحضر مهمة رجل الإدارة ، الأنا الذي يكافح في مهمته التوفيقية لإرضاء قطب الشخصية النزوي و درعها الأخلاقي . و إن كنت معماريا ستجد أن نزوّق الفضاء الهندي بالتقاطع كأن تجعل من المطبخ متقاطعا بانسيابية مع قاعة الجلوس و قد تصمم إدترة بلّورية ، بالكاد يوجد فيها جدران فتتقاطع الرؤية بين الداخل ) العمل بضوابطه) و الخارج ( اللحظة باعتباطيتها) فيولد التشويق. و حتى أولئك المتنمطين ، تجدهم في أناقتهم ،يعوّلون على التقاطع دون حساب ( بدلة و ربطة عنق سوداء و قميص أبيض). تسرّب التقاطعية تلحظه أينما و لّيت وجهك ، فهي لا نهائية، دربها تحوّل إلى مقصد.و لا يذهبن بك الظن أن التقاطعية تعرب دوما عن إطلالة ذات حبكة أليفة . على العكس إن أفقها مفتوح على القتل المؤسس و ـأجيج الصراع حين تبذر في حقل السياسة.
التقاطعية
مفهوم روّج له أوما ناريان و ساندرا هاردنغ في كتاب " نقض مركزية المركز" 2
و سنأخذ الداعشية كنموذج للتقاطعية
تتكوّن الداعشية من سلطة محددة يتكسّب منها أناس يجري تصويرهم كأسرة طائفية سنية تتراكب ضد أسرة طائفية شيعية . هذا التقاطع الأول اجتذب اهتماما مهيبا لتقاطعات إضافية:
ــ تقاطع منظومة الظلم السعودي التي تستدعي الخطاب الداعشي الذي يحمل إسقاطا مضادا لفكرة تصدير الثورة الشيعية بإنتاج ميل إلى الطائفة السنية ، وهو ما يعني ضمنا أن الهجرة لداعش هي مدفوعة الأجر للذود عن الأسرة المالكة أمام واقع عربي متحول طحن عظام الاستبداد في تونس و مصر و يخشى أن يسري في الخليج العربي.
ــ تقاطع نمطي مزدوج يسمح لضروب من العنف أن تتحرّش بالدولة الوطنية ( سوريا) لتكرار تراتبية هرمية أضاعتها الدول الأم في الخليج العربي( السعودية) و أضاعتها دولة الرعاية في ظل انهيار القطبية ( أمريكا).
التقاطع الثاني: هو أشبه بغسيل قذر يشجع على تكتيكات النقاء الطائفي في بؤر معزولة اجتماعيا و رمزيا كملاذ خاص يؤمن مزايا مربحة لتجار السلاح .
هذه الكوكبة من الخيارات يتراوح مداها بين الجبر و الاختيار من خلال عالم محوسب يقوم على توسيع نطاق العمل المأجور.
المراجع:
1 ــ هكذا تكلّم زاردشت، فريديك نيتشه ، ترجمة علي مصباح ، ص 154 ، ج 2 ، منشورات الجمل.
2 ـ نقض نظرية المركز، أوما ناريان و سندرا هاردنغ ، ترجمة طريق الخولي ، عالم المعرفة ، جويلية 2013 ، عدد 396












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه


.. اعتصام لطلبة جامعة كامبريدج في بريطانيا للمطالبة بإنهاء تعام




.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح