الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (4/5)

حسين كركوش

2015 / 4 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


حسين كركوش

الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (4/5)


الاعتراف بالفشل شجاعة. لكن تشخيص أسبابه بعقلية نقدية خلاقة هي الشجاعة الكبرى

اعترف رئيس الوزراء السابق السيد نوري المالكي بفشله وفشل الذين شاركوه في الحكم وفي العملية السياسية، وقال (إن هذه الطبقة السياسية وأنا منهم فشلوا.)
و قبل المالكي انتقد بشدة العديد من قادة الأحزاب الإسلاموية المشاركين في قيادة الدولة تجربة السنوات الماضية واعترفوا ، كل على طريقته ، بالفشل.
وهذه شجاعة تُحسب لهم وليس ضدهم.
وهذه الاعترافات لها مصداقية فائقة لأنها لا تصدر من أعداء للعملية السياسية ولا أعداء لفلسفة الأحزاب الإسلاموية السياسية ، وإنما قالها أشخاص ينتمون للطبقية السياسية ، وتحديدا للأحزاب الإسلاموية التي شاركت في قيادة الدولة وتصدرت العملية السياسية.
لكن ، هذه الاعترافات بالفشل لم تغير ، رغم أهميتها القصوى وشجاعة أصحابها ، في جوهر الأمور ، ولا أظنها ستغير للأسباب التالية :
أولا / اعترافهم بالفشل جاء متأخرا و لم يُقَدم معلومات جديدة. فجميع العراقيين يتحدثون عن هذا الفشل.
ثانيا / جميع أسباب الفشل التي تحدثوا عنها تلامس قشرة الأشياء ولا تنفذ للعمق. فالحديث دائما ما يكون عن (أدارة) الدولة و عن (سلوك وأخلاق وتصرفات) من يقودون الدولة ، ولا يتم التوقف عند ( ماهية ) أو فلسفة الدولة ، ومدى تطابقها أو اختلافها مع المواد الدستورية الديمقراطية. و لا عن أفكار من يقود الدولة و استراتيجيتهم.

إن مثل هولاء في نقدهم كمثل من ينتقد العلبة التي توضع فيها البضاعة ، و يهمل البضاعة نفسها.
فهذا الفشل لم يحدث (فقط) لأن وظائف الدولة العراقية يشغلها ذو (شهادات مزيفة حصلوا عليها من قم ومن منطقة السيدة زينب بسوريا) ، كما يقول مستشار الأمن القومي السابق ، الطبيب موفق الربيعي.
والحق أن ما يقوله الربيعي يردده آخرون كثيرون. فدائما ما نسمع من يقول إن الفشل حصل لأن القائد السياسي الفلاني أو الوزير العلاني كان يبيع الحاجيات على قارعة الطريق أو كان يملك دكانا لبيع الخضروات ، أو كان مفلسا حد الإملاق أو كان كذا وكذا. ونقد كهذا يستتر داخله نوع من الاستعلاء و التنفج (سنوبيزم) ، بل الشتائم الشخصية ، أيضا. إنهم يريدون أن يقولوا ، في نهاية المطاف: (نحن أصحاب الشهادات الأكاديمية أحق بالحكم.)
ومن يقول ذلك ينظر للأمور بعين عوراء. فقد ظهر خلال السنوات الماضية ، في البرلمان وفي الوزارة وفي أدارة الدولة ، نساء ورجال (مغمورون) ينتمون لمناطق العراق كلها ، كانوا في قاع المجتمع وعلى هامشه ولم يسمع بهم أحد ، يمتازون بالشجاعة وقدرة التعلم من الأخطاء وتطوير قابلياتهم. والكثير منهم لم تسمح لهم ظروفهم المعاشية والسياسية لمتابعة تحصيلهم الدراسي.
وإذا كان هناك جانب إيجابي كبير وفريد من نوعه في التجربة السياسية التي بدأت بعد سقوط نظام صدام حسين هو ، إنها لم تدمر فقط حكم القبضة الواحدة وإنما قضت على احتكار السلطة من قبل فرد واحد أو عائلة أو فئة اجتماعية محددة أو نخبة بعينها ، ليس في حقبة صدام حسين وحدها ، وإنما في تاريخ العراق كله.
إذن ما يقال بأن الفشل حدث بسبب أصحاب الشهادات المزيفة هو سبب واحد ، لكنه جزئي و ليس السبب الوحيد وراء هذا الفشل الشامل المدوي. وألا ، كيف استطاع فيصل الأول ، وهو لا يكاد يفك مغاليق الحروف ، أن يبني دولة عراقية حديثة من الصفر ، في وقت كانت فيه أسلحة العشائر أكثر من سلاح الدولة ؟ وما هي مؤهلات نوري السعيد الأكاديمية ؟ وما هو التحصيل الأكاديمي عند عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف ؟ و ما هي المؤهلات الأكاديمية عند صدام حسين و طه ياسين رمضان الجزراوي وعزة الدوري وسبعان و وطبان وحسن علي المجيد ؟
بل ، ما هي المؤهلات الأكاديمية عند قادة دولة الأمارات ، مثلا ، وعند قادة دول نمور آسيا وعند دول العالم الثالث كلهم ؟
لا ، الفشل لا يكمن في نقص الخبرة وحدها ، ولا حتى في الأفراد وحدهم.
ولهذا فأن الفشل و الفضائح التي حدثت خلال حقبة حكم المالكي، لا يوجد أدنى ضمان لعدم وقوعها في عهد العبادي ولا في عهد ما بعد العبادي. و الفشل الذي اعترف به المالكي وغيره سيتكرر ، ما دامت (فلسفة) الدولة ستظل هي نفسها لا تتغير ، وما دامت أهم المواد الديمقراطية في الدستور لا تطبق بحماسة ، وما دام التعامل مع بقية المواد الدستورية يتم بطريقة انتقائية وإرادوية.
الفشل الذي حدث والفضائح التي تحدث يقف ورائهما سبب وحيد هو، الانقلاب على الدستور من قبل الذين كتبوا مواده الديمقراطية بأيديهم.
وعندما يتم خرق الدستور فأن (كل) الفضائح ، بما في ذلك الطائفية ومحاصصتها و معاركها ، واختيار فاسدين وغير مؤهلين لوظائف الدولة ، و الرشا والفساد الإداري والمالي وانعدام الأمن وغياب الخدمات و ... ، ستحدث كتحصيل حاصل.
يرى السيد المالكي ، بعد أن أعترف بأنه وبقية الطبقة السياسية الحالية (فشلوا فشلا ذريعا) ، بأن القضاء على الفشل يكمن في ظهور (جيل أخر بخلفية الوعي لما حصل وبخلفية الأخطاء التي ارتكبوها.)
هذا الحل الذي يقترحه المالكي هو وهم من الأوهام ، و هروب عن مواجهة الحقيقة الجوهرية الكبرى. الذين فشلوا لم يفشلوا بسبب أعمارهم أو قلة تجاربهم السياسية، وإنما بسبب أيديولوجيتهم وقناعاتهم السياسية. كيف سيتم القضاء على الفشل وكيف ستتحسن الأمور نحو الأفضل إذا كان (الجيل الآخر) الجديد الذي يتحدث عنه المالكي سيحكم بنفس فلسفة (ما ننطيها) ؟
و لهذا فأن الذي فشل ليس (النظام الديمقراطي) الوليد ولا الديمقراطية. فعملية الانتقال إلى الديمقراطية التي بدأت عام 2003 تمت بنجاح نسبي وهي اكتملت أو تكاد. فعملية الانتقال للديمقراطية تصبح مكتملة ، كما يرى المختصون بالعلوم السياسة ، عندما يتم التوصل إلى اتفاق حول الإجراءات السياسية لانبثاق حكومة منتخبة وعندما تتشكل حكومة نتيجة لانتخابات شعبية حرة ، وعندما تكون السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ، التي تظهر نتيجة تطبيق الديمقراطية الجديدة ، مستقلة. وهذه الخطوات كلها تم إنجازها في العراق بنجاح نسبي معقول.
والديمقراطية نفسها ، أقله كفلسفة في السياسة ، لم تواجه أمامها في العراق طوال السنوات التي اعقبت سقوط نظام صدام حسين ، رفضا جماهيريا واسعا وعميقا ، رغم غياب تقاليد ديمقراطية في العراق و عدم وجود مجتمع مدني قوي يساعد على ازدهار الديمقراطية ، ورغم أن المجتمع العراقي يعاني من مشاكل طائفية واثنية وقومية لم تُحل منذ زمن طويل.
لم يحدث هذا الرفض للديمقراطية لا على مستوى المجتمع المدني ، ولا على مستوى المرجعيات الدينية ، ولا فيما يخص العشائر. لم نلاحظ أي احتجاجات من هذه الجهات ضد الديمقراطية ومؤسساتها .
والفشل الذي اعترف به المالكي ويتحدث عنه السياسيون والإعلاميون وعموم العراقيين لا تتحمل تبعاته (التعددية) المذهبية والطائفية والقومية والدينية في العراق. وهذا الفشل لم يحدث لأن من يحكمون العراق ينتمون للمذهب الشيعي أو للمذهب السني ، أو لأنهم عرب أو أكراد. التنوع و التعددية هما ثراء للديمقراطية وليس عائقان أمامها ، شرط أن تتحقق الديمقراطية بشكل حقيقي.
وحتى ما حدث ويحدث من احتقان وتخندق طائفي و أعمال عنف دامية لحل المشاكل ، فهي أمور متوقعة الحدوث في بلد يدشن لأول مرة في تاريخه عملية تحول ديمقراطي ، و يحاول مغادرة ماضي بعيد استبدادي وماضي قريب توليتاري قمعي وحصار مدمر وحروب طاحنة.
بل أن بعض علماء الاجتماع السياسي يجدون أن هناك ترابطا وثيقا بين عملية التحول إلى الديمقراطية ، من جهة ، وبين سيادة العنف و انعدام الأمن ، خصوصا في المجتمعات ذات التعددية الاثنية والعرقية والدينية والمذهبية التي ظلت مطالبها بدون حلول لفترات طويلة. والأمثلة نجدها في آذربيجان ، ارمينيا ، جورجيا ، الباكستان ، طاجيكستان.
وهذا الفشل المدوي في العراق لم يحدث بسبب الإرهاب رغم هول جرائم الإرهابيين. ولم يحدث بسبب التدخلات السافرة الإقليمية في الشأن العراقي. فقد واجهت ثورة 14 تموز 1958 منذ الأشهر الأولى بعد حدوثها تحديات داخلية وخارجية كبرى. فقد كان كبار ضباط المؤسسة العسكرية تقريبا كلهم ، ومعهم جهات وأحزاب سياسية عراقية عديدة تنشط ضد حكومة الثورة. وكانت جميع دول الجوار ومعها دول الغرب الكبرى تسعى لتدميرها.
كانت حكومة ثورة 14 تموز تسير على حقل من الألغام طوال عمرها القصير. مع ذلك ورغم ذلك فأنها نجحت في تحقيق منجزات لم تحقق مثلها جميع الحكومات التي تعاقبت بعد سقوط نظام صدام حسين.
والذي فشل ليس الإسلام. الإسلام كان وما يزال وسيظل راسخا. والتي فشلت ليست المذاهب الإسلامية ، فهي لم تشهد ازدهارا طوال تاريخ العراق مثلما تعيشه طوال السنوات التي اعقبت عام 2003.

الفشل الذي حدث بعد عام 2003 في العراق هو فشل القوى السياسية الإسلاموية التي تردد في العلن تمسكها بالدستور العراقي ودفاعها عن الديمقراطية ، وتعمل في الخفاء بالضد من الدستور ومن الديمقراطية و تسعى لإقامة نظام ثيولوجي ، وفقا لفلسفة ( نحن الأعرف بما يريده الشعب ، دنيا وآخرة).
نعم ، التي فشلت هي فلسفة القوى الإسلاموية السياسية ، ورؤيتها للأمور ونظرتها للدولة وتعاملها مع المجتمع.
و بداية القضاء على الفشل يكمن في تغيير كلام المالكي الذي ذكرناه توا وجعله كالآتي: (ينبغي أن يبرز جيل آخر بوعي جديد (مدني ديمقراطي) حتى يقضي على الأخطاء التي أرتكبها من سبقوه.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا