الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهجمات الانتحارية وحصادها المُرّ

منعم زيدان صويص

2015 / 4 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


خلال العقدين الماضيين رأينا الهجمات الانتحارية تنتشر كالنار في الهشيم ، تنفذها تنظيمات تكفيرية ومتطرفة، تدعي أن مبادئها جزء من التعاليم الدينية، وهذه الهجمات المأساوية المرعبة هي المفضلة لدى داعش وجبهة النصرة، وفروع القاعدة الأخرى، ومثيلاتها في الدول الإسلامية، وكل المنظمات التي فرخها الإسلام السياسي في إفريقيا وآسيا، وخاصة في باكستان وأفغانستان، وكانت نتائجها مؤلمة. وكلنا يذكر الهجمات على فنادق عمان عام 2005، وفي دول أوروبيه أيضا. وغالبا ما ينفذ هذه الهجمات شباب يافعون متحمسون ومقتنعون بما يفعلون، يجندهم أعضاء من هذه المنظمات أكبر سنا وأكثر الخبرة يُحبون الحياة ويستمتعون بها، فقلما نجد انتحاري ناضج. والانتحاريون يمكن أن يكونوا شبابا أو فتيات أو أطفال، أو حتى معاقين. وأدت هذه العمليات في معظم الأحيان إلى إيذاء وقتل الشعوب التي يقول مخططو هذه الهجمات أن هدفهم تخليصها من "ظلم الطغاة،" وخلقت بلبلة بين الناس في البلدان التي تنفذ فيها. ففي العراق، استخدمت هذه العمليات على نطاق واسع بعد الغزو الأمريكي عام 2003، ونادرا ما كانت ضد المحتلين الأمريكان.

في العراق، أعلن رجل القاعدة أبو مصعب الزرقاوي صراحة الحرب على ما سماهم "الرافضة،" ودفع بانتحارييه إلى أي مكان يجتمع فيه الشيعة. وفي إحدى هذه العمليات، في 29 آب 2003، قتل انتحاري في سيارة مفخخة 125 عراقيا وجرح ضعفهم في باحة مسجد الإمام علي في النجف. ونتيجة لنداءات آية الله السستاني لم تحدث هجمات شيعية مضادة إلى أن تم تفجير أقدس مكانين للشيعة في سامرا يوم 22 شباط 2006. وعندها لم يعد باستطاعة السستاني أو غيره السيطرة على الهائجين الشيعة. وخرجت المليشيات الشيعية من القمقم وكونت ما أصبحت تسمى "فرق الموت" وبدأت بقتل السنة على الهوية.

لم تُعرف الهجمات الانتحارية في التاريخ الإسلامي إلا زمن الحشاشين، الذين حاربهم العالم الإسلامي طويلا. ومعظمها كان بهدف اغتيال شخصيات أو زعما. وسُمي الحشاشون بهذا الاسم لأن قائدهم، حسن الصباح، الذي عاش في القرن الحادي عشر،واتخذ من قلعة ألموت (Alamut) في بلاد فارس مقرا له، درّبهم على فنون الاغتيال ، وقبل أن ينفذوا أوامره، كان يعطيهم الحشيش، ويقضون ليلتهم مع نساء جميلات وفي اليوم التالي يقول لهم أنهم كانوا في الجنة وأنهم إذا نفذوا تعليماته وماتوا اثنا عمليات الاغتيال التي ستسند إليهم سيكونون شهدا ويذهبون للجنة التي جربوا الحياة فيها الليلة السابقة. ولذلك سمي هؤلاء بالحشاشين ودخلت الكلمة اللغة الإنجليزية ولغات أوروبية أخرى ولكنها حُرفت إلى (Assassins).

في الحرب العظمى الثانية عُرفت ظاهرة "الكاميكازي،" الطيارين الإنتحاريين اليابانيين، الذين كانوا يُغيرون على سفن الحلفاء ويفجرون طائراتهم فيها. وبدأت هذه الهجمات الانتحارية في الجزء الأخير من عام 1944 بعد أن خسر اليابانيون عدة معارك وشعروا بالضعف وأصبحت طائراتهم قديمة ولا يجدون لها حتى قطع الغيار، ولذلك استخدموا هجمات الكاميكازي لإنزال أكبر الخسائر الممكنة بأعدائهم. وبلغ عدد الطيارين الذين قاموا بهذه الطلعات عدة آلاف وقد أبلوا بلاء حسنا وأرعبوا أعداءهم، ولكن فقط 20 بالمائة من هؤلاء استطاعوا أن يحققوا غرضهم لأن قوات الحلفاء غالبا ما كانت تُسقط طائراتهم قبل أن تصل إلى أهدافها.

في وقت من الأوقات لجأ ثوار التاميل الإنفصاليون في سريلانكا للعمليات الانتحارية، وأشهر عملياتهم كانت مقتل رئيس وزراء الهند راجيف غاندي في 21 أيار 1991 عندما أقبلت عليه فتاة تاميلية هندية، مسلحة بحزام ناسف، قرب مدراس في جنوب الهند لتقلده قلادة كبيرة من الورود وتفجر نفسها به لتقطعه إربا وتقتل الكثيرين معه، والسبب هو اعتقادها انه يعمل لصالح حكومة سريلانكا. ولكن التاميل لم يستطيعوا إرهاب الدولة السريلانكية، وانتهت الحرب الأهلية هناك بانتصار الدولة عام 2009 بعد 26 عاما من القتال.

والآن نعود إلى الانتحاريين التكفيريين، الذين هم ضحايا الإسلام السياسي، ونقول ليس كل الانتحاريين شجعانا. فمدرّبوهم، الأكبر منهم سنا والمختلون عقليا، والذين ربما يخدمون قوى أكبر منهم، يقنعوهم بقدسية ما سيفعلونه، ويقولون لهم إنهم لن يشعروا بشيء فالانفجار والموت يحصلان في جزء من الثانية، بعدها يكونون في جنة الخلد. والحقيقة أن شابا مثل هؤلاء، إذا خُير ببن الهجوم الانتحاري وبين الاشتراك في هجوم عادي، سيجد من الأسهل عليه أن يختار الأول، أي أنه سينهي حياته دون أن يشعر بألم لأنه سيموت في الحال ويذهب معززا مكرما إلى الجنة، بدل أن يشترك في هجوم نتيجته غير مضمونة بل مؤلمة. فربما يُجرَح ولا يموت في الحال، ويعيش في ألم مستمر مدة طويلة، وربما يموت موتا بطيئا، ولن يعالج بسرعة وبنجاح مهما كان أعداؤه رحماء. وربما يقع في الأسر ويخضع للتعذيب والضرب والتجويع ناهيك عن القلق والاكتئاب وهو يفكر في مصيره، وربما يصحو على نفسه ويكتشف أنه كان واهما وأن ربّه لن يسامحه على ما فعل، وأن آمريه ورفاقه ذوي الخبرة، خدعوه. ومعنى هذا أن الانتحار، بشكل عام، عمل غير عقلاني، لا يحقق أي هدف منطقي، ولا يدل على الشجاعة، وهذا يفسر كيف أن بعض الانتحاريين لا ينجحون في قتل عدد كبير من المستهدفين، كما أمروا، وأحيانا يكونون وحدهم الضحايا، لأنهم غالبا ما يكونون في عجلة من أمرهم. والإنسان الشجاع بحق، الذي يؤمن بمبادئ إنسانيه رفيعة، لا يلجأ لقتل نفسه وإنما يعتمد على إيمانه بمبادئه ويحارب بعقلانية، في حرب حقيقية، بدل أن يَقتل غير المقاتلين من الأبرياء، ويناضل قدر استطاعته، فربما يخرج منتصرا، أو يُقتل بعد أن يبذل جهده الحقيقي الصادق، ويستحق بالفعل أن يدخل الجنة التي يعتقد بوجودها، وبناء على ذلك فمن المؤكد والمنطقي أن أجره سيكون أعظم من أجر من يموت حالا وبدون عذاب.

ولا نستطيع أن نعتبر نوعا من الانتحار مخاطرةُ الإنسان وتضحيته بنفسه ليخلص أحد أفراد عائلته أو إنسانا آخر، أو ليقتل أعدادا كبيرة من قوات العدو ويدمر أسلحتهم الفتاكة، أو يذهب في مهمة قتالية لا بد منها دفاعا عن وطنه ومواطنيه، أو يفتدي رفاقه بالتضحية بنفسه وتخليصهم من الموت، أو يهاجم انتحاريا في اللحظة الحاسمة لمنعه من تفجير نفسه بين المواطنين، لأن من يفعل ذلك لا يقصد قتل نفسه، ويبقى عنده أمل، مهما كان بسيطا، أن يبقى حيا، وهو، بعد كل هذا وذاك، لا يُقدِم على فعلته لأنه يتوقع أجراً، أي طمعاً في الجنة، وهو يعرف أن قتل الإنسان لنفسه، عامدا متعمدا مع سبق الإصرار، عمل يخالف تعاليم الدين السوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على أرجاء قطاع غزة مع اشتداد المعارك في شرق رفح


.. أوكرانيا، روسيا، غزة: هل ستغير الانتخابات البرلمانية الأوروب




.. أوكرانيا: موسكو تشن هجوما بريا على خاركيف وكييف تخلي بلدات ف


.. لبنان.. جدل واتهام للمسرحي وجدي معوض بالعمالة لإسرائيل




.. متاعب جديدة لشركة الطيران الأمريكية بوينغ.. واختفاء مجهول لع