الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنخطاف بالأنثى و الخطف

هيثم بن محمد شطورو

2015 / 4 / 15
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


تـرمقـني بنظرة خاطفة تبحث عن وجودها من عـدمه في وجهي. ها أنا انظر إليك و ألف قوامك الرشيق بنظرة خاطفة كالبرق، بل تخـرج من الوجـدان لفحة من نار تـقـول "أوه". حين ينـفـتح مجال الرؤية من المريلة وردية اللون إلى السروال الأسود الملتصق بساقيك المنتصبتين كأعمدة من اللـذة.. لكني أقرؤك لوحة جميلة كـذلك..
ها هو مجال التجاذب العميق رغم زمنية البرق بين الذكورة و الأنوثة. الجاذبية الطبـيعية التي هي منذ بدء الخلق في جوهـرها. ألوانها و أشكال حضورها و بالتالي مضمونها الشعـوري و التـفكري تعـدد و تبدل و انه الآن كذلك يتغير. يتغير من واقع اختطاف الأنثى للرجل بنظرة من عينيها و سحر جسدها إلى خطف الذكر لها و مواقعـتها بين الأشجار. تبدو هذه صورة اكـتمال المشهد الذكوري الأنثوي طبـيعيا. الأمر كان كـذلك ثم تطور إلى عصر الجـواري حيث الارستـقـراطية يمكنها بالمال تحقيق الرغبة، و دخلنا بواسطة الرأسمالية إلى نوع آخر من الجواري و طرق أخرى في الدفع. لكن لازالت توجد بين الفينة و الأخرى الحالة الأولى الجوهرية من الانخطاف و الاختـطاف خاصة عند الفقراء و المهمشين. و جرائم الاغتصاب هي عنوان الرغبة الذكورية الأصيلة. فـقمة اللـذة الجنـسية تكون في انتهاك جسد غـريب مشتهى غير معـلوم لم تلوث الرغبة الشهوية فيه الكلمات. الكلمات تضعـف من جـذوة الشهوة و التعارف يكاد يمحـوها.
و كان أجدادنا يمتعـون أنـفـسهم باغتـصاب الجسد الغـريب المشتهى بقوة دون كلمات من خلال طرق الزواج التي كانت عن طريق الواسطة فلا يرى زوجته إلا ليلة الدخلة. ليلة الانصهار بين المواقعة و الدم، أي ليلة التجلي الكبير و القوي للجنس و العدوان و هما جوادي عربة الهو. في الأمر قوة جنسية و سحر عظيم يكاد المرء يسقـط فيه مغـشيا عـليه مثـلما ذكر ذلك في قصص ألف ليلة و ليلة...
أما اليوم ، فنحن في عصر الكبت الجنـسي بامتياز، حيث ان التعارف بالكلمات يضعف قـوة الشهوة و سحرها. لكن في المقابل، هناك عملية تـرقي نحو العلاقة الروحية القائمة على الارتباط بالعاطفة و العـقل و الوعي. الآن هناك عـقـلنة لطرق التواصل و إضعاف للشهوة يقابله عنصر تـقـوية للعاطفة.
تـقـوم الذكورية على التجريد و الشهوة أما الأنثوية فـتـقـوم على العاطفة. المرأة تعـيش حياتها عاطفيا في انسجام تام و لـذلك تربط وجودها بالأسرة و النظام الأسري و الزواج مطلب أنثوي أساسا و ليس ذكوري. الذكورية في عمقها انفصال بين الجنسي الشهوي و التجـريد العـقلي أما القـلب فهو مبعث النكـوص الذكوري. لذلك يصارع الرجل العاطفة برغم تملك العاطفي له و الذي يبدو أمرا مبهما مخيف لأنه غير قابل للإدراك العقلي المقنع. أما الأنثى فان الحب العاطفي هو جوهر وجودها بل هو حياتها. فعالم الذكورة هو عالم التوحش و عالم الأنوثة هو عالم التحضر. فتحريم الزنا هو لصالح الأسرة أي لصالح المرأة و هو في غير صالح الرجل لأنه من حيث الشهوة يـبحث عن التعـدد الذي يغـذي انتصاريته الذكورية مقابل انتكاسيتها في الالتـزام بامرأة واحدة.
الرغبة الجنـسية في قمعها و الحد منها تصريف لها في العمل و الإنتاج و الإبداع. لأجل ذلك فان مبدأ الحضارة يتـناقض مع الذكورية. كل عملية تـقـدمية في التاريخ هي عملية أنثـوية بمعنى الارتـقـاء إلى مبدأ العـمل بدل مبدأ الشهوة. و تبدو الشهوة مدمرة لذلك وجب ان يستعـين الذكوري بطاقاته التجريـدية ليحولها إلى عبودية الله و العمل. و قد حرصت الأديان على إعلاء الذكورية إلى عالم ما بعـد الموت حيث الحوريات رائعات الجمال متاع مباح خالد.
و اليوم، تحرص الأنثى على إظهار مفاتـن جـسدها مدعمة بآلـية الإنـتاج الرأسمالية من موضة و صناعة الملابس و التجارة العالمية الضخمة في هذا المجال. الذكوري يرى في الأمر رغبة في الجـنس لأنها تـنعكس عـليه شهويا، بينما الأنثى تريد ان تكون جميلة و بالتالي ان تـظهر جميلة. الأنثوية في عمقها تجلي للوجود الجمالي في ذاته. تـشابكت هذه الرغبة مع المنظومة الرأسمالية التي أعـطت مظهر الأنثى السلعة. لكن مقولة الأنثى السلعة هي مقولة ذكورية مرتبطة بشهوة الاغتصاب و الاختطاف و التمتع بجسد أنثوي لا يتكلم أو لا يعرفه معرفة شخـصية...
في عصر الصور الأنثوية الجميلة حيث تـنـفـتـح الجمالية الأنـثـوية في الشاشات و المجلات و اللوحات و الواقع، تـتجلى بعمق معالم القهر للـذكورية التي تـنـفجـر بين الحين و الآخر في جرائم الاغتصاب أو الدخول في عالم المومسات بأشكاله المختلفة أو الـداعـشية الإرهابية، أو باستعمال الكـلمات ليس لذاتها أي رغبة في التواصل الحقيقي مع المرأة و إنما لأجل استـدراج الأنثى إلى المضاجعة، أو الارتـداد على الـذات لواطيا...
في هذا العصر يكون من الضروري الكـشف عن هـذا التـناقض و من ثم تجاوزه. و لعل ابرز معالم التجاوز هي تغـذية الروح الفنية التي تطور الإحساس الجمالي عند الإنسان. و بالتالي يصبح الموقف من الأنثى الجميلة ذات القوام الرشيق مبعـثا لبهجة البصر و موقـدا للحواس و باعثا للإحساس بالجمال و من ثم باعثا على العمل و الإبداع.
أما المرأة فإنها لن تسكن التوهج الذكوري العـدواني إلا بامتلاكها للكلمات الفكر و ليس الثرثرة المشخـصنة. بالـفكر وحده الذي يصبح مبعث التوهج الحـقيقي يمكن للمرأة ان تربط الرجل بالرباط المقـدس، ذاك ان الذكوري شهوي مدمر و لكنه تجريدي و الفكرة الصميمة لديه عندها من الوهج و السيطرة على النـفـس أكثر من الشهوة كلما ارتـقى بدوره إلى دائرة الفكر. و الارتـقاء إلى دائرة الفكر قد تكون المرأة اكبر محفـز له.
من هنا، يمكن للمرأة ان تـقـضي على اضطهاد الرجل للمرأة، و من اجل ذلك يكون من الضروري فـتح أبواب التواصل الكلامي أكثر ما يمكن بين الأنثوي و الذكوري كمفاهيم و بين المرأة و الرجل كواقع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - لميس الحديدي: نتمنى في يوم من الأيام أن نرى رئي


.. تقرير: تزايد العنف الرقمي ضد النساء والفتيات المراهقات! • فر




.. انطلاق فعاليات معرض الرقة الثاني للكتاب


.. مشادة كلامية بين ضيوف صباح العربية حول موضوع إدارة المرأة لل




.. سألنا السيدات في تونس: هل تفضلن المدير رجل أم امرأة؟