الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضياع والفوز .. بين لحظة القرار وقرار اللحظة

ياسين الياسين

2015 / 4 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


كان هذا موضوعنا قبلاً في بحث طويل وهو يحكي قصص الطغاة وسقوطهم السريع والمريع في نهاياته ، وربما في كثير من الحالات المسجلة تأريخياً تجد أن نهايات حكمهم وسقوط ممالكهم بدأ وإنتهى بأمر تافه قد يأخذ وقتاً منك طويلا في التمعن والتفكير لمآل نهاياتهم المروّعة تلك ، والغريب في كل تينك الحال والأحوال أن الأنسان وبسجيّته البسيطة لايتّعظ من تلك المشاهد وتكرار تلك الصور الغير مرغوب فيها من قبله ، ولاحتى يأخذ منها درساً يفيد به الآخرين ويستفيد بل نجده مكابراً في أخطائه موغلاً أكثر في أبعاد شخصيّته معطياً إيّاها ما لاتستحقّه بحكم تركيبتها البشرية من سيمات وثيمات محاولاً معها الترفّع بها عن مستوى البشر والأرتقاء بها إلى مصاف الآلهة ، وهذا هو مقتلهم الحقيقي ومرسى سفن طغيانهم والعروج من حيث لايدرون إلى رسم مشاهد نهاياتهم المأساوية والتوقيع والبصم بالهام الكبير على خارطة الأمر الواقع والرجوع إلى حضيرة البشر ولكن ليس بخفّي حنين وحسب بل بتساقط الرؤوس وهدماً مروّعاً للعروش .
وقد أغنتنا التجارب تأريخياً وأغنت فضولنا وأشبعت رغباتنا في التعرف وقراءة حياة رموز لايمكن تجاهلها أوالمرور بها مرور الكرام ، ومن تلك الرموز أباطرة مرّوا على البشرية في عصور متفاوتة ومختلفة وهذا نيرون أحد أباطرة الروم وواحداً منهم ، وقد أخذته العزة بالأثم والتكابر بشخصه وروحه حداً فاض عن كل الحدود التي تعارف عليها البشر عند الطغاة ، وتمادى إلى الحد الذي أراد به أن لايذلّ شعبه وحسب بل حتى النبلاء وأشراف البلد ونواب الشعب وشيوخه ، وكان ذلك حين أصدر أمره بمرسوم إمبراطوري بتعيين حصانه عضواً في مجلس الشيوخ الروماني ، وعادة ما يتقبل النواب المنبطحون للسلطان والخانعون خوفاً والخاضعون ذلاً له الأمر برحابة صدر وتصفيق وتهليل بهذا القرار الحكيم من لدن عظيم الأمة وإمبراطورها الكبير بتعيين حصانه لأنه وبحسب رأي العلماء والفلاسفة والمنمّقون لهفوات السلطان أنه ليس حصاناً كباقي الأحصنة وأنه بدرجة خاصّة ولاشك هبة من الرب العظيم إلى الأمبراطور المبجّل ، وهكذا كان على أعضاء المجلس الموقّر قبول زميلهم الشيخ الجديد حصان الأمبراطور ، والتهليل والترحيب به بتعاقبهم الكلمات والمدائح بحق محنّك السياسة الرومانية الجديد والذي لاشك سيغيّر وجوده عضواً وشيخاً بين الشيوخ واقعاً فاسداً إلى آخر أحسن منه بكثير بفضل حنكته وتجربته بين ظهراني قصور السلطان وإطّلاعه الكامل على القرارات الحكيمة فضلاً عن حضوره شخصياً صلب القرار الأمبراطوري المقدّس ، وتتبّعه سير تلك المشاهد والفصول السياسية والقرارات الصائبة ، وأن الشيخ الجديد والسياسي الزميل والمحنّك سيغني تجربة المجلس ويجعل منه مجلساً رائداً لم يشهد تأريخ السلطنة له مثيلاً ، وعند ذاك حار الأمبراطور والسلطان في كيف يهين شيوخه المتعفلقين والمتفلسفين بغباء نهم ، فقرر السلطان بذاته حضور إحدى جلسات المجلس إيّاه ليستأنس بآراء العضو الجديد ، وحضر واحداً منها بالفعل وإيغالاً منه بأهانة الأعضاء قال : أني لم أراكم تستريحون ولم تشربوا أوتأكلوا شيئاً ، وأمر الخدم والموظفين بأحضار وجبة طعام خفيفة للمشايخ من الأعضاء ، ولم يفكّر أحداً منهم بالحصان ولم يدر بخلده أن يشير لأحد الموظفين أوالعاملين بأن يضع للحصان عليقة من الشعير ، وكان حضور الأمبراطور قد أبهرهم وشدّهم التملّق إليه وكيل المديح له والثناء عليه عن أي شيء آخر ، وعند ذاك تمادى الأمبراطور في إهانتهم فأمر بأحضار عليقة الشعير لزميلهم عضو مجلس الشيوخ قائلاً : أن ليس من الأدب ولا من الأخلاق أن تأكلون وزميلكم ينظر لكم مكسوراً من الجوع بعد عناء من النقاشات والحوارات طويل ، وهكذا وبعد أن علّقوا كيس الشعير في رأس الحصان وبدأ يتناول شعيره بمجرشة الفكّين وأيقن السلطان بعد برهة أن ماتبقى من الشعير قد إبتل بسائل من فم الحصان يتدلى عليه عندها قال : لا أعتقد أن من الكياسة أن يأكل عضواً من الأعضاء شيئاً مختلفاً عن زملائه وهو عضو مثلهم وليس أعلى منهم درجة فأمر العاملين أن ينزعوا الكيس أوالعليقة من رأس الحصان وأن يبدأوا بتوزيع ماتبقى من الشعير في الكيس في أطباق على الأعضاء جميعاً مؤكداً على ضرورة أكل كل مافي الطبق مجاملة لزميلهم وليكون بين الجميع زاداً وملحاً ، فتناول الأعضاء على مضض كل مافي أطباقهم مع أنه رطباً بشكل مقزّز ، وبينما يتمايل بعضهم برقبته يميناً وشمالاً لتجرّح أجزاء من البلعوم جراء محاولة إبتلاع الشعير المدبّب الرأسين ، وعندها سألهم السلطان عن شعورهم بمدى طيب الطعام ، فقال أحدهم سيّدي أنّ نواب الشعب يهزّون برقابهم متمايلين جرّاء النشوة بلذّة الطعام وعدم معرفتهم قبلاً بفوائد الشعير ولذّته في الأكل ، وبات يشكر الأمبراطور العظيم على إلتفاتته الكريمة وزيارته التأريخية التي لاشك سيسجّلها التأريخ لتبقى واحداً من معالم الأمبراطورية العظيمة ..
وأخيراً .. أكل النواب الشعير بينما بات الشعب كريماً نائماً شبعاناً برغيف من خبز الطحين ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل


.. السيناتور ساندرز: حان الوقت لإعادة التفكير في قرار دعم أمريك




.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال