الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انزلاقات السيسي

مصطفى مجدي الجمال

2015 / 4 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


يبدو أن عبد الفتاح السيسي – كشخص- على وشك أن يحسم أمره بالإعلان عن الانضمام الصريح إلى قوى الثورة المضادة. ولا يخلو من الوجاهة رأي البعض أن السيسي يقود من الأصل عملية التفاف على الثورة بدعم من جهات متعددة، مثل البيروقراطية المصرية وشرائح الرأسمالية الكبيرة (بالتعبيرات السياسية المتعددة للاثنتين من تيارات تسلطية وسلفية وليبرالية وقومية بل وبعض القوى الثورية المترددة).. فلدى هؤلاء من الشواهد التي تثير الانزعاج، وإن كان مكبوتًا في بعض الحالات بسبب خشية الاصطفاف إلى جانب جماعة الإخوان، والرغبة في إنقاذ الدولة المصرية من الفشل "مهما غلا الثمن"..

فعلى المستوى الأمني يبدو النظام مشتتًا- عن حق- في اتجاهات عدة.. بينما كان منتظرًا منه أن يركز مجهوده الأكبر على محاربة الإرهابيين، ومكافحة الجريمة وفوضى الشارع المصري، إلا أنه أرهق نفسه في حملات اعتقال عشوائية شملت حتى أعداءً للإخوان، وإقدام معظم القضاة على إصدار أحكام ثقيلة الوطأة وبالجملة بروح انتقامية وفي تزيُّد على السلطة نفسها، وكأن هذه اليد الثقيلة لن تترك نتائج سلبية.

وفيما يتعلق بالحريات وإرساء الديمقراطية فإننا نعيش نكسات متتالية يصعب حصرها، وهي الممارسات التي تستفيد للأسف من شعور متزايد حتى وسط الطبقات الشعبية (وبتغذية منهجية من الإعلام الرسمي والخاص) بالإحباط من "النشاط" الثوري وتحميله مسئولية التردي الذي يعيشه المواطنون على كافة المستويات..

فرؤوس نظام مبارك التي انزوت لفترة لم تَطل عادت لتُطل بوقاحة، خاصة بعد مهرجان البراءات التي يصدرها القضاء بحقهم فيما يظهر أيضًا كنوع من الانتقام من الثورة.. بينما شباب الثورة يحاكَم محاكمات متعسفة وتوقع عليه أحكام غرائبية على أتفه "المخالفات".. ناهيك عن القمع العنيف للتظاهرات والاعتصامات العمالية.. أما التشريعات المعادية للحريات ومختلف الحقوق الطبيعية فهي تتكاثر وتزداد تعسفًا..

وإذا كانت السلطة الحالية في حالة عداء وثأر مع جماعة الإخوان فإن الشائعات والمعلومات تتواتر في الآن نفسه عن عملية مصالحة بطيئة بين النخبة الحاكمة وبعض نخبة جماعة الإخوان عبر فترة "تأديب" وإعادة صياغة شروط العلاقة بين الطرفين.. والأخطر من ذلك هو التحالف والهامش المتسع للجماعات السلفية التي يمكن أن تحقق مكاسب برلمانية كبيرة أيضًا.. ولسنا بحاجة لتأكيد أن السلفية الوهابية الوافدة خلال العقود الأربعة الأخيرة قد استطاعت اختراق سائر المجتمع والأزهر نفسه، مما ينذر بتفاقم ما نشاهده الآن من دعوات ظلامية تشكل الأساس المادي والبشري والفكري للإرهاب وللاحتقان الطائفي.. خاصة مع تدحرج المنطقة بأكملها صوب صراع مذهبي خطير..

ولا يمر يوم إلا وتصدر تشريعات أو تتخذ إجراءات لتدليل رأس المال المصري والعربي والدولي، ويعلن عن مشروعات عملاقة لم يسبق أن نوقشت في أي محفل مجتمعي أو علمي.. وبالمقابل يجري تفريغ شعارات العدالة الاجتماعية من محتواها ولا يبدو أن الموازنة العامة ستلتزم بالنسب المنصوص عليها دستوريًا لصالح الخدمات العامة..

غير أن أخطر الظواهر على الإطلاق في هذا الجانب هي التوسع الهائل في دور أجهزة الخدمات المدنية والهندسية بالقوات المسلحة في الاقتصاد والمشروعات الكبرى والصغرى على السواء، وبمستويات غير مسبوقة. ورغم أن هذه الممارسات غير نادرة في نموذج "الدولة التنموية" المعروف، فإنه يثير تساؤلات مشروعة تتعلق بالجدوى والكفاءة والشفافية والنزاهة.. ولا يمكن أن نتصور أن إحدى مؤسسات الدولة بالذات خالية تمامًا من سائر عيوب المؤسسات الأخرى.

كما أن الممارسات والمخططات الاقتصادية كلها تسير على ذات نهج الليبرالية الجديدة المستمر منذ السبعينيات، ولم يفضِ إلا إلى تدمير منظومة الإنتاج الوطني وإفقار غالبية الشعب وتفشي البطالة والتضخم، وارتهان القرار الوطني، وبالأحرى تمليكه، للمؤسسات المالية الدولية والبنوك والشركات والدول الكبرى.. ومن ثم فإن الشروط التي تعقد على أساسها القروض أو توقع العقود تأتي تعبيرًا عن هذا الاختلال في عدم الملكية الناجعة للقرار الوطني..

بديهي إن تحقيق تنمية حقيقية يتطلب أولاً تعبئة المدخرات والفائض الاقتصادي الوطني، وإشراك الشعب في وضع أولويات وخطط التنمية، وضبط السوق والتجارة الخارجية والجهاز المصرفي، وضرب الاحتكارات (خاصة في الإعلام والاتصالات والمقاولات والتجارة وبعض الصناعات..) وتصفية الأنشطة الطفيلية والمضاربية ومكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية.. وإنهاء عمليات التراكم الرأسمالي للبليونيرات بالاعتماد على جهاز الدولة (أو باستحلابه) وعلاقات المصاهرات والشللية وشبكات المصالح والزبونية السياسية. وهي الطريق التي لا نجد أي مؤشرات على أن السيسي يفكر في اللجوء إليها..

لكن التطور الأخطر يلوح الآن في الاستدراج إلى حروب إقليمية دون هدف واضح أكثر من الانسياق لضغوط واعتبارات خارجية، بعضها مالي، أو الرغبة في تعظيم شرعية النظام دوليًا. والأسوأ أن تظهر الدولة المصرية بتصنيف التابع الإقليمي، خاصة وأن المبررات التي تساق مثلاً للانجرار إلى محرقة اليمن (كحماية باب المندب) لا تبدو مقنعة بالمرة. ولم تقف الأمور عند هذا الحد فقرار المشاركة في العمليات الخارجية (من حيث المبدأ وحجمًا وزمنًا ونوعًا) يُتخذ بعيدًا تمامًا عن أعين المجتمع، مع الاكتفاء بتعبئة بلهاء من بعض الأبواق الإعلامية..

ليس في كل ما سبق أي مفاجأة.. فهو مثل النبأ المنطقي السيئ الذي ينتظره المرء كقدر محتوم، ولكن لا مانع أن تداعبه الآمال في ظهور معجزة، لعل مبعثها تجلي "لحظة بونابرتية" يمكن فيها أن يتخلص الزعيم من قيود الطبقة إلى حد ما، وأن يحاول حماية الرأسمالية من نفسها.. خاصة وأن "الزعيم" الذي جاءت به انتفاضة شعبية لا بد أن يتمتع بالذكاء الكافي لإدراك مغزى الدور الشعبي في تصعيده..

لكن أغلب الظن أن عبد الفتاح السيسي يحكم بعقلية تكتيكية ويصرف أموره أولاً بأول، وحسب الأحوال، وبالأحرى هو يدير أزمة الطبقة الحاكمة، لا أكثر، بما يستلزم تقديم بعض المكاسب أو "التنازلات" للطبقات المحكومة.. ويضطلع بتحقيق التوازنات والتصفيات والتسويات بين أجنحة الطبقة الحاكمة.. وبوجه عام يحافظ على بقاء الدولة وحماية المجتمع من التفكك أو الصراعات الأهلية..

ولعل الهاجس الأخير (حماية الدولة والمجتمع) هو أهم تراجع و"اعتدال" مستويات الاحتجاج الشعبي ضد هذه الممارسة أو تلك.. لكن الرئيس سيخطئ خطأً بشعًا إذا تصور أن الشعبية رصيد ثابت أو قابل للزيادة فقط.. ومثلما هو حريص على مراعاة الطابع المحافظ للقيادات العليا في المؤسسة العسكرية فمن باب أولى أن يراعي أيضًا القطاعات الشعبية الواسعة التي تعاني من نيران الغلاء والبطالة والفساد وتدهور الخدمات...الخ. ولعل استجابته- كرئيس- للمطالب الشعبية هي التي يمكن أن تحميه حماية حقيقية وتقلل من ضغوط المؤسسة والضغوط الخارجية عليه كي ينتهج سياسات معينة.

إن فعلَ الرئيس هذا فإنه لن يكون نتاج موقف أيديولوجي منه خلاصته الإيمان بالشعب أو التعبير عن مصالحه، وإنما على أساس نفعي بحت لبناء كاريزما تاريخية أو على الأقل التخفف من الضغوط وربما خروج آمن من السلطة.

بالطبع هناك من سيلقنونني الدروس عن الجوهر الطبقي للنظام، وعدم الاكتراث بالدور الفردي للزعماء والرؤساء.. وأنا أعتبرها بالمناسبة دروسًا جيدة.. ولكن لا بد من إدراك أننا إزاء ظرف استثنائي.. وأن هذا الرئيس ليس له ماضٍ سياسي ولا حزب سياسي.. بل إنه يغير مجموعات مستشاريه بمعدلات سريعة (وإن كان اتجاه التغيير عمومًا صوب المزيد من اليمينية)..

وهناك عامل مهم آخر وراء ما نشاهده الآن من ارتداد.. ألا وهو العامل الخاص بتراجع التعبئة الثورية، وتفكك جبهة القوى الديمقراطية، والمزاج الجماهيري السائد الذي يتسم بالبحث عن الأمن والاستقرار بأسرع ما يمكن وبأي ثمن..

إن انزلاقات السيسي على مختلف الأصعدة لن تشكل مفاجأة.. أما المفاجأة الحقيقية فستكون عدم قدرة القوى التقدمية والديمقراطية على ممارسة الضغوط على النظام من أجل مكاسب إصلاحية للشعب، ناهيك عن عدم قدرتها على توحيد صفوفها على طريق تعبئة الشعب من أجل تغيير ثوري جذري..

الخلاصة أن الأمور كلها - ثورة وإصلاحًا- تتوقف علينا نحن أساسًا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيسى والحزب الوطنى
احمد سعيد ( 2015 / 4 / 12 - 15:56 )
فى حقيقه الامر ان هذا السيسى كان اكبر خابور دمر مصر لفتره طويله , الرجل كان من ضمن عصابه مبارك الزنيم والحزب الوطنى الغير شريف وكان يسرق ويهبر مثل باقى افراد عصابه مبارك اللص القبيح ,هذا السيسى المجرم وعصابته من قياده الجيش اللصوص الكذبه والفاسدين التفوا حول حركه 25 يناير وفرغوها تماما من محتواها وعملوا مع اعلام مجرم عميل على تزييف الامور وخداع الشعب وتم اخراج كل اللصوص والمجرمين وعلى رأسهم الزنيم مبارك واولاده من السجون بمساعده قضاء فاسد عفن حتى النخاع والان هم احرار طلقاء سعداء بالملايين التى سرقوها من دماء الشعب ,فى نفس الوقت تم الزج بكل الثوار الشرفاء والذين نادوا بالحياه الكريمه والعدل والكرامه الانسانيه الى السجن المشدد ,هذه كارثه بجميع المقاييس لان نظام مبارك يحكم مصر فى شخصيه الافاق السيسى الخسيس الفاسد


2 - يا بتاع التفويض
مراقب ( 2015 / 4 / 12 - 17:40 )
راجع مقال المجد للشعب المصري بقلم كاتب اسمه مصطفي الجمال علي موقع الحوار المتمدن-صحيح نخب كوميديه


3 - لا يسخر قوم من قوم
مصطفى مجدي الجمال ( 2015 / 4 / 12 - 20:54 )
طبعا -النخبة الكوميدية- أفضل بكثير من الجبناء أو المخبرين السريين الذين يتخفون وراء أسماء مستعارة.. ولجان الإخوان الإلكترونية نشيطة وقابضة ومستكفية


4 - من اعمالكم سلط عليكم
مراقب ( 2015 / 4 / 12 - 22:58 )
الجبناء حقا هم من يحاولون اخفاء كتاباتهم السابقه والطرمخه عليها وكان شيئا لم يكن فربما يظلون محتفظين بيساريتهم المزيفه امام الشباب الغر الذي يستمع اليهم اوينضوي معهم في دكاكينهم او قل في اكشاكهم الحزبيه التي اوشكت علي الافلاس التام والاغلاق النهائي بعد تصفيه بضاعتها الرديئه التي اوشكت اعلي استنفاذ تاريخ صلاحيتها وربما كنت قد احسنت صنعا لو كانت كتاباتك السابقه باسم مستعار فربما حماك انت اوغيرك من حساب التاريخ الذي لايرحم (وللقارئ اقول راجع ايضا للكاتب مقال بالموقع تحت عنوان بدون لف او دوران


5 - الثورة المضادة لها زمام المبادرة
علاء الصفار ( 2015 / 4 / 13 - 15:38 )
تحيات الاستاذ م. جمال
الفوران الثوري لشعب مصر له كل الاحترام, هكذا سبق الشارع المصري التنظيمات اليسارية, وهو بلا رأس يقوده. فعرفت امريكا ان ين يكمن الضعف, فساعدوا أولا الاخوان للاستحواذ على السلطة من اجل تمرير سلطة دينية على غرار تمرير الخميني الى ايران لتامين السلطة لتكون بيد البرجوازية, اي للخلاص من انفلات الثورة لتقع بين الاحرار ومن ثم بين اليسار أو الشيوعيين مستقبلا, ضع خط على كلمة مستقبلا لان امريكا تعمل على امر العقود فكانت امريكا تامل ان تتسلط دولة الاخوان على الشعب لمدة 3 عقود لكن خرج الشعب ب20 مليون ورمى سلطة الاخوان لمزابل التاريخ فاحرج امريكا, لذا قدمت البرجوازية المصرية ممثلها الادهى محمد السيسي الذي راقب الفوران الثوري وهزيمة الاخوان فجاء بتكتيكه المراوغ لامتصاص الهيجان بابهة الكلمات والوعود الفارغة, لكن الزمن يتطلب انجازات وخدمات لامريكا و السعودية, فلذا سارع ليخطو السيسي ليكون التعري والفضيحة, فاقتصاديا يخدم طبقة القطط السمان التي بدئها السادات وخارجياً كان الدخول في الحرب على اليمن ليساهم مع الامة الرجعية الوهابية ليرتفع دور مصر على الساحة العربية,لكن شكل رجعي تعسفي !ن

اخر الافلام

.. موريتانيا: ماذا وراء زيارة وزيريْ الدفاع والداخلية إلى الحدو


.. إسرائيل وحسابات ما بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة في غزة




.. دبابة السلحفاة الروسية العملاقة تواجه المسيرات الأوكرانية |


.. عالم مغربي يكشف عن اختراع جديد لتغيير مستقبل العرب والبشرية




.. الفرحة تعم قطاع غزة بعد موافقة حماس على وقف الحرب