الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب اليمن و الغموض الإستراتيجي

رضا لاغة

2015 / 4 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


" الواقع إنه وقت بالغ الإثارة الآن لدراسة الجغرافيا السياسية "1 . هكذا لاحظ بيتر تيلور و كولن فلنت وهما يتفحصان مظاهر التمدد العولمي الذي يرتدي شكلا مختلفا في عالمنا المعاصر . فالإستراتيجية تغيرت: من حروب بين الدول إلى حروب داخل الدول. حقا إنه لقول عرّاف فما يميّز حالتنا المعاصرة هو زوال مساحيق العولمة التي تغنت بالانسانوية و " برامج الإصلاح الاجتماعي و مكافحة الفقر و برامج المساعدات الدولية"2 . إن المشهد اليوم ينقلب رأسا على عقب، فبعد أن كنا نبشّر بالقرية الكونية العالمية المتصالحة ، صرنا نخشى على الدولة الوطنية و تماسك وحدتها المجتمعية؛ و وضعنا العربي صار مسرحا لتنازع مصالح الدول الكبرى و لكن بأيادي محلية . فإرادة التقاتل و التصفية العرقية و المذهبية أضحت قواعد مسبقة و ثابتة لا يمكن تجاهلها في كل صراع. و نستطيع أن نبدأ بالنظر إلى مسألة الصراع المتوطّن في اليمن . و لعل أول سمة يمكن رصدها أن الحرب على اليمن لا تتوقف على تناحر بين طرفين ، بل يوجد دوما أطراف أخرى معنيّة و متدخّلة كلما اتسعت مساحة الصراع و تقاطعت معركة المصالح. لذلك فإن أهم عنصر في الإستراتيجية السياسية هو معرفة رقعة الصراع و ساحته. و لو أننا طبّقنا هذه القاعدة على ما يحدث ، سنجد أن الأطراف المتدخّلة في الصراع متعددة و هي تتمفصل في شكل حلقات متلاحقة تزداد وضوحا من خلال الدعم العسكري و السياسي و الإعلامي لبعض الدول. في هذا السياق توجد مفارقة مفجعة فالجبابرة من الدول: الناتو يعتبر عاصفة الحزم ، حرب عادلة ، و الكيان الصهيوني ظلت طباعه لا تتغير ، فكلما تناحر أبناء الجلدة الواحدة إلا و كانوا زادهم الذي لا ينضب . لهذا ترتفع في زماننا تخاريف مضمونها أن اللجوء إلى الحرب في اليمن هو انتصار للحق ، و تثبيت للأمن القومي .ضدّ من ؟ ضدّ من يحملون حق الانتماء. نصف الشعب اليمني الذي له عقيدة شيعية.و إن يكن ، إن تسخير السعودية كطرف يخوض حربا بالوكالة لمصلحة المحور الصهيو ــ أمريكي ، أمر بيّن لا محالة. و رغم ما يبدو من احتقان بين الحوثيين و أنصار الهادي المخلوع ، فإن عمق المعركة يتنزل في سياق محور أمريكي يضع يده على مقدرات الأمة و محور مقاوم يرفض أن يمتثل لها. إننا نعني هنا روسيا و إيران و سوريا و حزب الله. انتصار الحوثيين في اليمن لا يمثّل تهديدا للسعودية و دول الخليج فحسب و إنما التحكم في معبر استراتيجي ( باب المندب) يعزز اقتدار هذا المحور و يكسبه فاعلية و نجاعة في إشعال معاركه متى شاء و كيفما شاء. و بما أن باب المندب يمثل ملتقى حساس و استراتيجي لدورة اقتصادية عالمية ، فإن تركيز نظام غير موال لأمريكا ، هو بحد ذاته عبارة عن إشعال حرب إستباقية قد يكون أول ثمارها سقوط العائلة المالكة لآل سعود. إنها إذن الحلقة الثانية بين دولة تستشعر خطرا يتهدد بقائها في محيط عربي متحرك تنوء فيه الدول العربية بحمل الاستحقاقات الجماهيرية و الانفلات المطلبي . إن هذا المعطى يمثّل مناسبة سانحة لكي تحتكر السعودية الوصاية على العالم العربي . وما دعوتها لتقنين التدخل في اليمن عن طريق جامعة شرم الشيخ ، مقابل دسّ هبات مالية في جيوب رؤساء دول تطمح أن تنجح في الحد من حالات الاحتقان لدى شعوبها مهما كان الثمن ، سوى مناورة جريئة لاستقطاب أحلاف تجعل من الوكيل متوكل بدوره على وكلاء.
نحن إذن ما زلنا نتعامل مع نظام شمولي محكم كل إرهاصة فيه لا يقتصر مداها عند نقطة انفجارها و إنما تتحيز ضمن قطب هرمي بدايته من البيت الأبيض و صولا إلى المرتزقة ممن قبضوا المال مقابل قتل الشعب اليمني.
إن من يغذّي هذا الصراع في اليمن ، هو بالضرورة معني بالمستقبل . وهذا أمر غامض ليس فيه ترجيح. بمعنى إن المتتبع للحرب على اليمن يلاحظ وجود غموض استراتيجي. استعملنا هذه العبارة لأننا ندرك أن نتيجة الحرب ستكون مؤثرة بشدة على مصير أمتنا العربية.
نعلل ما أسلفنا ذكره بشروع أمريكا في بناء قاعدة عسكرية في اليمن كان يفترض أن تشرع في العمل في سنة 2015 . وهذا لم يحدث. تركيز قاعدة عسكرية في البحرين من قبل بريطانيا . فضلا على القاعدة العسكرية و الإستخبراتية بقطر . إن كل هذه المؤشرات توحي بتأهب فعلي لاستعمار جديد في المنطقة. بمعنى آخر إن فشل عاصفة الحزم يعنى انتصار المحور الروسي /الإيراني / السوري ، و هو ما يؤدي إلى تداعي الأنظمة الراعية في المنطقة و أولها نظام آل سعود. و حين أطلّ السيد حسن نصر الله و أكد فشل الحرب على اليمن أتسم موقفه بالشمول و حتى الشراسة في التنديد بالمعتدين . و اليوم و بعد القصف الجوي الفاشي على الأبرياء من أهلنا في اليمن ، راح البعض ينظر بعين الريبة و الشك في قدرة هذا القصف الجوي لتغيير الأوضاع على الأرض. إن الذهاب إلى شنّ حرب بريّة يعني السقوط في مستنقع حرب طويلة أول نتائجها تصدع الجبهة العربية / العربية و انهيار الأمن السعودي باعتبار أن رقعة الحرب ستتوغل في مساحات مرعبة.
لو أردنا أن نستعرض أهم المسائل التي يجب أخذها بعين الاعتبار حين نسلط الضوء على الحرب في اليمن لقلنا:
ـــ الطبيعة المعقدة للقوى التي تؤثر في هيكلة بنية الصراع ( أمريكية ، صهيونية ، خليجية ).
ـــ التنوع المذهبي داخل اليمن و استخدامه كشمّاعة لتأجيج الصراع و إضفاء مشروعية عليه ، مقابل تعتيم التمايز السياسي للقوى الفاعلة داخل اليمن عن المحور الأمريكي و اصطفافها مع المحور الروسي / الإيراني و السوري.
ـــ التنافس السعودي لإضفاء صفة الدولة القائد ، من خلال التسويغ لفكرة الأمن القومي بعد أن كانت تضطلع بها مصر عبد الناصر و هي واقعيا آلت إلى سوريا و الجزائر.
ــ انخراط مصر في مستنقع الحرب ضد اليمن يمثل خطأ إستراتيجي لدورها التاريخي و المستقبلي كدولة إقليم يفترض أن تستعيد تموقعها وفق مصلحة الأمة العربية و ليس وفق مصلحتها المحلية.
ـــ نظام العمالة للنظام السعودي القائم أساسا على حراسة أوضاع اقتصادية حيوية و عالمية ، نقطتها المحورية باب المندب .
ــ تثمين المبادرة الجزائرية الداعية إلى حسم الصراع بالحوار الداخلي و نبذ التدخل العسكري.
المراجع:
1 ــ الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر، بيتر تيلور ، كولن فلنت. ترجمة رضوان ( عبد السلام) و عبيد ( اسحق)؛ ص 18 ، عالم المعرفة ، عدد 282 .
2 ـــ نفس المرجع ، ص 18 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة.. الجيش الإسرائيلي يدعو السكان لإخلاء شرق رفح فورا


.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما ولا تقدم في محادثات التهدئة




.. مقتل 16 فلسطينيا من عائلتين بغارات إسرائيلية على رفح


.. غزة: تطور لافت في الموقف الأمريكي وتلويح إسرائيلي بدخول وشيك




.. الرئيس الصيني يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا.. ما برنامج الزيارة