الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذا ما وجدنا عليه آباءنا و أجدادنا

أحمد محمد منتصر

2015 / 4 / 18
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


مثلما كانت هذه الجملة البسيطة - هذا ما وجدنا عليه آباءنا و أجدادنا - عقيدة يعتنقها قوم الجاهلية و ما قبلهم و إيمانهم بها و كفرهم بالأديان و الأنبياء , أصبحت نفس هذه الجملة مذهب فكري يعتنقه العديد , أصبحت هذه الجملة رداً علي تساؤلات عديدة يطرحها كل مهموم بالقضايا المجتمعية و المشاكل الحياتية , مر آلاف السنين و نحن الآن في القرن الحادي و العشرين ما زال هناك العديد من البشر لا يعلمون شيئاً من حياتهم إلا أنهم وُجدوا ليُلبوا رغبات آخرين , وُجدوا في الحياة ليكونوا فقط إستكمالاً لسُلالة أو نسل أو عائلة كبيرة , وُجدوا ليرثوا و يفعلوا ما فعله آباءهم و أجدادهم .
حياة البشر أصبحت مُملة و مُكررة بتفاصيلها , فالإنسان يولد بإسم و جنسية و دين و مطلوب منه أن يحيا مدافعاً بإستماتة عن أشياء لم يخترها فقط تم توريثه إياها , تحولت الحياة إلي سيناريو مكتوب و معلوم ليس غيبياً بل دنيوياً , يكتبه الآباء و الأجداد و يسير علي دربه الأبناء و الأحفاد .
و الحقيقة أنك إن سألت علي أي شيء يُمارس في الحياة اليومية بروتين ثابت ستكون الإجابة بطريقة غير مباشرة بأن هذا ما وجدنا عليه آباءنا و أجدادنا , فالفقير يُورِّثُ فقراً ليس إلا و الثري يترك الأرض جنة لورثته فهذه سنة الحياة التي وُجِدنا عليها و التي سنفني عليها ما لم يُكفر بها , فحياتنا الراكدة المُسيّرة بالروتين الثابت أصبحت مُبرَرة من قِبل المطحونين فيها قبل من لهم السلطة و السيادة بأن لابُد أن نقبل بحالنا و أن هذا هو النصيب و المُقدر , أم سنكفر ؟؟
أهل المُقدر أن تحيا مُسخر مربوط قوت يومك بإستغلال بشري , أهل المُقدر أن تتم المتاجرة بك من قِبل الحكام و رجال الدين و مالكي عملك بِسمك و بِسم كل المعاني الزائفة التي تعيش مطحون لها , أهل المُقدر أن يُباح الخطأ و يُجرّم الصحيح و تُحاسب علي المبدأ و يُبرَر الفُجر ؟؟
إننا أصبحنا نعيش في عصر إندثرت فيه كل القيم و المعاني الإنسانية السامية التي من أجلها خُلق و كُرًّم الإنسان , إنطفأ نور الأديان و خفُتَ صوت الحق و علا صوتُ الزيف , القوة هي الحاكمة و لكن أي قوة ؟؟ قوة العادة يا سادة التي جرت علينا و علي آباءنا و أجدادنا , قوة السحق و التجبرت بِسم السيادة , قوة إستحداث القوي المختلفة لفرض سيطرة مجتمعية بواسطة أدوات عِدة كالأموال و السلاح و تغييب رجال الدين ... إلخ .
أصبحت حياة البشر تتلخص في كذبة هم يُجبرون أنفسهم علي تصديقها و ليس قدر و نصيب , يري البشر الفساد و مجبرون علي السكوت , يرون التدليس و الزيف و مجبرون علي التصديق , يرون الوباء المنتشر و عجلة سحق الحياة المستمرة و مجبرون علي الرضا و القبول , كل هذا هو موروث عن آباءهم و أجدادهم فمثلما فعل السابقون , سار اللاحقون .
و يا للعجب أصبحت قوة العادات و التقاليد المكتسبة و المتوارثة من جيل لآخر هي السيد و الحكم ولا شيء فوقها , فحين يُنتهك حق فتبريرهم هكذا جرت العادة , و حين يُكتم صوت فهكذا وُجدنا راضيين , وحين تُزهَق روح فهذا هو القضاء و القدر .
الحقيقة يا سادة أن الرضوخ التام لكل معطيات الحياة و قوانينها الموضوعة من قِبل أناس مثلنا لا يزيدون عنا عيناً أو عقلاً هو الذي سبّب الوضع المأساوي الذي وصلنا إليه من ضياع و إندثار كل القيم الإنسانية و التي حوّلت من ينادي بأي حق مجتمعي إلي مجنون في نظر الجميع , فمن يطلب الحرية خُوِّن و من يطلب التحرر كُفِّر حتي من يطلب أكل عيشه ومتغاضِ تماماً عن باقي حقوقه الآدمية سُحق بعجلة الحياة و سُحق أكثر بِفعل قوانينهم الموضوعة التي أصبحت كحبل مشنقة لفّ علي رقبة كل من أحني نفسه و رضخ وقِبل بالإستسلام .
إذا كان من المعتقد أن الأديان حررت البشر من شتي أنواع العبودية المطلقة , فإن في الحقيقة ما زالت هناك عبودية ضمنية بمفاهيم أخري وُجد علي أساسها إنسان القرون الماضية , فالإحتلال هو أحد مفاهيم العبودية الضمنية الذي تمحور مصطلحه و أداته من الإحتلال العسكري إلي الإحتلال الرأسمالي , نعم فالرأسمالية تقتل بمفعول أقوي من قوة السلاح , الرأسمالية تقتل بمعدل إستغلالها و طحنها للعمال , فكم عامل يعمل في اليوم بالـ 12 ساعة و الـ 16 ساعة ليكفي حاجات يومه , كم عامل يُفصل و يُسرّح من عمله , الرأسمالية التي قسمت ظهر المجتمع إلي طبقتين لا ثالثة لهما , إما فقير مُستغَل و إما ثري مُستغِل , الرأسمالية التي جعلت من شعوب تعيش في جِنان الأرض و شعوبٌ أخري تحيا في ظِل الأمراض و الأوبئة القاتلة , و إن قاومت توحش الرأسمالية و عددت أسباب رفضها يكون الجواب من المُعانين أشد المعاناة في ظلها : هكذا سنة الحياة و نحن مضطرون لأن هذا ما وجدنا عليه آباءنا و أجدادنا .
إننا بِفعل الحياة الوضيعة التي أُجبرنا عليها أصبحنا نعيش في تناقض رهيب , تناقض بين من قال لا إله إلا الله و في نفس الوقت يتخذ من دون الله أنداداً , فمن الممكن لبني البشر أن يتبادلوا السُباب بينهم البعض بسب الدين نفسه و لكن حين يُسب رجل دولة أو يُنتقد رجل دين تقوم القيامة و تُعلّق المشانق و يُرجم المتفوه بأي كلمة تجاههم .
إن المجتمع أصبح للأسف يمقت كل ذو فكر مستقل لدرجة أن من يقرأ في موضوع ما أصبح مختل بالنسبة لمن حوله , فإذا تحدثت عن مشاكل الحياة يتهموك بالكآبة , و إن تحدثت في العلم صرت مجنوناً , و إن تحدثت عن المعدومين و المهمشين صرت منبوذاً , و إذا تحدثت في الدين توّصف ملحداً , العديد و العديد من المأساة يعاني فيها كل من يطرح فكرة ما في مجال ما , كل ذلك لأن المجتمع تعوّد فقط علي التلقين و أفراده أصبحوا كالأطفال ينتظرون التعليمات لكي ينفذوها بكل سمع و طاعة , لماذا أصبح الفرد لقمة سائغة هكذا في أيدي مالكيه ؟؟ لماذا بخُست قيمته هكذا ؟؟
وصل بنا الحال أننا حين نبحث عن القيم و المباديء و التحرر كأنك تبحث في المستحيل , أصبحنا لا نستوعب الحق قدر ما نعي تماماً للزيف الذي أصبح مشهداً حيوياً من يومياتنا , فحين تستدرج العقل لمناقشة موضوع ما بمادية تامة إذ بإستحضار عائقين أو حاجزين أصبحا عالقين في عقل كل فرد يحيا حياة التلقين المجتمعية , هذان الحاجزان هما الحرام و الإستحالة , فكل فكرة منطقية للمناقشة اصبحت تندرج تحت الحرام أو الإستحالة , فما هو الحلال و الممكن بالنسبة لكم ؟؟ أهل السلطوية و الفساد و الرشوة و المحسوبية و الإستغلال و تغييب العقل و ترهيب النفس من الحلال و الممكن بالنسبة لكم ؟؟ أهل غير ذلك وجدتم في مجتمعاتكم و تعودتم علي العيش في ظلال قوانينهم الوضعية التي اتخذتوها من دون المباديء الإنسانية ؟؟
إنني حين أخاطب , فأنا أخاطب العقل البشري الذي بفطرته رافض لكل أشكال طمس شخصية الإنسان و الحجر علي الأفكار و المباديء الشخصية , إننا بصدد توحش أكثر للأنظمة التي نتعايش تحت ظلالها , إننا بصدد معركة ليست للرأي و الرأي الآخر بل لرأيهم و حجب الرأي الآخر , إن أفكارنا أصبحت محبوسة داخل عقولنا و يتم مواجهاتنا بشتي الطرق , بداية المواجهة تبدأ من بيوتنا و ذوينا الذين مع الوقت أصبحوا يدركوا تماماً أننا إنحرفنا بعيدأ عن - جنب الحيط - و سيعملون طوال الوقت علي إرجاعنا للمشي - جنب الحيط - لأن هذا ما وجدوا عليه آباءهم و أجدادهم , سيتم مواجهاتنا أينما تواجدنا و تواجد فكرنا في الجامعات في الشوارع و علي المقاهي , سيظل كل ذي فكر مطارد ممن يريدونه العدول عن أفكاره خشيةَ عليه و لكن في الحقيقة هي خشيةَ منه , إننا لسنا محررين فالشعوب وحدها هي التي تحرر أنفسها هكذا قالها جيفارا , فمن يتبنون أفكار تحرر البشرية هم أنفسهم أكثر المحبوسين و المقيدين بعقبات كثيرة , فالجميع أتوا للحياة و يعلمون أنهم فانون , فابحث عن شيء يستحق العناء لتفني نفسك من أجله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه


.. اعتصام لطلبة جامعة كامبريدج في بريطانيا للمطالبة بإنهاء تعام




.. بدء التوغل البري الإسرائيلي في رفح