الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النسق الانفعالي قراءة تحليلية في نص (طُفُولَةٌ) للقاصة صفية يوسف

أثير الغزي

2015 / 4 / 15
الادب والفن



طُفُولَةٌ
بِسَذَاجَةِ طِفلة مَبهُورة، أدركتُ منزلي الجديد، للوهلة الأولى قفزتُ نحو جوانحه، أجوبُ – متنقلة – أرجاؤها الفسيحة، ألهو حيناً، وأكتشفُ حيناً مزايا المفاجآت، لضآلة خبرتي، كنت دوما ً أرتكب حماقات فأكسر بعض أشيائه الثمينة ٍِلم أقصد – في كل ذلك – أن أؤذيه، بل لشدة حرصي عليها، كانت تقع مني، تتطاير آراباً، تتبعثر أشلاء ً هنا وهناك، آه ٍ كم أغضبته، كم نعتني بالرعناء، وكم عنفني بقسوة، فكان يحرمني من متعتي معه إذا ما اشتد سوء مزاجه وتعكر صفوه، لاحقاً سيغدو تنقلي بين جوانحه مغامرتي الممتعة، وحينما يستشعر برجولته كامل عبثي، ستكتمل مراحل طفولتي ربما لا أعاود اللعب بالنار، وربما سأبلغ سن الرشد مرة أخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القراءة
_______
*عتبة النص
ـــــــــــــــــ
تكاد الدلالات الانفعالية تطغى على النص فتصبح قيمة أساسية تُغري الناقد أو القارئ للوقوف وتحليل النص وفق هذا السياق، وانطلاقاً من هذا الجانب فإن قصة (طفولة) تطرح سؤالاً
لماذا الطفولة؟ وهل في لحظة القصّ حالة انفعالية أحالت الكاتبة إلى عفوية الطفولة؟؟
يحوي ميدان الإجابة استحضار قول توماس دي كنس: (( لو لم تجد الأحاسيس البشرية متنفساً لها، ولو لم تستدعيها ظاهرة الطفولة العظيمة لممارسة إمكاناتها أو تدفعها الحياة الواقعية في تحركاتها عبر المصادفات والتقلبات، ولولا انعطافها عبر الأدب في إعادة توحيد لهذه العناصر عن طريق محاكاتها في القصص وغيرها، لولا كلّ ذلك لخارت جميع هذه الأحاسيس وذوت تدريجياً))
** النّسق الانفعالي في النص:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يفارق الإبلاغ عن النسق الانفعالي الحدث تماماً، وبذلك ينتج نوعاً من التعبير، يصدر عن الذات التي تتأثر بما تنقله، وتحاول نقل هذا التأثر إلى المتلقي.
ولابد للتعبير الانفعالي من تمييز (تعريف) يُضيف إليه ما ينسجم مع طبيعة الأداء به إذ ينفرد بخصوصية تعريفية تدلّ على التفريق بين الأشياء محسوسة أو غير محسوسة، ولا نقصد بالتمييز لدى أداء الحكاية في نص (طفولة) مجرد التعريف، إنما هو التمييز الذي يقوم على نوع العلاقة التي تحكم السّارد بما يتحدث عنه، سواء أكانت العلاقة مباشرة، بوصف السارد مشاركاً بما يتحدث عنه، أم كانت غير مباشرة، حين يكون السّارد خارج مجال الحدث لكنه يحرص على إظهار موقفه من قيمة ما يتحدث عنه، بتدخله في السّياق وإبرازه ما يراه فيما يصفه أو يسرد فعله على أساس انفعالي.
وبهذا لا يقدم التمييز هوية المتحدث عنه مجردة إلى المتلقي؛ لأن الأداء التعبيري في التمييز يؤدى بأشكال شتى.
منها ما يؤدى بشكل عفوي على أساس انفعالي بذكر انفعالات الطفولة العفوية، ومنها ما يؤدى بسياق من الوصف الحسي أو ذكر المتعلقات المادية أو الأفعال. وربما يختلط هذا وذاك في إطار تقديم ما يخضع للتميز لتحقيق التأثر في ذهن المتلقي.
- ما قدمته الكاتبة بشكل عفوي:
إنها امرأة تملكتها الطفولة بأثر انفعالي، فموقفها يمتّ إلى الثورة العاطفية بصورة جوهرية؛ لأنها لا تملك الوعي بالفعل قدر امتلاكها لتلك العاطفة المتأججة تجاه البيت الجديد:((بِسَذَاجَةِ طِفلة مَبهُورة، أدركتُ منزلي الجديد))
- امّا تأدية السّياق الوصفي بذكر المتعلقات المادية أو الأفعال، إنما هو موقف ينطلق من (صلة المودة)، وقد حاولت الكاتبة وبشكل موفق تكثيف الفعل السردي، وحذف الجوقة الثنائية والاستعاضة عنها بوصف الحدث دون أن تفقد الثنائية قيمتها الفكرية التي تحملها الكاتبة إلى ذهن المتلقي ((للوهلة الأولى قفزتُ نحو جوانحه، أجوبُ – متنقلة – أرجاؤها الفسيحة، ألهو حيناً، وأكتشفُ حيناً مزايا المفاجآت، لضآلة خبرتي، كنت دوما ً أرتكب حماقات فأكسر بعض أشيائه الثمينة ٍِلم أقصد – في كل ذلك – أن أؤذيه، بل لشدة حرصي عليها، كانت تقع مني، تتطاير آراباً، تتبعثر أشلاء ً هنا وهناك، آه ٍ كم أغضبته))
ومن خصائص هذا التمييز أنه يترك المجال واسعاً أمام خيال المتلقي ليشكل منظراً عاطفيا عفوياً تشوبه السذاجة والحماقات غير المقصودة في آن واحد ((أرتكب حماقات فأكسر بعض أشيائه الثمينة)) وبذلك يحمل الرائي انفعاله تجاه الأشياء بصورة انفعالية لوصف الحرص الشديد تجاه هذه الأشياء لتكون صورة مستجابة في ذهن المتلقي عن طريق المفارقة وبالشكل التالي
عبثية الأطفال بأشيائهم = حبّهم الشديد لها (عفوية)
تقابلها عفوية الوصف داخل النص:
((كسر بعض أشيائه الثمينة لم أقصد – في كل ذلك – أن أؤذيه، بل لشدة حرصي عليها)) أيضاً (عفوية)
ويظهر أثر التمييز الذاتوي في التعبير بمستواه الانفعالي في نموذج آخر ضمن سياق (الفعل ورد الفعل)
كم أغضبته (فعل)
(كم نعتني بالرعناء، وكم عنفني بقسوة، فكان يحرمني من متعتي معه إذا ما اشتد سوء مزاجه وتعكر صفوه) (رد الفعل)
وتسترسل الكاتبة في إكمال الحدث، ولكن بإسلوب مغاير تماماً ((لاحقاً سيغدو تنقلي بين جوانحه مغامرتي الممتعة)) لتتحول إلى إظهار الانفعال بهذه المتعة عن طريق اسلوب شاعريّ متوهج بانفعالات المودة، إذ أبدت بذكر الخاص ولكن على وفق تعبير يعزز جمالية تحاكي جمال الموقف الذي تصفه ((وحينما يستشعر برجولته كامل عبثي)) ولم يكن إسناد حديث النفس (المنلوج الداخلي) غائباً بل عزز انفعال البطل الذي وضع قناعاته بما يفعل مقابل الضد من عبثية الطفولة!!! ((ستكتمل مراحل طفولتي ربما لا أعاود اللعب بالنار، وربما سأبلغ سن الرشد مرة أخرى!))
في حين لا نجد في السّياق تعبير سطحي للكاتبة لصرف المتلقي عن التأويل للإنفعالات وهذه دعوة مضمرة في نسق الدال العميق للنص.
شكرا للكاتبة على هذا النص الغني بالانفعالات، ولمزيد من الابداع ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح