الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخواء هذا اللعين الذي يدفع كائناته للعطب

فاطمة الشيدي

2005 / 9 / 25
الادب والفن


نتدحرج في هذه الحياة محاصرون بزوايانا المتقولبة ، كالأبواب ننفتح وننغلق وكالأبواب أيضا يدخل من يدخل ويخرج من يخرج ، ونحن منتصبون كوهم على ناصية الكينونة .
والخواء هذا الحاد ياله من خزي يراق وعلى جهة واحدة من الروح ، فيذيبها كماء النار ، يتمدد بفجور على مساحاتنا الشاغرة إلا من الوهم ، يتصاعد داخلنا كالدخان ، يتكور ككريات صغيرة محتشدة في انبعاثها المريض نحو القادم منا ، لاشيء أكثر ، الورم يتقافز بين الضلوع ، يعجن السويعات به ويشتد على الليالي ، نتجرع عقاقير العطارين والمتفلسفين ، وباعة الكلام والصمت ، نصوغنا كل ليلة بشكل خاص ، نجدد روائحنا مع كل إشراقه ، نصبغنا بجديد لنخفي عنه ظلال سأمنا المتصل الذيول ، نخفي محنة الكائن العاطب حين يتشظى من وفرة الخواء ويصرخ " ماذا بعد ؟"
نحاول جاهدين لملمة أطرافه الطويلة ، نكسر طولها البغيض ، ونقضم أطرافها الباردة ، ونمضي ننتعل شمسا تارة لنتوهج بخطانا المتسارعة نحو الغد ، أو ننكس أرواحنا على بهجة ظليلة تارة أخرى لنصمت في ولعنا المقامر بشيء من السلام والصمت .
حينا تظللنا الشمس من حرقة الأشياء ، وتشعلنا العتمة لرؤية الحجب ، حينا لانكون نحن ، نحيا حياة مورابة مالحة تأكل الروح ، حينا نستنسخ أقداما لنعبر الشط فقط أما البحر فندعه لمن يملك حكايات تطربه ، فأبناء الفراغ والعتمة ليسوا ممن يوغلون ، حينا نركّب قدمين عريضتين بما يكفي لنعبر الرمل في صحاري الكون ، أو نتلبس ظل نخلة ، كي لاننتظر المطر ، وحينا نتقمص دور الصحراء لنجيز للسموم أن تركض على رمالنا آمنة ..
وحينما نسقط على ضفة الحياة نرغي ونزبد كجمل أضاع أنثاه ، نصطدم بـ الموتى ، نصافح الخواء ، ومتاريس الجهل ، نتمرغ في وجوه لاماء فيها ، ونسمع ضجيج العلب الفارغة ، نتحسس أرواحنا الهامدة ، نشهق لأننا لازلنا أحياء ، نشعل مصباحا أخيرا على ناصية ما ، نرفع كفوفنا على الجبين ننظر هل من ظل قادم للجديد ، وننتظر تماما كعاشق ضرير يتلمس ماتبقى من شعيرات نمت على صدره بموازاة قلبه ويحلم أن تمطرها يد عاشقة محناة به ، نقضي الوقت نقايض السماء على كائن الفرح المطاطي المراوغ أو كائن مدهش يرفع عقيرة الخواء من أرواحنا الهشة أو أحذية بلاستيكية للعبور بعيد عن وفرة الخواء .
نحاول أن نملأ قدور الوقت بما يكره ، وندفع عجلة الزمن بكاملنا ، نحاول أن نصنع عكازات مناسبة للمشي ، ونضرب أحصنة السماء المربوطة في المتبقى منا بشده كي تسرف في المضي ..
نمشي .. نلهث .. نركض .. نصنع دمى اللحظات لنغفر للحياة ، نتصنع الثبات ، ونخيط خيوط الأشياء إلى الأشياء ، ونحيد الأشياء الثقيلة والكائنات الثقيلة ،والبرد والجوع والحر ، نحيد أسمائنا ومشاعرنا ، نحيد فتنة العبث ، والرغبة بالوقوف لسرقة نكتة تافهة من أفواه جدة مريضة ، ونحيد صرخة طفلة تخترقنا بوهج ، نحيد كتابا يملؤنا وحزنا يستثمر طاقة الكتابة ، ونمشي ..
بعد مشوار نصل منهكين ، نظن أننا صنعنا مجداا ، وقتلنا شبح الخواء ، نتفاجأ به شهيا يجلس بكامل هيبته بيننا ، ويبدأ يقص علينا حكاياته المدهشة في غيابنا ، واستنفارات الكائنات الهشة الأخرى لعبوره ، تلونهم ، تقزمهم ، واستحضار كائنات أكثر خفة للقضاء عليه ، نجده الأقوى والأبهى قبل كل شيء ، بعد كل شيء ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب


.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو




.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق