الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نوادر جحا... انتصار ل-العادي-؟! أم حيلة دفاعية؟!

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2015 / 4 / 14
الادب والفن


بعيدًا عن الخلفية التاريخية لشخصية جحا، وما إذا كانت أسطورية أم حقيقية، يمكن للناظر إلى نوادر وطرف جحا أن يقرأها على أكثر من مستوى؛ فهي ذات طابع خفيف ساخر، كما أنها تمتلئ بالموعظة والحكمة، وكذلك تحوي الكثير من المعلومات عن الظروف التاريخية المختلفة، وهي الظروف التي تتفاوت بتفاوت الفترة التي تتكلم عنها الطرفة. ولا ريب أن المصححين والمدققين أسالوا الكثير من الأحبار في محاولاتهم لاستخلاص النوادر "الحقيقية" غير المنحولة من بين آلاف النوادر المنسوبة لجحا.
ولكن كما قلت؛ بعيدًا عن الخلفية التاريخية للشخصية، وحتى بعيدًا عن المستويات المختلفة للطرف والنوادر، وعن مدى "حقيقية" النوادر والطرف، يعنّ لي إلقاء الضوء على جانب غير مطروق كثيرًا على حد علمي من نوادر جحا، وهو الجانب النفسي المتعلق بالدافع وراء كتابة النوادر والطرف. هل هي انتصار للإنسان العادي؟! أم أنها مجرد حيلة دفاعية أم ماذا؟! سأحاول في الأسطر التالية إلقاء الضوء على هذه الجزئية من دون التبحر فيها؛ أي بالاكتفاء بمجرد الخواطر والتعليقات الوقتية الخالية من أية أطر أكاديمية... فقط مجرد خواطر.


انتصار لـ"العادي"؟!
تمثل شخصية جحا في مستواها شديد البساطة شخصية الإنسان العادي بكل ما له وما عليه؛ فهو إنسان حكيم في بعض الأحيان، وأخرق في أحيان أخرى، كما أنه يدعي القدرة على أداء الكثير من الأعمال دون أن يبرع في أي منها، بالإضافة إلى أنه دائم المعاناة من المآزق والأزمات المالية... إنه إنسان عادي تمامًا.
فهل جاءت كتابة هذه النوادر من باب الانتصار للإنسان العادي ممثلًا في شخصية جحا؟! هل هي محاولة لتمجيد الشخص العادي بجعله بطلًا ذا نوادر يقارع الملوك والسلاطين والعلماء ويغلبهم في كثير من الأحيان بحيلته الواسعة؟!
الإنسان العادي حقًا يفعل الكثير من هذه الأشياء؛ فالشخص العادي مثلًا نجده يعاني في حياته الخاصة من مشكلات اجتماعية تتطلب فقط قدرًا بسيطًا من التفكير لكي يتغلب عليها، ولكن في مواقف التحدي، يستطيع أحيانًا أن يقارع من يفوقونه علمًا وسلطانًا في الجدال، ويواجههم بالحجج والبراهين مُظْهِرًا من القدرات ما إن أظهره في حياته العادية لأصبح هو نفسه من السلاطين والملوك.
في سلسلة "ما وراء الطبيعة" الصادرة عن المؤسسة العربية الحديثة نجد مؤلفها د. أحمد خالد توفيق يقول عن البطل السلسلة د. رفعت إسماعيل إنه حاول أن يجعله الصورة السلبية للبطل المتعارف عليه؛ والذي يجب أن يكون شديد الذكاء والوسامة، وعلى قدر كبير من القوة وسعة الحيلة، بينما د. رفعت إسماعيل هو عكس ذلك تمامًا؛ حيث يعاني من أمراض عدة كما أنه مصاب بآفة التدخين، ويعيش بمفرده، ولا يستطيع أن يتزوج؛ لأنه يعجز عن التخلص من استحواذ قصة حبه لطبيبة اسكتلندية تعرف عليها أثناء منحة دراسية، ولكنه في الوقت نفسه يستطيع أن يخلص العالم من الكائنات الشريرة التي تحاول السيطرة على أنفس البشر.
فهل تأتي شخصية جحا كمحاولة للانتصار للإنسان العادي سبقت محاولة د. أحمد خالد توفيق بعشرات السنين؟! أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال ربما تأتي بـ"نعم"؛ لأن شخصية جحا بالفعل هي شخصية الإنسان العادي الذي يخوض غمار المعارك الجانبية ببسالة، ولكنه لا يستطيع أن يخوض غمار المعارك الحياتية والمعيشية بالقدرة نفسها...!

أم حيلة دفاعية؟!
على الجانب الآخر هناك احتمال بأن تكون شخصية جحا هي مجرد حيلة دفاعية من "إنسان عادي" لأن يبرر تصرفاته وأفعاله بأن يجعلها تصرفات وأفعال أحد الأبطال في الحكايات الشعبية. كيف؟!
يلقي الناس الكثير من اللوم على الشخص البارع في حل مشكلات الآخرين والعاجز في الوقت نفسه عن حل مشكلاته؛ ذلك الشخص الذي يتصدى لقضايا كبيرة ورئيسية في الحياة بنجاح، ولكنه في الوقت نفسه لا يحاول التصدي للقضايا البسيطة التي تؤثر بشكل مباشر على حياته اليومية.
هذه الشخصية تبقى محل انتقاد دومًا من الآخرين؛ فهل جاءت شخصية جحا كحيلة دفاعية لجعل مثل هذه الشخصية محور الانتقاد بطلًا يحمل من الحكمة ما ينوء بحمله الآخرون من المنتقدين؟! هل جاء ابتكار هذه الشخصية كصرخة رفض واحتجاج على الانتقاد الموجه لهذا النمط السلوكي بالقول إنه نمط حكيم ويصلح لأن يكون بطلًا لنوادر وطرف يعجز عن التعامل معها الأشخاص الذين يكتفون بتوجيه النقد واللعب في الأماكن الآمنة دون التجرؤ على الخوض في المناطق الصعبة مثل تحدي السلاطين والأمراء؟!
من الوارد أن يكون ابتكار شخصية مثل جحا هو مجرد حيلة دفاعية لتبرير الأخطاء التي يرتكبها المرء في حياته، بأن "حتى الأبطال يفعلون مثلما أفعل"، و"لا تحزن يا صديقي فمثلك يصلح لأن يكون بطلًا". أقول من الوارد وغير المستبعد، ولكن يبقى هذا الأمر مجرد احتمال من متعدد.

أم أنه اللاشيء؟!
يبقى احتمال كبير آخر وهو أن تكون النوادر والطرف لا تحمل من الأمور أكثر مما تعبر عنه؛ مجرد حكايات طريفة ومرحة تحمل من حكمة المواقف العادية في الحياة ما تحمله، وتقول الكثير من الأفكار في كلمات قليلة، وتوجِد متنفسًا للناس ليجدوا واحة من السخرية والطرافة يرتاحون فيها من عناء أيامهم وكآبة أحوالهم.
تبقى كافة الاحتمالات مطروحة، ولا يمكن تغليب واحد منها على الأخرى، ولكن الثابت هو أن هذه النوادر استطاعت أن ترسخ نفسها عبر الكثير من الأجيال باعتبارها نموذجًا للأدب الشعبي الساخر، الذي يتحول فيه الإنسان العادي لبطل، أو يرى الإنسان العادي فيها نفسه فتهون عليه مصاعب حياته.
كما أنها تركت بصمة في عوالم مختلفة من الإبداع؛ فمن الحكايات الشعبية إلى قصص الأطفال إلى الأعمال المصورة مثل المسلسلات للكبار والصغار، وحتى في عالم المسرح كان بإمكاننا أن نرى جحا بطرطوره وحماره يتجول في الطرقات حاملًا معه حكاياته ونوادره وطرفه... بعيدًا عن كل الخلفيات التاريخية والدلالات السياسية والاجتماعية والنفسية؛ فهكذا جاء... وهكذا استمر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسرار عن العود من نصير شمة - من آلاف السنين


.. عود نصير شمة عمره 100 عام - صنع خصيصا له




.. تلمس الشاشة تتحول ألوان بلون إحساسك ? فكرة عظيمة شارك فيها ن


.. عزف لفريد الأطرش بطريقته الخاصة.. نصير شمة مع منى الشاذلي




.. VODCAST الميادين | الممثل والمخرج السوري فايز قزق | 2024-06-