الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس : خزينة فارغة.. فاقتراض.. فاستعمار مباشر

حزب الكادحين الوطني الديمقراطي

2015 / 4 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


خزيـنة عــاجزة بـ 7.5 مليار دينار
أطلق المسؤولون الرّسميّون في الشؤون الماليّة بالدّولة التونسيّة في بدايات شهر مارس صيحات فزع في ارتباط بما آلت إليه الحصيلة الماليّـة لخزينة الدّولـة. وإن كانت هذه التصريحات تعبّر في ظاهرها عن استغراب لما آلت إليه الأوضاع، فإنّها في باطنها، ليست كذلك، إذ أنّ جميع المؤشرات الاقتصادية والماليّة كانت تسير سيرا طبيعيّا نحو بلوغ هذه النتيجة، أي أنّ الحصيلة التي تمّ الإعلان عنها كانت منتظرة، أم أنّ وزير الماليّة ومحافظ البنك المركزي كانا ينتظران حصول فائض بعد كلّ تلك المصاريف التي أُنفقت على الكرنفال الانتخابي وعلى الدّستـور وعلى حكومات الانتقال الديمقراطي و التعويضات المشبوهة ... إلى غير ذلك من المصاريف المعتـادة والطّـارئة دون أن نتطرّق إلى مسألـة الاختلاسات الموصوفة منها والمقنّعة ومسألـة الفسـاد المستشري في مختلف أجهزة الدّولـة، وهمـا مسألتـان ضاربتان في التّاريخ تعودان إلى عهد البايات الحسينيين، وقد حافظت عليهما السّلطات المتلاحقة حتّى أصبحتا ملازمتين للنظام القائم وركيزتين من ركائزه الأساسيّة.
تتمثّل صيحة الفزع هذه في قيمة العجز الذي بلغته خزينة الدّولة، إذ وصل الى 7.5 مليار دينار في موفّى سنة 2014 وبداية سنة 2015، فقد قُدّرت المصاريف بـ 29 مليار دينار فيما لم تتجاوز المداخيل 21.5 مليار دينار.
و الغريب في هذه التصريحات، ليس الرّقم المفزع لقيمة العجز، وإنّما هو ما أطلقه هذان المسؤولان حول استتباعات الرّقم الذي أورداه. فقد صرّح وزير الماليّة بأنّ الحلّ يكمن في الحصول على قروض أجنبية، أمّا محافظ البنك المركزي فقد قال أنّ الفارق بين المصاريف والمداخيل لا يمكن تغطيته إلاّ بالسندات الماليّة الدّاخليّة إذا أمكن ذلك أو بالاقتراض من الخـارج (تصريحات صحفيّة للمسؤوليْن المذكوريْن يوم 3 مارس 2015). فالمسؤولان لم يشيرا بتاتا إلى أسباب هذا العجز حتّى يجدا إجابة على استغرابهما وفزعهما على الأقلّ، بل مرّا مباشرة إلى اقتراح الحلول. غير أنّ وزير الماليّة استدرك بعد يومين، وصرّح بأنّ "كل هذه الأرقام تعكس الصعوبات التي ورثتها في وزارة المالية عن الحكومة السابقة" (الصباح نيوز، يوم 05 - 03 – 2015، "وزير المالية: لا ندري كيف سنغطي باقي نفقات 2015"). وحتّى في هذا التّصريح لم يكلّف الوزير نفسه عناء البحث عن الأسباب العميقة للأزمة، فوجد في "تركة الحكومة السابقة"، حسب رأيه، الإجابة الكافية والضّافية، وهي إجابة اعتدنا عليها خلال السنوات القليلة الماضية، ذلك أنّ الحكومات اللاّحقة دائما تربط فشلها أو عجزها بالحكومات السّابقة .




طريق الثورة / فيفري مارس 2015
ويبدو أنّ وزير الماليّة ومحافظ البنك المركزي قد اتّفقا على حلّ واحد دون غيره وهو الاقتراض من الخارج، بل إنّ المحافظ نفى أيّ إمكانيّة لحلّ غير ما ورد على لسانه. و هذا الحلّ جاهز في مخيّلة المسؤوليْن، فلا مجال بالنسبة إليهما للتفكير وإرهاق العقل في البحث عن حلـول أخرى. وقد استغلّ المحافظ لقاءه بالمدير التنفيذي الخاص بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا في صندوق النقد الدولي لينطق بهذا الحلّ، وكأنّه بذلك يودّ التّأكيد لهذا الزّائر أنّ الدّولة التّونسيّة ستبقى حريفا وفيّا لصندوق النّقد الدّولي حتّى وإن تفاقمت أزمتها الماليّة وتراكمت ديـونها تجاه هذا الصندوق أو غيره من المؤسسات الماليّة الامبريالية.
سيـاسة الحلّ الوحيـد
لا يثيـر الحلّ الذي باح به المسؤولان المذكوران أيّ غرابة بالنسبة إليهما ولا للفريق الحـاكم ، ذلك أنّ" المؤسسات الماليّة الدّولية والدّول الصّديقة والشقيقة لن تتخلّى عن الجمهوريّـة الثّـانية" مهما بلغت بها الأزمة حتّى تُنجح هذا الأنموذج العربي والعالمي في تحقيق الانتقال إلى الدّيمقراطيّة. وحفاظا على تقاليدنا وعلى أخلاقنا، فإنّنا لن نتخلّى يوما عن الأيادي الممدودة إلينا وسنُمضي على كلّ دفتر تنهمر من خلفه علينا الأمــوال، ولن يخذل نوّاب الشّعب رُعـاةَ الدّيمقراطيّة ولن يتنكّروا لأرباب النّعمة التي أنعموا بها عليهم وسيصوّتون بنعم حتّى تدوم النّعم، أمّا من قال منهم لا أو لم فتلك أيضا من نعم الديمقراطية وأصواتهم ستُحترم.
لقد تزامنت هذه التصريحات مع زيارة تفقّديّة لممثّل صندوق النّقد الدّولي الذي جاء ليطمئنّ على سير تنفيذ قرارات الصندوق المتلازمة مع أقساط القديمة القروض القديمة ومدى تطوّر إنجازها في إطار الإعداد لمنح القسط الموالي والمقدّر بـ 600 مليار دولار. وعلاوة على هذا القرض، صادق مجلس النواب يوم 4 مارس 2015 على قرض من الاتحاد الأوروبيّ بقيمة 300 مليون أورو، وفي اليوم الموالي صادق نفس المجلس على قرض من
الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي للمساهمة في تمويل مشروع سد ملاق العلوي. فقد أصبحت القروض تتهاطل على البلاد التونسيّة، وأصبح كلّ مشروع تخطّط له أيّ حكومة يتطلّب تمويلا يتمّ اللّجوء فيه إلى الاقتراض، فلن نتفاجأ إذا ما صادق يوما النوّاب على قرض إقليمي أو دولي من أجل بناء دُكّان أو تعبيد مسافة قصيرة من طريق أو غيره من المشاريع. وهكذا يصبح الحلّ الوحيد للأزمة الماليّة المزيد من الاقتراض ومراكمة الدّيون أي مزيد تأزيم الأزمة.
لقد أدّت سياسة الحلّ الـوحيد التي تتوخّاها الحكومات المتعاقبة إلى تفاقـم قيمة الدّيـون، حيث بلغت في سنة 2014 ما مجموعه 44 مليار دينار، وقد ارتفعت نسبة الدّين الخارجي من 30% سنة 2010 إلى 53% سنة 2014 من حجم الناتج المحلّي الإجمالي. وفي دراسة جديدة صادرة عن صندوق النقد العربي، ورد في التقرير الاقتصادي العربي الموحد أنّ خمس دول عربية فقط من بينها تـونس تشكّل ديونها لوحدها 80% من مجموع ديون الدّول العربيّة.
من الإملاءات إلى الاستعمار المباشر
لا همّ للحكومات المتعاقبة إلاّ حلّ أزماتها الحينيّة على حساب مزيد تضخّم الأزمة العميقة، فكلّ حكومة تسعى إلى ضمان عدم السّقوط مهما كلّفها الأمر، بينما تغضّ الطّرف عن التّداعيات الخطيرة لهذا الحلّ الذي يزيد إلّا في تعميق الهيمنة الماليّة والاقتصادية والسياسيّة للقوى العالميّة ومؤسساتها وأجهزتها على البلاد. ولم يعد خافيا اليوم التّبعات الخطيرة لسياسة الحلّ الوحيـد، فتقارير الصناديق الدولية وبعثاتها المتتالية وتقارير الأجهزة الماليّة الأوروبيّة تتشابه في استعمال نفس المصطلحات والعبارات إذا ما تعلّق الأمر بمنح قرض أو حتّى "مساعدة ماليّة" على غرار الإصلاحات الاقتصادية، إصلاح المنظومة البنكية وخاصة القطاع البنكي العمومي، المؤسسات الكبرى، إصلاحات حيوية لتشجيع الاستثمار وإحداث المشاريع، إصلاحات هيكلية في ما يتعلق بالجباية... ولا يخجل المسؤولون التونسيون في ترديد هذه العبارات حتّى أصبحت معتادة ولا تثير أيّ حرج بالنسبة إليهم.
إنّ هذه العبارات المسبوقة غالبا بـلفظ "إصلاح" ومشتقّاته تخزّن في باطنها شروطا خطيرة مملاة من قبل القوى الامبريالية العالميّة ومؤسساتها الماليّة وشركاتها العابرة للأقطار والقارّات وقد أصبحت معروفة في تونس باسم "النقاط العشر"، وتحمل في جوهرها عناوين الهيمنة على الشعوب و الأمم واضطهادها واستغلال ثرواتها على نحو يضمن مزيد تكديس الأربـاح لتلك القـوى مقابل مزيد تفقير الشّعوب ومزيد إحكام السيطرة عليها من خلال التدخّل المباشر في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعيّة وغيرها. ولن تكون الإصلاحات المزعومة المملاة من قبل هذه القوى في خدمة الكـادحين وإنّما هي إصلاحات ستضمن توفير حقوق ومستحقّـات هذه القــوى المقرضة .
واليوم أصبحت هذه القوى تتدخّل بشكل مباشر في وضع السياسات الاقتصاديّة والماليّة وتحضر على عين المكان بواسطة وفودها حتّى لا تفوتها صغيرة أو كبيرة في التّعاطي مع هذا الشّأن أو ذاك، إذ لم تعد تعتمد فقط على وكلائها المحلّيين ربّما لنقص الخبرة لديهم. فزيارة ممثّل صندوق النقد الدّولي الأخيرة تتنزّل، وفق ما صرّح به الصندوق، في إطار التعرف على أولويات الحكومة وضبط برنامج عمل لمواصلة دعم تونس ومساندتها لتحقيق الأهداف التي ستضبطها. وبشكل أدقّ، فقد أكّد الصندوق على ضرورة مزيد تحرير التجارة الخارجيّة وفتح الأسواق المحليّة أمام تدفّق البضائع الأجنبيّة تنفيذا لما ورد باتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومع منظمة التجارة العالمية وتحرير قطاع الطاقة وتشجيع الاستثمارات الأجنبيّة في هذا المجال وتطوير مواردها غير التقليدية عبر الطاقات المتجدّدة والبديلة. وإمكانية التفويت في البنوك العمومية أو في البعض منها وتحرير نسب الفائدة المعمول بها وتحديد تدخل البنك المركزي في رسم سياسات الدولة النقدية والبحث عن حلول للصناديق الاجتماعية بإعادة هيكلتها وإنقاذها من الإفلاس باعتماد الزيادة في نسب الاقتطاع والترفيع في سنّ التقاعد وتقليص مجالات تدخلها وخاصة فيما يتعلق بالمنظومة الصحية والعلاجيّة، والحدّ من الانتداب في الوظيفة العموميّة...
ولا تختلف تدخّلات الاتّحاد الاوروبي والبنك العالمي وحتّى البنك الإفريقي والدّول العربيّة وبنوكها عن تدخّل صندوق النقد الدّولي. هذا هـو حال تونس الآن، فكيف سيكـون الحـالُ يـومَ تُصبح هذه الدّولة غير قـادرة على تسديد الدّيـون المتراكمة ؟
الاستقــلال هو الحلّ
على خلاف هذا الوضع الذي بلغته درجة تدخّل القوى الامبريالية والرّجعيّة وأجهزتها الماليّة، يبدو أنّ بعض المسؤولين الرّسميين في الدّولة يعيشون خارج التّاريخ وخارج الجغرافيا، أو أنّهم يعتقدون فعلا في استقلال البلاد وفي سيادتها على قرارها، أو أنّهم يعتقدون فعلا أنّهم وزراء وطنيّون في دولة وطنيّة. فقد صرّح وزير الماليّة يوم 3 مارس 2015 في إطار صيحة فزعه بأنّ الحلّ الوحيد لتلبية المطالب المادية للأساتذة وغيرهم يكمن في الحصول على قروض أجنبية وهو اختيار لا يحبذه لأنه "يفقد الدولة استقلالها ويعيدها مئات السنين إلى الوراء". قد لا يكون هذا التصريح غريبا لو صدر عن وزير آخر لا علاقة له بالمال وبالاقتصاد، لكن أن يصدر عن وزير الماليّة ذاته وبعد كلّ القروض التي صُرفت قبل توزيره والتي ستتدفّق في عهده فإنّ الأمر مثير للسخرية.
لكن المفيد في هذا التّصريح، هو أنّ هذا المسؤول يدرك أنّ حلّ الاقتراض، الذي لا يحبّذه، "يفقد الدّولة استقلالها". وهنا فإنّ تحقيق المعادلة بين التداين من جهة وبين الاستقلال من جهة أخرى هو شبه مستحيل. فالتداين وفق شروط الهيمنة الامبرياليّة يؤدّي إلى فقدان البلدان لاستقلالها، مع أنّه ليس إلاّ واجهة من واجهات عديدة أخرى لها دور في تكريس الاستعمار الاقتصادي وفقـدان السيادة الـوطنيّة.
إنّ التحرر الوطنى و الاشتراكية هو حلّ الحلول لكلّ الأزمـات، وهو الشّرط الأوّل لتحقيق النموّ الاقتصادي ومواجهة التخلّف وحلّ المشاكل الاجتماعيّة وضمان السيادة الـوطنيّة. فالاستقلال الـوطني يضمن إقـامة نظام اقتصادي وطني متكامل لا تتحكّم فيه القوى الإمبريالية ولا الصناديق النهّابة للثّروات، وهذا يفرض رفض كلّ الاتّفاقيّــات الاقتصاديّة المعبّرة عن مصــالح هذه القـوى وعملائهــا ومقـاومتها ويستوجب أيضا تــأميم ممتلكــات الإمبريــاليّين وتأميــم التّجارة الخارجيّة وإلغــاء الاتّفــاقيّــات غير العــادلة وعدم الاعتــراف بالدّيــون... إنّ هذه الشّروط وحدهـا تضمن الاستقلاليّة الاقتصاديّة، لكنّها ليست إلاّ مقدّمة لتحقيق اقتصاد يتمتع فيه الكادحون بثمار عملهم كاملة أي تطبيق الاشتراكية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتيجة خسارة التحدي.. قمر الطائي تعاقب بطريقة قاسية ??????


.. بعد رحيل -رئيسي- .. إيران أمام أخطر 50 يوما في تاريخها




.. فتح تحقيق بأسباب تحطم طائرة رئيسي.. ووفد رفيع يصل مكان الحاد


.. شبكات | انتقادات لمخرج مصري بعد مباراة الزمالك ونهضة بركان




.. شبكات | احتفاء بأمانة طفل يمني