الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم.. سيرة وسريرة [10]

محمد عبد المنعم عرفة

2015 / 4 / 13
الادب والفن


3 ، 4 - علم الكتاب والحكمة:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم أصحابه علم الآيات في الآفاق وفي الأنفس، ثم علمهم علوم تزكية النفوس، ثم فتح لهم علوم الكتاب والحكمة. وقد تأخر علم الكتاب والحكمة عن علم تلاوة الآيات وعلم تزكية الأنفس، فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه كنا نتعلم الإيمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن نتعلم القرآن، حتى إذا ما تلي علينا القرآن ازددنا إيمانا على إيماننا. وهذا المنهج هو المنهج الذي أخذ به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وفيه يقول تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (لأنفال2 :4) .

ولما تليت الآيات وزكت النفوس أصبحت القلوب مهيئة لتقلي العلم النافع وهو علم الكتاب والحكمة. لقد انجلى القلب وأشرقت أنوار القدس الأعلى على أرض النفس وتأهل صاحب القلب السليم والنفس الزكية لتلقي العلم الذي سيطبقة عملا. وفي الكتاب علم الأحكام الشرعية ، وهذه العلوم لها بداية ولها نهاية وإن طال مدى الطلب في دائرتها. وكتاب الأحكام الشرعية يكلف به المسلم لتصح عباداته الكثيرة.

وإذا ما جعل الإنسان قلبه مهبطا لتنزل آيات القرآن (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ )(الاسراء: من الآية82) فإن الله يتجلى عليه بعلوم العلم الخامس وهو العلم اللدني (وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)(البقرة: من الآية151) ليدخل في دائرة الذكر الأكبر (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة:152) ، فينقله الإنسان ما يقال وإن كان صعبا لأن مقدمة علوم الآخرة موجودة هنا في الدنيا، فإذا تعرض لها هنا كان مؤهلا للتلقي هناك. وبعد علوم الأحكام الشرعية تصح الصلاة وتصح الزكاة ويصح الحج ويصح الصوم، ويدخل الإنسان في دائرة حكمة الحكم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من أخلص لله أربعين صباحا تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) ، والإخلاص سر بين الرب وعبده، فيعلمه ربه ما لم يكن يعلم.

إن قراءة القرآن شيء والتدبير في معانيه شيء آخر، والنبي صلى الله عليه وسلم يحض على التفكر في آلاء الله، ويحض كذلك على التدبر في كلام الله. إن كلام الله صفة قديمة أزلية لا تنتهي معانيها (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ )(لقمان: من الآية27) ، وأوجد الله فينا ما يسمى بالقابل النوراني وهو الاستعداد الروحي لفهم كلامه والاندماج فيما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا ما أكرم الله العبد بالقابل النوراني وأكرمه كذلك بالعالم العامل أو المرشد الكامل انفعل قلبه، وتلقى بسر القابل من رب العالمين، وفقه عن سيد المرسلين.

وقال الإمام رضي الله عنه "إنما رمز الرجال كنوز أسرارهم لأن الحكمة جلت أن يباح بها إلا لأهلها، وهي قوت الأرواح، فيجب أن تظهر وأن تنكر حتى يلتقطها أهلها من لسان العارف أو من المسطر على الأوراق من العوارف" . قال صلى الله عليه وسلم (رب مبلغ أوعى من سامع). إذا لم تتضح لك الحكمة عند مطالعة الرموز فهاجر إلى الرجل أين كان، فإن فقدته فلا تفقد رياضة نفسك وتهذيبها.

5- العلم اللدني:
ولا نهاية لهذا الميدان فهو علم الأسرار، وقد أعطانا ربنا الإشارة عنه مخبرا عن خضر موسى عليهما السلام : (فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (الكهف:65) وهذا العلم اللدني لا يكون نتيجة للتقوى فقط، لأن التقوى سبب وفيها مجاهدة ينتجان طهارة النفس وسلامة للقلب واتصالا للروح بأصلها وعالمها، أما العلم اللدني فإنه هبة خالصة لا شأن لها باستقامة أو سير وسلوك أو مجاهدة للنفس وإن كان هذا كله مطلوب، إنما هي فضل محض على من يشاء الله من عباده المتقين بلا علة عمل، يقول الإمام رضوان الله عليه مبينا ذلك:

كم عامل في ظلمة لا يشهدن * إلا وساوس نفسه بخيال
والفضل فضل الله يعطي منه * بالحب في طه العزيز الغالي
من لحظة في الحب تشهد وجهه * وتفوز منه بسره والحال
تعطي العلوم وتشهدن فتَرجِمن * بلسان أهل القرب والأبدال

وهذا العلم يشير المصطفى صلى الله عليه وسلم إليه بقوله (إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله فإذا ذكروه أنكره أهل الغرة بالله تعالى). وهو علم لكن عند أهله وهم أهل القرآن ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا، وهم أهل الله وخاصته حسب حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (أهل القرآن هم أهل الله وخاصته).

وإذا كان القارئ للقرآن من أهل الصدق في القراءة ومن أهل الإقبال في التلاوة، صقل الله بأنوار التلاوة مرآة قلبه، فظهرت فيها صور التجليات الإلهية التي لا حصر لها والتي لا تنتهي ألوانها، فتظهر آثار التجليات على الجوارح الظاهرة.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علمه ربه علوم الأولين والآخرين وآتاه جوامع الكلم، فسيدنا عيسى كلمة من كلمات الله، والنبي صلى الله عليه وسلم يمثل جوامع الكلم، والكلم إطلاق تفيد اللانهائية، وبالرغم من ذلك يقول لـه ربه تبارك وتعالى (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(طـه: من الآية114) مع أنه علمه وكاشفه وجمع لـه الأزل والأبد في آن واحد، وكان وهو في حجراته يجتمع بعالمي الإنس والجن، والملائكة والأرواح العالية، لا تحجبه مادة ولا تمنعه سماء، ولا يحجب سمعه ببعد مسافة، وكان يرى من خلفه كما يرى من أمامه، ويبيت عند ربه فيطعمه ويسقيه، ويسمع ما في السماوات ومن في السماوات ويراهم، ويسمع أطيط السماء ويرى ازدحام الملائكة فيها.. ومع كل هذا فربه يقول لـه (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(طـه: من الآية114) . ولكن ما هو العلم الذي يطلب الزيادة منه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أهو علوم الآيات وتزكية النفوس والكتاب والحكمة؟ أهو العلم اللدني؟ والعلم اللدني على قدرنا نحن لا على قدره هو؟ إنها علوم غيبية ذاتية تتعلق بذات الأحد تعالى ، وعلوم الغيب المصون هي علوم السر المكنون، ويشير إلى ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله (ألا أني أوتيت القرآن ومثله معه) ويرددها ثلاث مرات. ومثل القرآن هنا سر انطوى عليه قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يكاشف به إلا أهل سابقة الحسنى، ولا يفاتح بأسراره إلا أهل المحبة الصادقة والتسليم الكامل.

إن هذه العلوم الخمسة كاملة قد ورثها الإمام رضوان الله عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفضل فيما أقيم فيه، وعلمها لأحبابه، فهو صورة الذكر الأكبر، والسعيد السعيد حقا من أكرم بمعرفته وخطط لـه قدره مقابلته أو مقابلة من قابله أو الأخذ ممن أخذ منه أو عمن أخذ ممن أخذ ممن أخذ منه وهكذا.

ويقول الإمام شارحا هذه الأسرار:
هذه الأسرار لا تفهم بميزان العقول، ولا تدرك بضوابط الفهوم، ولا تنال بمدارسة العلوم، وإنما هي صورة المعلوم تنقش على جوهر النفس بعد التسليم الكامل، وتزكية النفس بالمسارعة إلى العبادات، وتطيرها من قاذورات البشرية ورعونات الإنسانية، وإطفاء نار الأطماع والحظوظ والآمال التي اقتضتها القوى الجسمانية، كل ذلك لا ليدرك الأسرار ولا ليتحصل على مشاهدة الأنوار.. بل قياما بما أمر الله سبحانه واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يجاهد نفسه في ذات الله حق الجهاد خالصا مخلصا، وعندها يورثه الله تعالى ذوق هذه الأسرار وينشله سبحانه وتعالى من ظلمات الشك والشرك والظلومية والجهولية إلى أن يعيده كما بدأه، مشاهدا لجمال ربه سامعا لكلامه سبحانه منه كما شهد وسمع يوم ألست.. قال الله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (التين4 :6)، وقال سبحانه وتعالى (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ )(البقرة: من الآية257)، فمن أخرجه الله سبحانه من الظلمات إلى النور فشهد ما لم يشهده غيره فتغيرت أخلاقه وعاداته وصفاته حتى صار غريبا بين أهله ولام عليه من هو في الظلمات، أيحب أن يعود إليها بعد أن أخرجه الله منها؟ إنما ذلك يكون لمن لم يشهد تلك المشاهد العلية ولم يذق من تلك الأسرار الربانية ما يجعله يسارع إلى محاب الله ورضوانه، قال العاشق: أعد ذكر من أهوى ولو بملامي ** فإن أحاديث الحبيب مُدامي

وتلك المواهب اللدنية يقول فيها الإمام من مضنون علوم الخلوة:
"العلم بالله عن شهود ووجود، لا عن فهم للقول وعقل للمعاني.. إذ الفهم لا يكون إلا للعلم بأوامر الله تعالى، والعقل إنما يستعمل في إدراك آياته سبحانه وتعالى وفهم أوامره وإدراك آياته سبحانه وتعالى وفهم أوامره وإدراك آياته جلت قدرته وتقدست أسماؤه ، فالهبات اللدنية:
مبدؤها يقين عن ذوق وتدبر وعلم بالأصول، أصول الكتاب العزيز والسنة المطهرة، يقوى حتى يساوي المشاهد لتمكن الموقن بما ذاقه من فهم الكتاب العزيز والسنة المطهرة تمكنا عن وجد وشوق وصدق وإخلاص.
ووسطها مراقبة استحضارية لمشاهد ما تيقنه من عوالم الملكوت الأعلى ليزداد علما ويكمل يقينا، وتقوى لطائف القلب الذي هو محل نظر الحق سبحانه قوة تقهر بها عوالم النفوس الحيوانية والقوى الإنسانية والصفات المجهول عليها الإنسان حتى تكون أنوار الملأ الأعلى تسطع على لطائف القلب بأنوار الأسرار وأسرار الغيوب الملكوتية وبهذه المراقبة يكون كأنه ملك مقرب لمشاهدة عوالم الملائكة بنور البصيرة وعيون السريرة.
وكمالها باصطياد الآيات العالية من حظيرة القدس الأعلى وفراغ قلبه مما سوى الحق وآياته وقدوم الأنوار، وتتوالى عليه فترقق عوالم عناصره السفلية وتقوى عوالم ملكيته حتى تتفتق عين بصيرته وتقوى أنوارها، فتشرق على عوالمه المادية فيرى بعيون البصيرة أسرار الغيوب، ويلوح من شدة الأنوار عليه ودوام التوجه منه أنه يرى بقواه الظاهرة محسوسا مشاهدا، وهو الغريب في عشيرته وإن كانوا أهله وجيرانه، العدو في قومه وإن كانوا أرحامه و (طوي للغرباء)، وهذا نهاية الكشف والمشاهدة، وهو مقام عين اليقين وحق اليقين ورتبة الصبغة الإلهية ومنزلة الرجل الرباني وحال العناية الصمدانية، يرى ولها ولا وله عنه-جه، مهيما ولا هيام به، مجنونا ولا جنون يعتريه، وإنما انكشفت لـه الآيات انشكافا أشهده في الآفاق وفي نفسه ما به قام كل شيء بقيومية الحي القيوم وقدرة القادر الحكيم وتدبير المريد البديع، فصار شاهدا مشهودا، ولمقامه عند ربه أقسم به (وشاهد ومشهود). ولدى هذا الكشف تظهر لـه سيما العالم وتنعكس عليه ظلماتهم سواء بإقبال عليه أو إنكار، فإن كان ممن اطمأنت قلوبهم بذكر شهد الحق وغاب عن سيماه الخلق واطمأن قلبه واستأنس بالله تعالى في الحالين ونطق بالحكمة لا يغيره إقبال ولا إدبار، لا يؤثر عليه تسليم ولا إنكار، وهو الرجل المؤهل للوراثة المحمدية الذي ينتقل لحق اليقين واليقين الحق، مقدمة لو رفع الحجاب ما ازداد يقينا، وهذا المقام الإشارة فيه عبارة والعبارة فيه عماء وظلمة، والمتمكن فيه فرد الوجود في عصره، إليه الإشادة ومنه الاستمداد وبه الفيوضات والأسرار، وهو قلب العالم الذي ينظر الله تعالى إلى العوالم فيه".

يتبع









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي