الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الاختلال- العالمي الجديد

إبراهيم فتحي

2015 / 4 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


بعد نهاية الحرب الباردة تعلقت آمال الجميع بسلام موعود لم يتحقق، وظل الناس يعانون حروبًا وانقلابات وانعدامًأ للتسامح وكل أنواع الأصولية دينية وعنصرية واستعمارية. كما أن فضائح شبكات التجسس على المواطنين قوت من مشاعر الاستخفاف بالمؤسسات المزعوم أنها ديمقراطية وبسوء أعمالها وتأكيد أننا نحيا في فترة أفول الديمقراطية. وملأت فراغ ما كان يسمى المنظومة الاشتراكية أشياء مختلفة في بقاع مختلفة في بقاع مختلفة من العالم منها الدين، وليس الإسلام وحده؛ فإحصائية نمو الدين في العالم الغربي درامية. وقد شهدنا صعود امبراطورية كوكبية ذات سلطة لم يسبق لها مثيل هي الولايات المتحدة. وتلك الامبراطورية لا يمكن الآن تحديها عسكريًا، كما تسيطر على سياسة العولمة، حتى على سياسة البلاد التي تعاملها كأعداء. فالمهم الآن ليست المبادئ بل مصالح القوة المسيطرة على العالم. ولم يعرف العالم مثل قوة هذه الامبراطورية الأمريكية من قبل، ومن غير المحتمل أن توجد مثلها من جديد، فالولايات المتحدة موقع التنمية الاقتصادية الأحدث الملحوظة. وعلى الرغم من نواحي هذا التقدم في التكنولوجيا الرأسمالية، لم تكد الولايات المتحدة تتغير طوال مائة وخمسين عامًأ في هيكلها السياسي وعلاقات ملكيتها. إنها مسيطرة عسكريًأ واقتصاديًا وحتى ثقافيًا وسلطتها الناعمة تسيطر على العالم. ولكن حتى الآن لا توجد أية علامة على أي تغير سياسي في علاقات الملكية من الداخل. فهل سيستمر هذا الوضع؟
ثمة جدال منتشر حول مسألة إن كانت الامبراطورية الأمريكية تسير نحو الانهيار. ويرى باحثون أن ذلك تفكير غير موضوعي، تفكير إشباع الأمنية. حقًأ لقد كان للامبراطورية الأمريكية نكسات، فقد ظن بعض المفكرين أن هزيمة فييتنام في 1975 حاسمة، ولكنها لم تكن كذلك. ولم تشهد الولايات المتحدة نكسات أخرى على هذا المستوى منذ ذلك الوقت، وتظل شديدة الاستعصاء على الهجوم وإن عانت نكسات سياسية وإيديولوجية على نطاق شبه القارة في أمريكا الجنوبية. فقد بينت سلسلة الانتصارات الانتخابية للأحزاب اليسارية في فنزويلا وإكوادور وبوليفيا أن هناك بديلاً ضمن الرأسمالية نفسها، فلم ترفض أية واحدة من هذه الحكومات النظام الرأسمالي، ويصدق هذا على الأحزاب الصاعدة حديثًا في أوروبا في اليونان أو إسبانيا، فهي لا تقدم تحديًأ نظاميًا للرأسمالية، والإصلاحات المقترحة تمكن مقارنتها بسياسات قدمها آتلي في بريطانيا بعد 1945. وبرامج أحزاب أمريكا الجنوبية اليسارية على سبيل المثال اشتراكية ديمقراطية مقترنة بحشد جماهيري. ولكن الإصلاحات الاشتراكية الديمقراطية صارت لا تحتمل من جانب رأس المال العولمي الذي لا يسمح بأي تحد للنظام. وقد تطور شكل من الحكومة تمكن تسميته بالوسط الأقصى أو الوسط المتطرف يحكم مساحات واسعة من أوروبا ويشمل أحزابًا من يسار الوسط ويمين الوسط وأحزاب الوسط، ويشعر لفيف كبير من الناخبين الشباب خصوصًا أن التصويت لا يحدث اختلافًأ على الإطلاق نظرًا إلى طبيعة الأحزاب القائمة.
وفي العالم العربي كانت الحرب على العراق من أشد الأعمال تخريبًا في العصر الحديث بل أشد وطأة من هيروشيما ونجازاكي حيث تم هناك الاحتفاظ بالهياكل الاجتماعية والسياسية للدولة فقد تم الإبقاء عليها لمواجهة عدو آخر هو الشيوعية. ولكن العراق عومل كما لم يعامل بلد آخر فقد نزع من البلد كل ما هو حديث، خدمات التعليم والعلاج وسلمت السلطة من جانب الغرب لأحزاب كهنوتية شيعية عمدت إلى حمامات دم انتقامية. لقد قوى الاحتلال أولئك الذين ظن أنه يدمرهم ودمرت الحرب أفغانستان وأدت إلى مزيد من عدم استقرار باكستان، وهاتان الحربان لم تكونا بفائدة ملحوظة، ولكنهما نجحتا في بث الفرقة في العالم الإسلامي والعربي مهما يكن ذلك غير مقصود. وكان هناك تطهير عرقي في بغداد حيث سلك الأمريكان كما لو كان كل السنة أنصارًا لصدام على الرغم من أن كثيرين منهم سجنوا في حكمه، ولكن ذلك التصلب أساء إلى القومية العربية طويلاً، وأدى إلى ظهور جماعات إرهابية تهدد الغرب نفسه. وتظل اسرائيل القوة الأكثر أهمية للولايات المتحدة وهي تتمدد بينما ينهزم الفلسطينيون. ودول عربية عديدة مخربة مثل العراق وسوريا واليمن ويستمر التفسخ في الشرق الأوسط.
أما في أوروبا فالولايات المتحدة مسيطرة على عدة مستويات وخصوصًا المستوى العسكري. وصارت بريطانيا شبه تابعة بعد الحرب العالمية الثانية: وأوروبا مكرسة لمصالح رجال المصارف دون رؤية اجتماعية تترك نظام الليبرالية الجديدة دون تحد.
وهناك صعود الصين حيث حققت رأسماليتها مكاسب هائلة وتتبادل الاقتصادات الصينية والأمريكية الاعتماد بوضوح مع تقدم الأمريكان، وثمة استثمار أجنبي ضخم في الصين. ومن البلاهة التفكير في أن الصين الصاعدة ستحل محل الولايات المتحدة اقتصاديًا وسياسيًا وإيديولوجيًا وعسكريًا.
وماذا ستكون خاتمة كوابيس هذا القرن؟ يبين بعض المفكرين ومن أبرزهم طارق علي أن هناك حاجة لبنية بديلة للاتحاد الأوروبي تتطلب المزيد من الديمقراطية في كل مرحلة عند المستوى المحلي ومستوى المدينة وعلى المستوى القومي والأوروبي، وأن هناك حاجة إلى جهد مشترك للعثور على بديل لنظام الليبرالية الجديدة. وقد رأينا بدايات مثل هذا الجهد في اليونان وإسبانيا ويمكن انتشاره. والكثيرون في شرق أوروبا يشعرون بالحنين إلى المجتمعات التي وجدت قبل سقوط الاتحاد السوفييتي. وفي استفتاء أجري في ألمانيا الشرقية القديمة أجاب 82٪-;- من المستطلعين أن الحياة كانت أفضل قبل التوحيد. فالمال لم يكن هو الشيء المسيطر وكان هناك حس بالجماعة وتسهيلات وحياة ثقافية أفضل، ولم يكونوا يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية.
فالعالم مختلط مرتبك فاقد للمنطق ولكن مشكلاته لا تتغير، بل تأخذ أشكالاً جديدة. فالهوة بين الأثرياء والفقراء تزداد ضخامة بحيث صارت لا تحتمل. ولا يريد الشعب أن تكون الدولة بين أيدي القلة ولا أن تسمو أي نخبة بامتيازاتها فوق الجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الامل
صالحي ( 2015 / 4 / 12 - 19:32 )
كلنا امل في ان تنتشر كل من التجربة الواعدة في كل من اليونان وبداياتها في اسبانيا في كسر الهيمنة والوحشية المطلقة للنظام الليبرالي الغربي الحديث غير اني مازلت متشائما وانا ارى تزلف الزعماء الغربيين بل وحتى النخب الاوربية الى شيوخ النفط والغاز الخليجي رغم علمهم الاكيد بانهم هم وعقيدتهم رعاة الارهاب في كل العالم

اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ