الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عاصفة الحزم و ضرورة التوبة الخليجية

حسن الفجح

2015 / 4 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


دخلت "عاصفة الحزم" أسبوعها الثالث دون ظهور بوادر الحسم في الأفق، ما يعني إمكانية تدخل بري في القادم من الأيام مع ما سيجر معه من تعقيدات وتداعيات قد تتشعب لتدخل المنطقة برمتها في أتون حرب طائفية لا أحد يتكهن تفاصيلها، كما لا تؤتمن نتائجها التي ستكون كارثية بكل المقاييس خصوصا على دول ما بعد الربيع العربي، وتجارب شعوبها في تحقيق أمل الانتقال الديمقراطي.
في هذه الورقة لن نتوسع في رصد مآلات العملية العسكرية باليمن، بل سننظر في جذور الأزمة اليمنية التي أنتجت عملية "عاصفة الحزم". يقول المثل: "من يزرع الريح يحصد العواصف" هذا ما يصدق كثيرا على الحالة التي باتت عليها اليوم دول الخليج العربي بقيادة السعودية والامارات؛ فالمتتبع سيجد أن السعودية وحلفها الخليجي قد حفروا حفرة لإخوانهم فسقطوا فيها، أشعلوا فتيل النار فاكتووا بلهيبها.
قبل أزيد من ثلاث سنوات قلبت الثورة اليمنية التي قادها الشباب، الموازين السياسية وأجبرت الرئيس علي عبد الله صالح على الرحيل. رحيل كان من المفترض أن يفضي إلى نتائج عملية يجنيها الشباب اليمني الثائر بكلتا يديه، أهمها أن يحاكم صالح على جرائمه وأن يتم العمل على إنهاء دوره السياسي باليمن الجديد، وأن يقلص نفوذه داخل دواليب الدولة ومؤسساتها لا سيما العسكرية منها، ثم السماح للحلم اليمني بالتحقق بتأسيس لبنات دولة المؤسسات التي يحكمها القانون، وتمكين اليمنيين من الحق في حياة أفضل. لكن مع كل الأسف لم يتحقق شيء مما ذكرناه هنا، وتبخر الحلم وذهبت هتافات الشباب وصمودهم أدراج الرياح.
حدث ما حدث في ظرف وجيز لم يتعد الثلاث سنوات بفضل ما يسمى "بالمبادرة الخليجية" التي مكنت صالح من فرصة ذهبية سمحت له (برعاية خليجية باسثتناء دولة قطر التي انسحبت من المبادرة مبكرا جدا) بتجنب متابعة قضائية كانت ستعد انتصارا لثورة اليمن، لا سيما بعد مجزرة تعز التي قادتها قوات صالح في 29 ماي 2011. ظنت الدول الخليجية أنها سددت الضربة القاضية للثورة اليمنية (التي كان سيشكل نجاحها احراجا حقيقيا لأنظمة بعض دول الخليج ذات التقاليد غير الديمقراطية)، وأن تحصين صالح ربح كبير لها، لكن مجريات الأحداث فيما بعد بينت أن ظنونها كانت واهمة وأنها أخطأت مرتين: مرة بضرب من كان يفترض أن يصير صديقا وثانية بدعم من أصبح عدوا فيما بعد. بفضل الحصانة الخليجية بقي صالح في اليمن واستمر في إدارة جيوبه داخل الدولة خصوصا قوات الحرس الجمهوري، كما ازداد نفوذه، وحكم اليمن من جديد ولو "من وراء حجاب" عبر دولة الظل التي تحكمت في مجريات الأحداث السياسية والعسكرية على الأرض.
هذا النفوذ خول لصالح مكانة لم يكن لعبد المالك الحوثي التغاضي عنها، الشيء الذي جعله يختاره حليفا يمهد له الطريق للتمدد نحو صنعاء ولم لا إلى ما هو أبعد. هكذا صار عدو الأمس حليفا اليوم (خاض صالح خمس حروب مع الحوثيين منذ سنة 2004(. بالكاد كانت السعودية وحلفها الخليجي على علم بما يفعله صالح باليمن فيما بعد توقيعه على المبادرة الخليجية، غير أنها – وكما يبدو – لم تكن تضع بالحسبان تحرك الحوثي نحو الجنوب، وتمدده بهذا الشكل بدعم سياسي وعسكري جلي من قبل إيران (كانت إيران تمد الحوثيين بالسلاح عبر البحر عن طريق إيريتريا، وبعد سقوط صنعاء فتح خط جوي مباشر بين صنعاء وطهران)، كما لم تكن تتوقع أن يمهد له صالح الطريق عبر تحالف كشفت أوراقه فيما بعد عبر تسجيل صوتي مسرب جرى بين صالح والقيادي بجماعة الحوثي عبد الواحد أبو راس.
لم تتوقع دول الخليج إذن "خيانة" صالح وتنكره لجميلها، ذلك أن صالح عرف ببرغماتية تموت أمامها الولاءات (يرى مراقبون أن صالح كان يروج لحربه ضد الحوثيين من منطلق نفعي صرف غايته ابتزاز السعودية ماليا)، لكنها وجدت نفسها في النهاية أمام واقع يمني جديد لم يكن في الحسبان؛ فتمدد الحوثي يعني توغلا إيرانيا في العمق الخليجي، إذا أخذنا بعين الاعتبار العداء الإيراني السعودي وتمركز جماعة الحوثي بأقصى الشمال اليمني على الحدود المتاخمة للسعودية جنوبا (تعد مدينة صعدة معقل الحوثيين)، ناهيك عن عداء السعودية للحوثيين (خاضت السعودية حربها الأولى ضد الحوثيين سنة 2009 توغلت القوات الحوثية خلالها بعمق 70 كلم داخل الأراضي السعودية).
كل هذا يجعل السعودية ومعها دول الخليج في هذا الوضع أمام تحد صعب للغاية يزيد التخوفات من اختراقات إيرانية لدول مجلس التعاون خصوصا أمام وجود أقليات أو أكثريات شيعية غير حاكمة ببعض دول المجلس كحال السعودية والبحرين مثلا. بعد كل ما ذكرناه تبين للسعودية الخطأ الجسيم الذي ارتكبته نتيجة حسابات استراتيجية مغلوطة، وقد شكل انتقال الحكم إلى الملك سلمان عقب وفاة شقيقه عبد الله نقطة تحول ملحوظ في عديد من القضايا الداخلية والخارجية بشكل أخص.
نقطة التحول تلك كانت بداية لإعادة النظر في جملة قضايا تتعلق بسياسات السعودية الخارجية وبعمقها الإستراتيجي، وقد ظهر هذا التحول في إعلانها عملية "عاصفة الحزم" كمحاولة ردع للحوثيين من أجل "الشرعية" التي يمثلها الرئيس عبد ربه منصور هادي. لن نناقش قيمة العملية ومدى مشروعيتها، لكن نسجل ملاحظة تهم ما نحن بصدد توضيحه في هذه الورقة، تتجلى هذه الملاحظة في اعتبار "عاصفة الحزم" بمثابة تصحيح أخطاء دول الخليج - بقيادة السعودية والامارات – الفادحة التي قامت على أساس تدبير الأزمات والإجهاز على ثمرات الربيع العربي.
من هذا المنطلق نجد أن الهاجس الطائفي حاضر بقوة في حسابات السعودية في عمليتها العسكرية باليمن، لكن يجب ألا يكون هو الدافع الوحيد للسعودية وحلفها لتغيير سياساتها الخارجية خصوصا مع دول ما بعد الربيع العربي. فبعد اليمن ثمة تجارب أخرى تورطت فيها دول مجلس التعاون بشكل سافر ودبرت فيها أزمات جاءت على حساب الشعوب وضدا على إراداتهم في التغيير نحو الأفضل.
إن ما يحدث في اليمن وما وصلت اليه التطورات في هذا البلد الجريح مجرد نموذج لنماذج أخرى، ولا بد لدول المجلس أن تعيد التفكير في هذه التجربة والاستفادة من عبرها كي لا يتكرر ما لا يحمد عقباه. فإن لن تتدخل بشكل إيجابي فأضعف الإيمان ألا تتدخل بالمرة. على هذه الدول أن تفهم أن مصالحها وأمنها القومي يكمن في النأي بنفسها عن الشأن الداخلي لدول الجوار والاهتمام بشؤونها الداخلية سعيا لاصلاح ما يمكن اصلاحه قبل "أن يفوتها القطار" بتعبير علي عبد الله صالح نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذته مسيرة لحزب الله | #غرفة_ا


.. صاعد المواجهات بين الجيش السوداني والدعم السريع | #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: دخولنا إلى رفح خطوة مهمة جدا وجيشنا في طريقه للقضاء


.. أسامة حمدان: الكرة الآن في ملعب الإدارة الأمريكية التي عليها




.. مياه الفيضانات تغمر طائرات ومدرجات في مطار بجنوب البرازيل