الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كنوز عراقية لا تنسى من الزمن الجميل أنه الشاعر الغنائي العراقي سيف الدين الولائي حركت الروح لمن فاركتهم....

محمد الكحط

2015 / 4 / 14
الادب والفن



كنوز عراقية لا تنسى من الزمن الجميل
أنه الشاعر الغنائي العراقي سيف الدين الولائي

حركت الروح لمن فاركتهم....



تحقيق: محمد الكحط


(من ينسى من أبناء ذلك الجيل من ذلك الزمن الجميل تلك الأغاني الأصيلة، عشاك العيون/ أدير العين ما عندي حبايب/ حك العرفتونا وعرفناكم/ جيرانكم يا أهل الدار/ حركت الروح لمن فاركتهم/ هذا مو أنصاف منك/ سبع أيام من عمري حلالي/ لو ألي وحدي لو روح لهلك/ عروسة والحبايب زافيها/ هلهلي بلله يا سمره/ يا حلو كلي شبدلك كلي/ شلي بالروح أخذها وروح/ شفته وشافني والشوك شيفيد/ سلم يا ولفي سلم/ هل ليله ليله من العمر/ على بالي أبد ما جان فركاك/ شدعيلك يلي أحركت كلبي/ أخاف أحجي وعليّ الناس يكلون/ على الميعاد أجيتك/ غريبة من بعد عينج يا يمه/ ليش تغار وأنت تريد تنساني/ أسألوه لا تسألوني/ سمر سمر/ من علمك ترمي السهم ياحلو بعيونك/ يا غريب أذكر هلك/ هذه الأغاني التي التي لحنها وغناها العديد من الفنانين العراقيين وعشنا معها عقودا طويلة هي من كلمات الشاعر المبدع سيف الدين ولائي، كلماتها نابعة من القلب وتصل شغاف القلوب ببساطة وتعانق أرواحنا دون استئذان.

سيف الدين ولائي شاعر ورجل عراقي بسيط عشق البيئة العراقية والحي الشعبي البغدادي. نادرًا ما كان يصل إلى بيته في الموعد المحدد أو يكمل مشواره كاملاً في منطقة سكناه في الكاظمية أو الشواكة وأخيرًا الوشاش دون أن يستوقفه الناس للحديث معه في شتى شؤونه وشؤونهم، وقد يستغرق الحديث ساعات طويلة لا يكل هو ولا من معه ولا يتعبون أو يعتذرون، ليكتشف الشاعر أخيرًا أنه لم ينجز ما كان قد عزم عليه قبل خروجه من داره، إن كان ذاك العزم للتسوق أو شراء الخبز أو زيارة طبيب أو صيدلية. لكنه كان يعود إلى داره سعيدًا لأنه كسب محبة الناس وأصبح عليه أن يعيد فضلهم عليه بمحبة أكبر وبنصوص غنائية تصف مناسباتهم وأفراحهم وتتحدث عن حياتهم.
هو أبو جاسم وأب لخمسة أولاد وست بنات وصديق ومحب لملايين العراقيين والعراقيات. ولد في الكاظمية ببغداد عام 1915 وتوفي دمشق عام 1984.
هذا الإنسان سيظل خالدا تتذكره الأجيال، لقد ترك بصمته العميقة في تاريخ الفن العراقي، نحتاج اليوم إلى أمثاله من يمكنه أن ينتقل بالأغنية العراقية إلى سابق عهدها إلى أصالتها، ومن أجل استذكار هذا الكنز العراقي الأصيل الذي فقدناه نلتقي مع نجله وهو لا يقل شئناً عن أبيه ليحدثنا عنه أنه أبنه الشاعر والكاتب والناقد والإعلامي والمترجم والروائي جاسم سيف الدين الولائي.)

س‌- بدءاً، سيف الدين الولائي علم من أعلام العراق الفنية، ترك تراثا فنيا غنيا، ماذا تتذكر من تلك الفترة وبداياتها، ما هي ملامح معاصرتك لتلك الفترة؟

في فترة طفولتي في الستينات كان الشاعر سيف الدين ولائي في ذروة عطائه وتألقه، وكان اسمه كشاعر غنائي يتردد مرات عديدة يوميًا من خلال الإذاعة التي كانت تشير إلى اسم الشاعر والملحن قبل تقديم كل أغنية تذاع. كان قد قطع شوطًا طويلاً كمؤلف لأغاني أشهر فناني وفنانات تلك الفترة وأصبح شخصية شعبية معروفة ومحبوبة، وتتردد أغانية في كل مناسبة من مناسبات الناس ويرددها الطلاب في سفراتهم المدرسية. لذلك ما عرفته عن بداياته في الثلاثينات والأربعينات (قبل أن أولد)، عرفته من خلال ما كان يتحدث به عن ذكريات وأحداث ومواقف كانت قد واجهته في تلك البدايات وما كانت والدتي رحمها الله تقصه علينا وقت ذلك وما نسمعه من الفنان الكبير رضا على في زياراته إلينا. في تلك الفترة كانت تتردد أسماء الرعيل الأول من المطربين والمطربات والشعراء والملحنين وأهم العازفين أمثال سليمة مراد، زهور حسين، نجاة علي، زكية جورج، نرجس شوقي، فاضل رشيد وغيرهم، ومن الشعراء إبراهيم وفي الذي يعتبره الوالد أستاذه ومعلمه الأول، وعبد الكريم العلاف، وعبود الكرخي، ومن الملحنين والعازفين الأخوان صالح وداود الكويتي، سامي عبد الأحد وعازف الكمان حكمت سيف الدين وكثير غيرهم.

س- كيف نفهم مراحل تطور الوالد الفنية، وما هي أسس وجذور ذلك الإبداع المتميز؟

ج- هناك ثلاث مراحل للوالد كشاعر أغنية، كما أعتقد. ويمكنني القول إنه منذ كتابة أول أغنية في حياته حتى ساعة رحيله لم يكن شاعرًا محترفًا، ولم يكن يعتبر كتابة الأغنية أو القصيدة حرفة يكسب منها قوته، بل كان يعمل في مهنة أخرى بعيدة عن الأدب والفن يتقاضى عنها أجره المنتظم، وغير المنتظم في أحيان كثيرة.
في مرحلته الأولى كشاعر أغنية كانت في أواسط الثلاثينات حيث استقبلت أول إذاعة تأسست في بغداد أغانيه بترحيب كبير ولفترة طويلة كانت أغانيه تُبت على الهواء مباشرة ومن ثم يجري تسجيلها على أشرطة أو اسطوانات ذلك الزمان. أعتقد أن هذه الفترة وخصوصًا في الثلاثينات لم يكن الشاعر سيف الدين ولائي معروفًا إلا على نطاق ضيق في بغداد تحديدًا، ضمن المعارف وفي أماكن سكنه في الكاظمية والشواكة والرحمانية في الكرخ وبعد ذلك في مدينة الوشاش وكذلك من نخبة من السياسيين والمتعلمين الذين زاملوه في دراسته والفنانين بشكل عام وممن كانوا يمتلكون أجهزة راديو في ذلك الوقت.
في بداية الخمسينات كانت مرحلته الذهبية حيث كتب أفضل أغانيه وأكثرها انتشارًا، ولحن كلماته أفضل ملحني تلك الفترة أمثال رضا علي، خزعل مهدي، خليل محتار، محمد نوشي وغيرهم. استمرت هذه المرحلة حتى الستينات وأواسط السبعينات. بعد ذلك قل نتاجه بشكل كبير لكن ذلك القليل كان متميزًا جدًا وممن غنى له في مرحلته الثالثة والأخيرة الفنان ياس خضر والفنان عباس البصري الذي ظهر وغاب سريعًا وخسرته الساحة الفنية، إضافة إلى الفنانين والفنانات الذين رافقوه منذ نجاحه الأول.
أما أسس وجذور إبداعه فهي الأسرة والحي الشعبي البغدادي ومن يعمر هذا الحي من الناس.
حين تزوج عام 1944 وأسس أسرته قفزت قصيدته أكبر قفزة إلى الأفضل، وتدخلت ثقافة والدتي البسيطة ولهجتها البغدادية الصافية وترديدها الدائم للأمثلة الشعبية في روح وبناء الأغنية التي كان يكتبها، إلى درجة أننا كنا نسمع الوالد يقرأ نص أغنية جديدة فنشعر بمفردات الوالدة واضحة في النص. نفس الدور لعبه المجتمع البغدادي والحي الشعبي في تطور شاعريته وتميّز نصوصه الغنائية. وهنا أود أن أشير إلى إن الشاعر سيف الدين ولائي لم يعش طوال حياته في حي هادئ ينام في القيلولة أو مبكرًا أو حي بعيد في أطراف بغداد، بل عاش طوال حياته في أحياء صاخبة تعج بالناس ونشاطهم طيلة 24 ساعة في اليوم، أحياء الكاظمية والكرخ والوشاش، وفي سورية كان حي السيدة زينب الشعبي الضاج بالعراقيين سكنه ومن ثم مثواه الأخير.

س‌- هنالك العديد من الأغاني لها قصص خاصة مر بها هو أو أصحابه، هل لديكم فكرة عنها؟

ج- عزيزي د. محمد الأغاني قصصها طويلة لا تتسع لها عجالة كهذه التي وضعتني فيها. هناك العديد من القصص لعديد من الأغاني. على سبيل المثال لا الحصر:
أغنية "حق العرفتونا وعرفناكم" وهي من ألحان وغناء الفنان رضا على أعادت جارنا سعيد وزوجته بهية من الشطرة إلى بغداد فور سماعهما للأغنية. جاءا باكيين معتذرين تاركين أهلهما وأشقائهما هناك، مكتفين به جارًا وأبًا وصديقًا.
أغنية "عروسة والحايب زافيها" وغنتها مجموعة الإذاعة والتلفزيون وبعدها عشرات المطربين طلبتها عروس شابه منه مباشرة لتغنيها صديقاتها في حنتها.
أغنية "سبع تيام من عمري حلالي" كتبها لصديق له كان قد تزوج حديثًا، لكنه اكتشف بعد سبعة أيام أن العروس سليطة اللسان، فدفع بقية حياته ثمن تلك الغلطة.
أغنية "شايف خير ومستاهلها" عفيفة اسكندر كتبها لشقيقتي الكبرى بمناسبة زواجها.
وثمة قصص طريفة عديدة أخرى.


س- ما مصير أرشيف الوالد وهل هنالك نية لجمعه وأرشفته واستعادته؟

ج- في السبعينات كنت وبطلب من الوالدة رحمها الله قد دونت كل أغانيه القديمة والجديدة والتي لم تُلحن وتقدم من خلال الإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى مشاريع أغان أخرى كتب سيف الدين ولائي نصفها أو مطلع أو اثنين منها في مخطوطين كبيرين وأتلف هو جبل الورق الذي رافقه طيلة حياته.
في يوم عدت من عملي إلى البيت فوجدت أن المخطوطين قد اختفيا تمامًا. في ذلك النهار زار أحد الأساتذة في كلية الآداب قسم الإعلام مع أحد طلابه طالبًا تفاصيل عن حياة والدي وقصائده وأغانيه ليكتب رسالته في الماجستير. كان ضمن ما طلبه المخطوطان اللذان اختفيا ولم يعودا حتى يومنا هذا.
كنت أعرف أن معظم أغاني الوالد موجودة في ثلاث أرشيفات إذاعية. أرشيف إذاعة وتلفزيون بغداد الذي نهب وأحرق. وأرشيف إذاعة الكويت التي غزتها وسرقتها عصابات ولصوص الدكتاتور صدام حسين. وأرشيف دولة أخرى عدوة لا يمكن التعامل معها.
أما إذاعة دمشق التي عملت فيها لمدة عشر سنوات فلم أجد في أرشيفها الذي وُضع تحت تصرفي وقتها سوى أغان لا يزيد عددها على عدد أصابع اليدين. وما لدى أصدقاء الوالد فقد ذهب مع رحيلهم.
المصيبة أن ليست نصوص الأغاني فقط هي من أرشيف الوالد وإنما هناك العديد من القصائد التي ألقاها هو وغيره على المنابر السياسية والحسينية وعشرات الردات الحسينية وقصائد المولد النبوي وقصائد ناكف بها أصدقاءه من الشعراء. هذا الجزء تبدد واختفى في حياته ومنذ وقت طويل.



س‌- ممكن تسليط الضوء على قضية الإبعاد القسري من قبل النظام الدكتاتوري، والمعاناة التي مر بها وتأثير ذلك عليه؟

ج- أبدأ بالمعاناة التي شهدها ويعرفها أغلب العراقيين الذين كانوا في دمشق، خصوصًا المثقفين والفنانين الذين زاروه في مرضه وقبل وفاته في وقت قصير. كان تأثير إبعاد الشاعر سيف الدين ولائي قد بدأ من اللحظة التي طرق أوغاد النظام الفاشي باب منزله في مدينة الوشاش لاصطحابة وأسرته إلى مديرية أمن بغداد، ولم تنتهِ قبل إنزاله في قبره بمقبرة الغرباء في السيدة زينب في أطراف دمشق. كانت الرحلة شاقة جدًا خصوصًا في عملية تركهم تحت تهديد السلاح على الحدود الإيرانية، حيث كان عليهم السير على الأقدام حتى اكتشافهم من الجانب الإيراني ونقلهم إلى أول مخيم للمهجرين هناك. تلك المسيرة الشاقة كانت هي بداية تعب القلب والجسد والإصابة بمرض السكر الذي انتهت حياته بأول إغماءة أصيب بها بسببه بعد أربع سنوات من تلك الهجرة القسرية. لم يكن اختياره سورية سكنًا له ولأسرته هو اختيار للأفضل بل للمكان الأقرب إلى العراق والأسرع في العودة إليه كما كان يعتقد ويقول.
أما معاناته النفسية فقد كانت أشد وأقسى خصوصًا بعد وفاة الوالدة وهي في الرابعة والخمسين قبل رحيله بثلاثة شهور. وقد وصفها العديد من الصحفيين العراقيين مثل عامر بدر حسون، إبراهيم الزبيدي والسيدة دلال محمود في مقلاتهم عن الشاعر، وتحدث عنها العديد من الفنانين والأصدقاء والشهود في مناسبات عديدة. أوجز جميع هؤلاء تلك المعاناة بسؤال واحد هو أشبه بالرجاء كان يردده ويعيده حتى آخر يوم من عمره: متى نعود إلى العراق؟ ربما كانت العودة إلى العراق هي الأمل الوحيد لأن يتمسك بالحياة طيلة السنوات الأربع التي عانى خلالها من أمراض توالت عليه بعد فراق بلده، ليدرك لحظة العودة إلى دياره وأصدقائه ومحبيه.


س‌- يؤلمنا وفاته خارج الوطن الذي عاش فيه وأحبه، كيف توفي وأين دفن وهل سيعود جثمانه يوما لوطنه؟

ج- لقد أشرت في ردي على سؤال سابق عن أسباب وفاته وأين وري جثمانه. أنا ومعي كل أسرتي الكبيرة كنا نتمنى بالطبع أن يحتضن العراق كلَّ أحبائه بمن فيهم الراحل سيف الدين ولائي الذي احتضن قلبه ولسانه وعيناه شوقه إلى بلده العراق ونام بهذا الشوق الممض تحت التراب السوري، وقد نوقش هذا الأمر بيننا أبناء وبنات الشاعر كثيرًا. واتفقنا أن ثمة حقًا لبلد كريم اسمه سورية علينا وعلى الشاعر نفسه كذلك لمثقفي هذا البلد وشعبه الذين رافقوا جنازته عام 1984 من مشفى المواساة حتى منزله الأخير في ضاحية السيدة زينب. يبقى هذا الأمر مؤجلاً حتى تستتب الأوضاع في سورية والعراق. وفي حال تقرر نقل رفاته ورفاة الوالدة أم جاسم. علينا أن نستأذن سوريا والسوريين والسوريات، ونشكر هذا البلد الكريم وناسه على وفائهم وكرمهم وأمانتهم.

س‌- العزيز جاسم الولائي هل هنالك دراسات أكاديمية تناولت الجانب الفني عن والدكم وهل تنوون أن تقوموا بكتابة مؤلف عنه أم هنالك فكرة عند آخرين؟

ج- لا أعتقد أن هناك سوى المقالات واللقاءات الصحفية التي نشرت هنا وهناك في عدد من الصحف وأذيعت على بعض محطات الإذاعة والتلفزيون حول حياة ونتاج الشاعر سيف الدين ولائي. وأعتقد أنه لولا الحظر الظالم من قبل نظام الطاغية صدام حسين على ذكر اسم الشاعر لظهرت العديد من الدراسات الأكاديمية عنه وعن شعره في الجوانب الإعلامية والأدبية والفنية وربما الاجتماعية.


نأمل أن يأتي اليوم الذي يكرم هذا العلم العراقي ويعاد له أعتباره ويستذكر من قبل الدولة العراقية، التي من واجبها الحرص على مبدعيها وتراثهم وتقدر عطائهم الجميل.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي