الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القاريء .. والنص الإبداعي : حدود الالتقاء والاإفتراق بينهما

فيصل قرقطي

2005 / 9 / 26
الادب والفن


بعد رحلة دامت أكثر من ثلاثين سنة مع الشعر، وفي الشعر، وصلت إلى نتيجة مؤداها أن قارئ الشعر العربي متكلف.. متطلب.. متبرم أكثر مما ينبغي ويغي السهولة.. متقاعس.. يريد أن تصل له المعاني والصور دونما أي جهد.. وإلا اتهم الشاعر بالغموض والبعد "بسّط" هذا الشاعر اتهم بالمقابل في السقوط المباشر والوضوح والتسطح على السواء.
إذاّ أين تكمن حدود المشكلة، هل هي في الشاعر.. أم في القارئ؟ !
قديما قيل لشاعر العرب الكبير أبي تمام لماذا لا تكتب شيئا نفهمه!! فأجاب ولماذا لا تفهمون ما يكتب؟
منظرو الأدب الاشتراكي وعلى رأسهم لينين، ناقشوا هذه المسألة، بحدود أيهما الأجدى أن ينزل الشاعر إلى مستوى الجماهير.. أم يرتفع بالجماهير إلى مستوى النص؟! وحقيقة الأمر أن الشاعر الذي يقضي جل وقته في أيام وني حياته يطور أدواته الفنية ولغته، يصل بالضرورة إلى مستوى في خطابه الشعري يتشكل من طبقات المعنى عبر صور كثيفة وبلغة عميقة أيضاً.. لذلك يستكثر عليه قارئ الشعر الذي يمر على القراءة الشعرية بشكل مناسباتي، وبالكاد يقرأ طوال السنة عددا من الكتب لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وبذلك يصبح مطالبا للشاعر النزول من صوره وعمقه إلى درجة ثقافة القارئ المتواضعة.
هذه الإشكالية برزت بعيد بداية النصف الثاني من القرن المنصرم.. وما زالت تجر ذيولها حتى أيامنا هذه.
وزاد هذه الإشكالية تعقيدا، أيضا تطور المناهج الدراسية التي أصبحت لا تقيم وزنا للصعوبة في التحصيل الأدبي والمعرفي. إذ حينما كنا في المرحلة الابتدائية (الأساسية) كنا نعرف في اللغة والأدب عموماً، والشعر خصوصا ما لا يعرفه طالب جامعي الآن، وهذا يشهد به الكثير من أبناء الأجيال القديمة.
وزد على هذا وذاك أن القارئ العربي، عموما، لم يتقمص حالة القراءة كعادته، بقدر ما هي عنده حالة هروب من المشاكل الحياتية في أحسن الحالات.. أو لتعبئة الفراغ من جهة أخرى.
والقراءة، كما يفهمها النقد، هي إعادة النص من منظورات مختلفة، إو إعادة تركيب النص على نحو جديد، على رغم أن عددا من اللسانيات والأدب عموما أكدوا أن القراءة هي إعادة كتابة النص على نحو جديد، وهذا ما أفضى الدرب فسيحا إلى مقولة أو نظرية "موت المؤلف". فهل اعتاد قارئنا العربي أن يجرب فهم النص على نحو جديد يخصه هو؟! أو هل استطاع أن يتخيل نفسه كاتبا للنص من خلال زوايا فهمه هو للنص؟!
أو هل حاول أن يفسر النص تفسيرا جديدا يخصه هو، بما يتلاءم مع معطياته مع معطياته النفسية والروحية والمعرفية؟!
اعتقد جازما لا هذا التساؤل ولا ذاك، ولا الثالث، يطبقه القارئ حينما يتناول قراءة نص شعري ما.. وذلك يعود على القطيعة التاريخية التي حدثت من قبل القارئ مع النص الذي لم يستطع التواصل معه عبر الكثير من السنوات، التي امتدت إلى عشرات السنين. أو آليات القراءة هي الفهم.. والمدارس بمختلف مراحلها التعليمية لا تركز أو تشدد على الفهم بقدر ما تشجع الحفظ. وبين الفهم والحفظ بون شاسع إذ سرعان ما ينتسى الحفظ ويبقى الفهم الأمر الذي عكس نفسه بجدارة على ثقافتنا العربية عموما، وعلى النص الإبداعي خصوصا، ووسمها بالترديد والتكرار من جهة وعدم الدقة في الاصطلاحات اللفظية التي تحدد وتتحدد من خلال الألفاظ في الحوار وفي النص وفي القراءة على السواء، من جهة أخرى.
أعتقد أننا بحاجة إلى ثورة، إعادة منهجية المفاهيم وموضعتها في إطاراتها الصحيحة بلاغيا وإبداعيا.. ونقديا لأننا نشعر في كثير من الأحيان بخداع البلاغة للقارئ وللنص على السواء.. وبخداع النص الإبداعي لقارئه الذي لا ينطلق من مفاهيم محددة، وأطر بيانية وصلت إلى ترديد وتبديع ما هو عادي.. فضلا عما يسبح به النقد من مياه لم تستطيع حتى الآن من تثبيت المصطلح النقدي العربي الحديث، الذي يتساوق مع معطيات النص الشعري الجديد.. إلا إذا استورد هذا النقد مصطلحاته النقدية من الثقافة الغربية وهذا شيء ليس مرفوضا تماما وأنما هو بحاجة إلى (ليس تعريب المصطلح النقدي لغويا) وإنما تعريبه مضمونيا.
وأعتقد جازما أن النقد العربي القديم لم يترك مسألة نقدية إلا وضع لها الأسس النقدية الملائمة اللغوية الملائمة.. وكان للجرجاني، وقدامة بن جعفر، وابن خالويه وغيرهم، الفضل الكبير في ارساء ارث نقدي نستطيع من خلاله وحده وحسب، أن ندخل ميادين النقد الأدبي الحداثي.. بكل جدارة وصلابة وثبات.
وقال غرام هف: "أن الحضارة التي تسيطر عليها الكلمة تتغير إلى حضارة يسيطر عليها الرقم، ولا يستطيع أحد التكهن بالمكان الذي ستحتله فنون الكلمة في مجتمع في طور التكوين. منذ الحضارات المبكرة ظل الشعر جزءاً من حياة الإنسان الجماعية، إلا أن مهمته لم تكن هي نفسها، كان الشعر أداة القانون والتاريخ، وكان مستودعا لذاكرة الناس، للتسلية الشعبية وللنشاط الخفي للقلة من الناس".
وما أكثر انطباقا لهذا القول على واقعنا العربي، وكأنه يشخص بدقة شديدة ماضينا وحاضرنا. ومستقبلنا في آن. لأن معطيات التاريخ إذا أهملناها سوف لن تقف بانتظارنا على قارعة الطرق في الأزمات، لأننا إذا تجاوزناها نكون قد قطعنا لحظة تواصل الوعي معها وبالتالي من العسير علينا أن نعود ثانية إليها.
والسؤال الذي يبرز الآن، بأهميته القصوى، هو كيف يمكن لنا أن نرجع ثقة القارئ بالنص على اعتبار أنه نصّ مكتوب له ولأحلامه وآماله وطموحاته.. هذه الثقة التي خلخلتها جملة من المعطيات والمفاهيم آنفة الذكر؟ وكيف يمكن للنص الإبداعي الشعري أن يرفع القارئ إلى مستواه؟! هذا ما يجب التأكيد عليه، والذي يتوجب الاشتغال عليه من قبل القارئ والمبدع على السواء دون التنازل، أبدا من المبدع لجهة تحميل النص من الصور والمعاني وطبقاتها داخل النص.. النص الواحد.. ليس إلا.
وأعتقد أن الراحل العظيم بدر شاكر السياب سئل ذات يوم عن مسألة الغموض، غموض النص أعطى مفتاحا رئيسا لحل هذه الإشكالية.. مفتاحا تبناه في شعره وهو يتلخص في أن على الشاعر أن يبدأ بنقطة واضحة تماما في القصيدة، ويمضي متدرجا للأعمق فالأعمق، وبذلك يستطيع نقل القارئ من ثقافته ومعرفته المتواضعة إلى أبهى صور العمق دراية وحنكة واعتى سبل الترميز.. استعارة.. ومكاشفة.. وتضليلا.. على السواء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي