الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دائرة النفوذ الإيرانية

منذر خدام

2015 / 4 / 15
مواضيع وابحاث سياسية



أستعيد من الذاكرة ما قاله مسؤول روسي رفيع المستوى كان في زيارة إلى بيروت لوفد من هيئة التنسيق الوطنية التقاه بناء على طلبه، بعيد صدور بيان جنيف عن مجموعة العمل الدولية بشأن سورية في 30 حزيران 2012، من أن إيران " لن تسمح بسقوط النظام السوري حتى ولو اضطرت أن ترسل فيالق من جيشها إلى سورية" فهو من دائرة نفوذها الإستراتيجية. حسبت قول المسؤول الروسي في حينه كنوع من الضغط على المعارضة السورية لكي تقبل بتسوية سياسية استنادا إلى بيان جنيف الصادر حديثاً، لكن اليوم يبدو لي أن ما تفوه به المسؤول الروسي بعبارات فجة وخالية من الدبلوماسية كان يعنيه تماماً. في الواقع كان معارضون قد سمعوا مراراً أقوالا تحمل المعنى ذاته من مسؤولين إيرانيين سواء خلال زيارتهم إلى طهران أو من خلال التقائهم بمسؤولين في سفارة إيران في دمشق.
إن علاقة إيران بدمشق أكثر من واضحة، وهي معلنة ورسمية وذات طابع استراتيجي بحسب ما يصرح به مسؤلوا البلدين بصورة متكررة، وقد تم اختبارها سواء خلال الحرب العراقية الإيرانية، أو خلال الصراع مع إسرائيل، ويجري اختبارها اليوم خلال الأزمة السورية الجارية، فهي تعبير عن التقاء مصالح عميق، تغطيه شبورة أيديولوجية كثيفة.
لقد حاولت الدوائر الغربية، وتحديدا الأمريكية منها، مرارا فك عرى هذه العلاقة بين سورية وإيران، وعرضت من أجل حصول ذلك مغريات كثيرة على السلطة السورية، منها ما له علاقة بالتسوية السياسية مع إسرائيل، ومنها ما له علاقة بالأزمة الراهنة التي تعصف بسورية، والتي وجدت فيها هذه الدوائر فرصتها التاريخية السانحة لتغيير "سلوك النظام" السياسي، سواء تجاه إيران، أو تجاه حزب الله ، أو حتى تجاه إسرائيل، بحيث يقبل تسوية معها وفق شروطها. يجري الحديث عن تغيير سلوك النظام السياسي، وليس عن إسقاطه، لأن هذه الدوائر ما أرادت يوما إسقاط النظام، بل إضعافه، لأنها تدرك جيدا خطورة ذلك على إسرائيل، وعلى أمن المنطقة بصورة عامة، التي مثل فيها عامل الاستقرار الأكبر والرئيس. لقد رفضت السلطة السورية جميع هذه المغريات- المحفزات لها وأصرت على بقاء علاقاتها بإيران قوية، بل عملت على تطويرها وتمتينها.
بدورها إيران كانت تدرك جيداً أهمية سورية الإستراتيجية بالنسبة لها، وأن كثيراً من الضغوطات التي تعرضت لها سورية كانت بسببها، كنوع من الضغط عليها لتقديم تنازلات على صعيد ملفها النووي، لذلك فهي قابلت مواقف السلطة السورية بمزيد من الدعم والتأييد. فهي لم تكتف خلال الأزمة الراهنة التي تعصف بسورية بتقديم الدعم الاقتصادي، بل وزودت القوات السورية بكثير من العتاد العسكري، وأرسلت مستشارين عسكريين إيرانيين لتقديم الخبرة والمشورة للقوات السورية. وعندما بدا أن موازين القوى أخذت تميل لصالح المعارضة السورية المسلحة، خلال عام 2013 دفعت بحليفها القوي حزب الله لكي يرسل بعضا من قواته إلى سورية، كما شجعت المليشيات الشيعية العراقية بالقدوم إلى سورية لمساندة قوات النظام وتغيير موازين القوى لصالحه، وهذا ما تحقق بالفعل.
وإذا كان التدخل الإيراني غير المباشر في الأزمة السورية قد حدت منه في السابق الإمكانات الاقتصادية الضعيفة لإيران من جراء العقوبات الخانقة التي فرضتها عليها الدول الغربية بسبب ملفها النووي، وكانت تنقصه الذرائع المقنعة دولياً وإقليمياً، فإنها، وبعد التوصل مع مجموعة(5+1) إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، سوف تكون في وضع مختلف تماماً. بداية لم تعد تنقصها الذرائع لتدخلها المباشر في سورية أو في العراق، إذ أمنها لها المتطرفون الذين باتوا يهددون أمن واستقرار المنطقة، ويشكلون خطرا جدياً على مصالح أمريكا والدول الغربية عموماً. من هذه الناحية صار التدخل الإيراني للمساعدة في محاربة داعش والنصرة وغيرها من القوى المتطرفة أمراً مرغوبا به من قبل أمريكا وحلفائها، وإن كان بصورة غير رسمية. أضف إلى ذلك فإن رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران سوف يتيح لها إمكانيات كبيرة جداً لتقديم الدعم الاقتصادي والعسكري السخي لحليفها النظام السوري. بالطبع سوف يأخذ ذلك بعض الوقت، سوف تعمل خلاله إيران مع الدول الغربية لانجاز تسوية سياسية في سورية تحافظ من خلالها على نفوذها فيها. ومع أن إيران بحاجة ماسة لرفع العقوبات عنها لتطوير اقتصادها المنهك، ولتحسين مستوى حياة الشعب الإيراني، وهذا ما أشار إليها روحاني في خطابه بعيد التوصل إلى اتفاق مع الدول الغربية بشأن ملفها النووي، لكنها في مجمل الأحوال لن تتخلى عن النظام السوري الضامن لنفوذها. وتأتي هذه المساعي الإيرانية في ظروف بدأت الدول الغربية ذاتها تغير من مواقفها تجاه النظام السوري، وتدعو إلى الحوار معه، تحت ضغط تزايد خطر الحركات الإرهابية المتطرفة في سورية على أمن المنطقة عموما، وعلى أمن إسرائيل بصورة خاصة. وفي هذا المجال كان لافتا إشارة أوباما في رسالته إلى ملوك دول الخليج العربي التي دعاهم فيها إلى الاجتماع به في كامب ديفيد من أنه سوف يبحث معهم من ضمن مسائل أخرى، مسألة حل النزاعات في المنطقة.
إن إحدى الحقائق الجيوسياسية الإستراتيجية في الشرق الأوسط التي ترتبت على غزو أمريكا للعراق في عام 2003 ، وإسقاط نظام صدام حسين، بدعم وتأييد من دول الخليج العربي، توسيع دائرة النفوذ الإيرانية. وليس من شك بأن نفوذ إيران سوف يتعزز أكثر فأكثر بعد هزيمة قوى التطرف والإرهاب التي تجتاح المنطقة. لكن في هذه الحالة لن تكون ايران هي ذاتها ما قبل الاتفاق النووي. في إطار عملية الاحتواء الاستراتيجي سوف لن تنزعج الدول الغربية من دور إيران في المنطقة، طالما تقبل بالتعامل معهم وفق قواعد " الربح والخسارة".وليس مستبعداً أن تسهل الدول الغربية لإيران " الكبيرة" و" القوية" والتي تملك " رؤية إستراتيجية " تعزيز دائرة نفوذها، من أجل ضمان تقيدها بالاتفاق النووي، والمساعدة في محاربة قوى التطرف ، وحل أزمات المنطقة، حتى ولو كان ذلك على حساب مصالح حلفائها التقليديين في دول الخليج. باختصار ما يهم أمريكا والدول الغربية عموما هو عودة إيران دولة طبيعية في المجتمع الدولي، وفي هذه المسألة لا شك بأنها سوف تجد من يلاقيها في الداخل الإيراني، وهذا ما أشار إليه الرئيس روحاني في خطابه الأخير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انعكاسات مقتل رئيسي على السياسة الخارجية لإيران |#غرفة_الأخب


.. تحقيق للجزيرة يكشف مزيد من التفاصيل حول جرائم ميدانية نفذت ب




.. منير شفيق: وفاة رئيسي لن تؤثر على سياسة إيران الخارجية والدا


.. كتائب القسام تطلق صاروخا طراز -سام-7- تجاه مروحية إسرائيلية




.. خامنئي يكلف محمد مخبر بمهام إبراهيم رئيسي وتعيين علي باقري ك