الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نساء بوكوفسكي

سعد محمد رحيم

2015 / 4 / 18
الادب والفن


النبرة الساخرة واضحة في رواية ( نساء/ منشورات الجمل 2015 ) لشارلز بوكوفسكي من جملة الاستهلال؛ "كان عمري خمسين سنة وما ضاجعت امرأة من أربعة أعوام"، وحتى الجملة الأخيرة؛ "فتحت له علبة من التونا البيضاء الفاخرة من ماركة ستار كيست. كانت محفوظة في مياه النبع. وزنها الصافي 250 غراماً"، كما لو أن الراوي ( هانك شيناسكي ) لا يحمل العالم على محمل الجد. وعبر خمسمائة وخمس وثلاثين صفحة ( الترجمة العربية بتوقيع شارل شهوان ) يجد القارئ نفسه إزاء حياة بوهيمية صاخبة، موزعة بين كتابة الشعر وقراءته أمام جمهور سكران غير مهتم في أغلب الأحايين، وبين مغامرات جنسية عارمة لا تنتهي، يتخللهما، طوال الوقت، احتساء الخمر بإفراط شديد، والمراهنة الحذرة في سباقات الخيول. ومن غير أن تكون هناك حبكة مشدودة، وتصعيد درامي مستمر للأحداث، فيما الشخصيات التي تظهر، سرعان ما تختفي، من غير أن تترك أثراً واضحاً على حياة الراوي، ربما باستثناء ليديا التي تقتحم حياته المرة تلو الأخرى بحبها وغيرتها المرضية، لكنها ستستسلم في النهاية وتتوارى.
يصوِّر لنا الراوي دقائق ما يعيشه ويواجهه بلغة بسيطة صافية وتلقائية أقرب ما تكون للغة التحقيقات الصحافية، وإن كانت تقترب من أسلوب السيرة الذاتية، وهذه اللغة تتوافق مع شكل الحياة التي يجري تصويرها.. لذا ليس من اليسير أن نصنِّف هذا العمل في ضمن خانة النوع الروائي. فتقنيا تتخذ الرواية النسق التتابعي الرتيب، وتقدِّم الشخصيات بمظاهرها، ولا تغوص كثيراً لاكتناه عوالمها الداخلية. ولعل المقطع التالي، المأخوذ من الصفحتين الأولى والثانية، من الرواية، يعطينا فكرة واضحة عن شخصية الراوي ونمط حياته وطريقتها، وهو يخطو في مرحلة الكهولة من عمره:
"لست أذكر بالتحديد متى رأيت ليديا فانس للمرة الأولى، كان ذلك منذ ما يقارب ستة أعوام، وكنت تركت للتو وظيفة مارستها اثنتي عشرة سنة كساع للبريد، وأحاول أن أصبح كاتباً. كنت مذعوراً احتسيت الكحول أكثر من أي وقت مضى، كنت أحاول كتابة روايتي الأولى. فيما أكتب كل ليلة، كنت أعب نصفية ويسكي وصندوقي بيرة سعة ست قنان، كنت أدخن السيجار الرخيص وأطبع على الآلة الكاتبة، وأشرب مستمعاً إلى الموسيقى الكلاسيكية عبر الراديو حتى بزوغ الفجر".
يمضي تيار الحياة في هذه الرواية بتموجات خفيفة، تعلو أحياناً، وتندفع، لكنها سرعان ما ترتد وتخفت. فلا شيء كبير ومأساوي يخلخل حياة الراوي ويقلبها رأساً على عقب كما هو الحال في الأعمال الروائية ذات المنحى التراجيدي والثيمات الوجودية الكبيرة. فكل شيء اعتيادي، ليس ثمة قصة حب عنيفة، ولا اهتمام، بأي قدر بمسائل السياسة والمجتمع، وحتى هاجس الموت لا يسكن الشخصيات كما لو أنها تحيا إلى الأبد، أو تراها غير مبالية بمصيرها، تحيا ليومها، لا ترغب باستعادة ماضيها تحت وطأة الحنين، أو إعادة صياغة ما جرى لفهمه بشكل أفضل. ولا تبالي كثيراً بما يمكن أن يحصل في غدها.. ولا تشغلها أفكار كبيرة، أو أهداف ذات أفق إنساني واسع.
وكل شخصية من شخصيات الرواية ( معظمها من النساء ) نألفها مهمومة بالتفاصيل الصغيرة، الحميمية، والتافهة أحياناً، ليومها. وفي الغالب تصارع من أجل الحصول على عمل بأجر مقبول ضامن للقمة العيش، والانغماس في العلاقات العابرة، والحلم، في أفضل الأحوال، بزواج مستقر.. وهي في أعماقها تبحث عن الحب وشيء من التقدير وسط دوامة الحياة ومفاجآتها، من غير أن تحقق خطوة أبعد، في الغالب، ومن غير أن تخوض مغامرتها الخاصة بإرادة جامحة، صلبة.. إنها ببساطة لا تفكر بالمجد.
يكشف الراوي، بلا مواربة، حقيقة رغباته المنفلتة، التي تكاد تخلو من الهيام الواصل حد العشق. فهو لا يتعلق بقوة بأي من النساء اللواتي يتقاطرن عليه على الرغم من دمامته وكبر سنه، مكتفياً بقضاء ساعات من المتع الحسية، وكتابة الشعر بسرعة، لتلبية دعوات النوادي التي تقدمه في ضمن برامجها للجمهور.
"لم أتوقف عن الشرب طوال الأسبوع الماضي. شربت ليلاً ونهاراً، وكتبت 25 أو ثلاثين قصيدة كئيبة عن الحب الضائع".
نساء بوكوفسكي رواية خفيفة مشوّقة، لها جماليتها الخاصة، وهي تنقل لنا لا جانباً من الحياة شبه العدمية لشخصيتها الرئيسة، وإنما أيضاً مشاهد متشظية من حياة وهواجس وأحلام الشريحة الدنيا للبرجوازية الأميركية في العقود الوسطى من القرن العشرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا


.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف




.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??